سُبل السلام (رسالة عملية تبيّن المهم من أحكام الشريعة بأسلوب عصري)/ح9
سُبل السلام (رسالة عملية تبيّن المهم من أحكام الشريعة بأسلوب عصري)
الحلقة التاسعة
المقصد الثالث في الاستحاضة
دم الاستحاضة – في الغالب – اصفر بارد رقيق يخرج بلا لذع وحرقة عكس دم الحيض . وربما كان بصفاته ولا تشترط فيه الشروط العامة للحيض. فلا حد لكثيره ولا لقليله ، ولا للطهر المتخلل بين افراده . ويتحقق قبل البلوغ وبعده وبعد اليأس . وهو ناقض للطهارة بخروجه ولو بمعونة القطنة ، إذا عرفت أن فيه قابلية الخروج والا لم يكن خروجه بالقطنة ناقضا وهو يخرج من فتحة الفرج المؤدّية إلى الرحم سواء كانت بوضعها الطبيعي أو الاصطناعي. واذا خرج من غيرها فلا يبعد القول معه بالطهارة . ويكفي في بقاء حدثيته بقاؤها في باطن الفرج بحيث يمكن اخراجه بالقطنة ونحوها . وان كان الظاهر عدم كفاية ذلك في انتقاض الطهارة به ابتداءاً كما تقدم .
والاستحاضة على ثلاثة اقسام : قليلة ومتوسطة وكثيرة .
فالقليلة : ما يكون الدم فيها قليلا بحيث لا يغمس القطنة .
والمتوسطة ما يكون الدم فيها اكثر من ذلك بحيث يغمس القطنة ولا يسيل.
والكثيرة : ما يكون الدم فيها اكثر من ذلك بان يغمسها ويسيل منها.
(مسألة – 255) الأحوط وجوبا الاختبار للصلاة بادخال القطنة في الموضع المتعارف . والصبر عليها بالمقدار المتعارف ولا ينبغي الابطاء بها . ثم تنظر إلى القطنة فتجد بها احد الاوصاف السابقة فتبنى عليها . وإذا تركت الاختبار عمدا أو سهوا وعملت، فان طابق عملها الوظيفة اللازمة أو زاد عليها بحسب ما سيأتي من الوظائف، وتوفرت منها النية القربية الى الله تعالى صح، و إلا بطل .
(مسالة – 256) حكم القليلة وجوب تبديل القطنة أو تطهيرها وتطهير ظاهر المكان إذا تنجّس. ووجوب الوضوء لكل صلاة فريضة كانت أو نافلة دون الاجزاء المنسية وصلاة الاحتياط وسجود السهو المتصل بالصلاة ، فلا يحتاج فيها إلى تجديد الوضوء وغيره . وانما تحتاج إلى تجديد الطهارة الحدثية والخبثية في موردها مع احرار نزول الدم ولو إلى باطن الفرج اما بدونه فلها الاستمرار في عباداتها إلى حين حصول هذا الاحراز .
(مسالة – 257) حكم المرأة المستحاضة بالاستحاضة المتوسطة مضافاً إلى ما تقدم من تبديل القطنة وتطهير ظاهر المكان إذا تنجّس والوضوء لكل صلاة: غسل واحد في اليوم يكون وقته قبل الوضوء لأول صلاة فريضة يحصل قبلها الحدث وفي الأيام التالية يكون قبل وضوء صلاة الصبح ، فإذا أصبحت المرأة مستحاضة بالوسطى قبل صلاة الفجر وجب عليها أن تغتسل لصلاة الفجر ثم تتوضأ فتصلي ، وإن لم تغتسل لصلاة الصبح لسبب أو لآخر فعليها أن تغتسل لصلاة الظهرين ، وهكذا كما أن عليها إعادة الصبح حينئذ، وإذا ابتليت المرأة بالإستحاضة الوسطى بعد صلاة الصبح وجب عليها أن تغتسل و تتوضأ فتصلي الظهرين ، وإذا حصلت لها الاستحاضة الوسطى بعد صلاة الظهر فتغتسل وتتوضأ فتصلي صلاة العصر ، هذا في اليوم الأول أما في الأيام التالية فتغتسل قبل وضوء صلاة الصبح ، وإن أحدثت أثناء الصلاة وجب استئنافها بعد الغسل والوضوء ولا يعني هذا الغسل عن الوضوء إذا كان غسل الوظيفة وإنما يغني عن الوضوء إذا كان غسل انتهاء الحدث بأن لم يعقبه خروج الدم أو نزوله إلى باطن الفرج.
(المسألة – 258) حكم الكثيرة مضافا إلى ما سبق غسلان آخران . احدهما : للظهرين تجمع بينهما والآخر للعشائين كذلك . ولا يجوز لها الجمع بين اكثر من صلاتين من الفرائض اليومية بغسل واحد . نعم يكفي للنوافل اغسال الفرائض بل لكل الاعمال الواجبة والمستحبة كالطواف والزيارة وقراءة القرآن . وغسلها يكفي عن الوضوء ما لم تحرز خروج الدم ، كما سبق .
(المسألة – 259) إذا حدثت الكبرى بعد صلاة الصبح ، وجب غسل للظهرين وآخر للعشاءين ، وإذا أحدثت بعد الظهرين وجب غسل للعشاءين . وإذا أحدثت بين الظهرين أو العشاءين وجب الغسل للمتأخرة منهما بنية الرجاء أو الاحتياط مع ضم الوضوء اليه.
(مسالة – 260) إذا انقطع دم الاستحاضة واصبحت المرأة نقية منه قبل الأعمال من وضوء أو غسل وجب عليها أن تقوم بتلك الأعمال وكذلك إذا انقطع الدم اثناء عملية الطهارة أو اثناء الصلاة أو بعد الفراغ منها إذا كان الوقت متسعاً للطهارة (من الحدث بالغسل) والصلاة ، فانه يجب عليها في كل تلك الحالات أن تستأنف وتعيد الطهارة والصلاة.
(مسالة – 261) إذا علمت المستحاضة أن لها فترة تسع الطهارة والصلاة وجب تأخير الصلاة إليها ، واذا بادرت وصلّت قبلها بطلت صلاتها ، ولو مع الوضوء والغسل ، وإذا كانت الفترة في أول الوقت فأخّرت الصلاة عنها – عمداً – عصت وعليها الصلاة بعد فعل وظيفتها ، وأما إذا أخّرت الصلاة عنها نسياناً أو لعذرٍ آخر فلا إثم ، ولكن عليها أن تؤدي عملية الطهارة على الوجه المقرّر لها شرعاً وتصلي ، وإذا لم تكن المرأة على علم بهذه الفرصة وصلّت وفقاً لوظيفتها ثم انقطع الدم لأمدٍ معين يتسّع للطهارة والصلاة وجب عليها أن تقوم بعملية الطهارة من جديد وتصلي.
(مسالة – 262) إذا انقطع الدم انقطاع برء وجددت الوظيفة اللازمة لها ، لم تجب المبادرة إلى فعل الصلاة ، بل حكمها حينئذ حكم الطهارة في جواز تأخير الصلاة .
(المسألة 263) إذا اغتسلت ذات الكثيرة لصلاة الظهرين أو العشاءين ولم تجمع بينهما عمدا أو لعذر ، وجب عليها تجديد الغسل للأخرى على الأحوط وجوبا وتتوضأ بعده .
(المسألة 264) إذا انتقلت الاستحاضة من الادنى إلى الاعلى ، كالقليلة إلى المتوسطة أو إلى الكثيرة وكالمتوسطة إلى الكثيرة . فان كان قبل الشروع في الاعمال فلا اشكال إنها تعمل عمل الاعلى للصلاة الآتية . اما الصلاة التي فعلتها في الانتقال فلا اشكال في عدم لزوم اعادتها . وان كان بعد الشروع في الاعمال فعليها أن تضيف ما يجب عليها للزائد . وكذا إذا كان الانتقال في اثناء الصلاة مع احرازه اولاً وسعة من الوقت للزائد ثانيا . فتعمل الزائد وتستأنف الصلاة على الأحوط وجوبا. ولكن لا يجب الاستئناف لو كان التكليف متحدا كما في الغسل لصلاة الصبح المشترك وجوبه بين المتوسطة والكثيرة . فان انتقلت المتوسطة إلى الكثيرة اجزأها العمل إذا كانت نيتها خلال الغسل غير مقيدة بالمتوسطة لا غير وان كان الأحوط استحبابا خلافه .
(المسألة 265) إذا حصلت الزيادة في حال المستحاضة في وقت لا يسع الزائد سواء بعد العمل وقبل الصلاة أو خلالها ، اجزأها عملها . نعم لو وسع الوقت للتيمم بدل الغسل الزائد لزم و تستأنف الصلاة . وإذا قصرت وجب القضاء .
(المسألة 266) إذا انتقلت الاستحاضة من الاعلى إلى الادنى . فان كان خلال العمل لم يجب الزائد من أعمال الحالة السابقة على وظيفة الحالة اللاحقة . وان كان بعد العمل صلت به . وتعمل عمل الادنى للصلوات الآتية .
(مسالة 267) قد عرفت انه تجب المبادرة إلى الصلاة بعد الوضوء والغسل لكن يجوز لها اتيان الاذان والاقامة قبل الصلاة ، وكذلك ما يتوقف عليه فعل الصلاة كتحضير المصلى وملابس الصلاة ولو من جهة لزوم العسر بدونه والاولى لها جدا عدم التسامح بالمبادرة حتى بترك المستحبات والادعية . ولكن أن فعلتها في وقت متعارف فالظاهر صحة صلاتها .
(مسالة 268) يجب عليها التحفظ من خروج الدم بحشو الفرج بقطنة وشده بخرقة ونحو ذلك . بمعنى أن تعمل ما يمكنها ، فان لم يمكن عذرت عن الزائد . واما إذا قصرت وخرج الدم اعادت الصلاة ، والاحوط استحبابا إعادة الغسل .
(مسالة 269) الظاهر توقف صحة الصوم من المستحاضة على فعل الأغسال النهارية في الكثيرة ، حتى غسل العشاءين في الليلة التي بعد نهار الصوم على الأحوط وجوبا واما المتوسطة فيتوقف صحة صومها على غسل الفجر على الأحوط وجوبا وإذا اغتسلت المستحاضة بالكبرى والوسطى جاز لزوجها مقاربتها. أما دخول المساجد وقراءة العزائم ومس المصحف فيجوز لها مطلقاً وإن كان الأولى لها فعل ذلك بعد أداء وظيفتها بحسب نوع الاستحاضة.
المقصد الرابع : النفاس
دم النفاس هو دم يقذفه الرحم بالولادة معها أو بعدها ، على نحو يعلم استناد خروج الدم اليها . ولاحد لقليله وحد كثيره عشرة أيام من حين زمان رؤية الدم فإذا رأته في اليوم الرابع فالحد الأكثر له أن لا يتجاوز اليوم الرابع عشر وإذا رأته بعد عشرة أيام لم يكن نفاسا . وإذا لم تر فيها دما لم يكن لها نفاس اصلا . ومبدأ حساب الاكثر من حين تمام الولادة لا من حين الشروع فيها وان كان جريان الاحكام عليه من حين الشروع . ولا يعتبر فصل اقل الطهر بين النفاسين بل لا يعتبر الفصل بين النفاسين أصلا ، كما إذا ولدت ورأت الدم إلى عشرة ثم ولدت آخر على رأس العشرة فالدمان جميعا نفاسان متواليان . وإذا لم تر الدم حين الولادة ورأته قبل العشرة وانقطع عليها وعرفت استناده إلى الولادة فذلك الدم نفاسها .
وإذا رأته حين الولادة ثم انقطع ثم رأته قبل العشرة وانقطع عليها فالدمان والنقاء بينهما كلها نفاس واحد . وان كان الأحوط استحبابا في النقاء الجمع بين عمل الطاهرة والنفساء إذا علمت برجوع الدم مرة اخرى .
(المسألة – 270) الظاهر أن الدم الخارج عند الاسقاط وإن لم تتضح معالم السقط يعتبر دم نفاس وتجري على المرأة أحكام النفساء والإحتياط حسن في الجمع بين تروك النفساء وأفعال المستحاضة.
(المسألة – 271) إذا رأت المرأة الحامل الدم قبل ظهور الولد فهو ليس أكيداً ، فإن رأته في حال المخاض وعلمت أنه منه فهو من دم الجروح ولا أثر له وإن كان الأحوط ترتيب آثار الإستحاضة وإن كانت واثقة ومتأكدة بأنه من دم الحيض عملت ما تعمله الحائض بلا فرق بين أن يكون منفصلاً عن الولادة بعشرة أيام أو أقل أو أكثر أو يكون متصلاً بها ، إذ لا يعتبر أن يفصل بين دم الحيض المتقدم ودم النفاس عشرة أيام كالذي اشترط من الفصل بين حيضتين أما دم الحيض المتأخر فسيأتي إن شاء الله تعالى ، وإذا لم تدر بأنه دم حيض أو دم استحاضة فإن كان بصفة الحيض وفي أيام العادة إعتبرته حيضاً وتتأكد من ذلك باستمراره ثلاثة أيام ، وإن لم يكن بصفة الحيض ولا في أيام العادة إعتبرته إستحاضة وإن كان بصفة الحيض ولم يكن في أيام العادة ، أو كان في أيام العادة ولكن من دون صفة الحيض فالأحوط لها الجمع بين تروك الحائض وأفعال المستحاضة.
(مسألة – 272) ) النفساء ثلاثة أقسام :
أولا – التي لا يتجاوز دمها العشرة ، فجميع الدم نفاس .
ثانيا – التي يتجاوز دمها العشرة ، وتكون ذات عادة عددية في الحيض ويراد بتجاوز العشرة تجاوزها من حين رؤية الدم لا من الولادة كما اسلفنا . ففي هذه الصورة كان نفاسها بمقدار عادتها والباقي استحاضة والأحوط وجوبا لها ان تحتاط بالجمع خلال المدة الزائدة عن عادتها إلى العشرة.
ثالثا – التي يتجاوز دمها العشرة ولا تكون ذات عادة في الحيض سواء كانت مضطربة أو مبتدئة ، تجعل مقدار اقاربها نفاسا والباقي استحاضة ولا تترك الاحتياط بالجمع ما بين العادة والعشرة أن كانت عادتهن اقل من عشرة.
(مسالة – 273) إذا رأت النفساء في عشرة الولادة أزيد من دمٍ واحد كأن رأت دمين أو ثلاثة أو أربعة أو أكثر سواء كان النقاء المتخلل كالمستوعب لقصر زمن الدمين أو الدماء أو لم يكن كذلك فلها صورتان.
الأولى – أن لا يتجاوز الدم الثاني اليوم العاشر من اول رؤية للدم ، فتجعل كلا الدمين نفاسا ويجري على النقاء المتخلل حكم النفاس على الاظهر . وان كان الأحوط استحبابا فيه الجمع بين اعمال الطاهر أو تروك النفساء وخاصة ما بين موعد نهاية عادتها إلى نهاية الدم .
الثانية – أن يتجاوز الدم الثاني اليوم العاشر من اول رؤية الدم وهذا على اقسام : -
القسم الأول – أن تكون المرأة ذات عادة عددية في حيضها وقد رأت الدم الثاني في زمان عادتها . ففي هذه الصورة كان الدم الأول مع النقاء نفاسا وما زاد عن العادة استحاضة . والاحوط الجمع بين الوظيفتين ما لم تعلم بزيادة الدم على العشرة .
القسم الثاني - أن تكون المرأة ذات عادة ولكن لم تر الدم الثاني حتى انقضت مدة عادتها فرأت الدم وتجاوز الدم العشرة . ففي هذه الصورة يكون نفاسها هو الدم الأول واما الدم الثاني فهو استحاضة ويجري عليها احكام الطاهرة في النقاء المتخلل .
القسم الثالث – أن لا تكون المرأة ذات عادة في حيضها وقد رأت الدم قبل مضي عادة أقاربها وتجاوز اليوم العاشر . ففي هذه الصورة يكون نفاسها مقدار عادة اقاربها ، وهي في الباقي مستحاضة والاحوط استحبابا الجمع بين الوظيفتين من نهاية العادة إلى العاشر ولو بعنوان عدم علمها باستمرار الدم .
القسم الرابع – أن لا تكون المرأة ذات عادة في حيضها وقد رأت الدم الثاني الذي تجاوز اليوم العاشر بعد مضي عادة اقاربها . ففي هذه الصورة يكون نفاسها هو الدم الأول ، وتحتاط استحبابا بالجمع بين الوظيفتين أيام النقاء وايام الدم الثاني إلى يوم العاشر .
ثم أن ما ذكرناه في الدم الثاني ، يجري في الدم الثالث والرابع وهكذا . فإن لم يتجاوز المجموع العشرة كانت كلها نفاسا . وان زاد عن العشرة كانت أيام عادتها نفاسا وما زاد استحاضة . وان لم يكن لها عادة أخذت بعادة أقاربها كما سبق وكان الباقي استحاضة .