شكوى الإمام من عدم اجتماع قلوب شيعته (خطاب المرحلة (102))
خطاب المرحلة (102) : شكوى الإمام من عدم اجتماع قلوب شيعته العدد (37)
الحمد لله كما هو اهله وكما يستحقه حمدا كثيرا والصلاة والسلام على سادة الخلق محمد وآله الطيبين الطاهرين
كنا قد حررنا اربع شكاوى للامام المهدي المنتظر (ارواحنا له الفداء) واليوم نشير الى شكوى اخرى فقد ورد في رسالته الشريفة الى الشيخ المفيد (قده): (ولو ان اشياعنا وفقهم الله لطاعته على اجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تاخر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحبسنا عنهم الا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منهم والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلاته على سيدنا البشير محمد وآله الطاهرين وسلم)
فهل يعلم اتباع الحق المنتظرون لظهور امامهم والتواقون لرؤية طلعته المباركة والذين يتضرعون ليل نهار الى الله تبارك وتعالى ليقرب يومه الموعود حتى يعيد البسمة الى المظلومين والمحرومين ويقيم دولة الحق والعدل ويقصم ظهر الطغاة والمستكبرين والمجرمين، اقول هل يعلمون انهم يؤخرون كل تلك البركات بما يعيشون بينهم من حالة التنافر والشحناء والتقاطع والعلاقات المتشنجة التي برزت بشكل واضح خلال السنوات الاخيرة حين وجدت فرص الوصول الى المواقع السياسية -اي المناصب على اختلاف مراتبها- والدينية كإمامة المساجد والجمعات أو الوكالة عن المرجعية في مدينة ما والاجتماعية كزعامة العشائر أو الوجاهة لدى الناس فاشعل التنافس غير الشريف والتزاحم على هذه المواقع نار الحسد والبغضاء مما يدفع صاحبها الىالكيد للاخر وتسقيطه في المجتمع وتشويه صورته وتنفير الناس منه؛ ومهما حاول صاحبها ان يبررها باسباب مقنعة كوجود مصلحة دينية ونحوها بقوله تعالى فانه يغالط نفسه لأن الحديث الشريف يقول(أوثق عرى الأيمان الحب في الله والبغض في الله) فأي عروةٍ هذه التي يتمسك بها هؤلاء المغالطون لأنفسهم لكي يفصموا بها هذه العروة الوثقى التي لا انفصام لها أن هؤلاء مشمولون بقوله تعالى: (وجحدوا بها واستيقنتها انفسهم) وقوله تعالى (بل الانسان على نفسه بصيرة) وقد قرب احد العلماء ذلك بمثال فقال لو ان الانبياء كلهم وهم مئة واربعة وعشرون الف نبي اجتمعوا في زمان واحد هل تراهم يختلفون على شئ ام تراهم متحابين متالفين متوحدين؟! لماذا لأنهم مخلصون لايبتغون الا رضا الله تبارك وتعالى فيتوحدون على هذا الهدف المشترك فمنذ ان هبط ادم الارض تصارع ولداه حين تقبل قربان احدهما ولم يتقبل من الاخر فقال الاول الذي انساق وراء نوازعه النفسية واهوائه فتغلبتا على عقله (لاقتلنك) قال الاخر الذي هذب نفسه وضبط شهواته والجمها بلجام عقله (لإن بسطت الي يدك لتقتلني ما انا بباسط يدي اليك لاقتلك اني اخاف الله رب العالمين) وحينئذ سقط الاول في هاوية جهنم (فطوعت له نفسه قتل اخيه فقتله فاصبح من الخاسرين).
فمرجع كل ذلك الى حب الدنيا الذي تجلى بصور عديدة ولايكاد ينجو انسان من شكل من اشكاله كالثراء والازدياد من المال او فتنة النساء او حب الجاه والزعامة حتى يسقط في داء اخر, لذا يشبه الاخلاقيون الدنيا بالتنين الذي كلما قطع راس له ظهرت له عدة رؤوس.
وانا لا ازعم ان هذا الداء قد ابتلي به هذا الجيل دون غيره بل انه جزء من الصراع الطويل بين الخير والشر في النفس الانسانية والصراع المتاصل بين جند الرحمن وجند الشيطان في هذا العالم الاكبر الذي ينطوي عليه الانسان
اتزعم انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الاكبر
لكن الفرق بيننا وبين الأجيال القديمة اننا نعيش في ظل الاسلام وتعاليم اهل بيت النبوة الذين لم يتركوا شاردة ولا واردة الا بينوا وجه الحق فيها ثم واصلت المرجعية الشريفة دورهم في هداية الامة وارشادها الى طريق الصلاح ولازالت تؤدي نفس الدور فتحصل عندنا رصيد عظيم من الاحاديث الشريفة والتعاليم الانسانية السامية. فمن تلك الروايات في إدخال السرور على المؤمنين قول النبي (صلى الله عليه واله): (من سر مؤمنا فقد سرني، ومن سرني فقد سر الله عز وجل) وعن الامام الباقر (عليه السلام) قال: "تبسم الرجل في وجه اخيه حسنة وصرفه القذى عنه حسنة، وما عبد الله بشئ احب الى الله من ادخال السرور على المؤمن) وعن الامام الصادق (عليه السلام) قال: "من ادخل على مؤمن سرورا خلق الله من ذلك السرور خلقا فيلقاه عند موته فيقول له: ابشر يا ولي الله بكرامة من الله ورضوان، ثم لايزال معه حتى يدخله قبره فيقول له مثل ذلك، فاذا بعث تلقاه فيقول له مثل ذلك، ثم لايزال معه عند كل هول ويبشره ويقول مثل ذلك فيقول له: من انت يرحمك الله؟ فيقول انا السرور الذي ادخلته على فلان".
وورد في الاهتمام بقضاء حوائج المؤمنين قضيت او لم تقض عن الصادق (عليه السلام) قال: "ان الله عز وجل خلق خلقا انتجبهم لقضاء حوائج فقراء شيعتنا ليثيبهم على ذلك الجنة فان استطعت ان تكون منهم فكن" وعن الباقر (عليه السلام): "ان المؤمن لترد عليه الحاجة لاخيه فلا تكون عنده يهتم بها قلبه فيدخله الله بها الجنة" لاحظ سمو تربية أهل البيت(ع) وتعاليمهم فأن الجنة جزاء ليس فقط من قضى حاجة أخيه المؤمن بل هي جزاء من أمتلأ قلبه هما ًوغما لأنه تفاعل وتعاطف مع هم أخيهً المؤمن وإن عجز عن قضاء حاجته وعن الامام الصادق (عليه السلام): "تنافسوا بالمعروف لاخوانكم، وكونوا من اهله، فان للجنة بابا يقال له (المعروف) لايدخله الا من اصطنع المعروف في الحياة الدنيا، وان العبد ليمشي في حاجة اخيه المؤمن فيوكل الله عز وجل به ملكين واحد عن يمينه واخر عن شماله يستغفران له ربه ويدعوان له بقضاء حاجته ثم قال: "والله لرسول الله أسًر بحاجة المؤمن إذا وصلت أليه من صاحب الحاجة) وورد في تفريج كرب المؤمن - وما أكثر المكروبين اليوم - قول الأمام الصادق (ع):(من نفّس عن مؤمن كربة نفس الله عنه سبعين كربة من كرب الآخرة, وخرج من قبره وهو ثلج الفؤاد, ومن أطعمه من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة, ومن سقاه شربة سقاه الله من الرحيق المختوم) وورد في حسن العلاقة مع الآخرين قول الصادق(ع): من قال لأخيه:مرحبا, كتب الله له مرحبا إلى يوم القيامة) وعن رسول الله(ص):من أكرم أخاه المؤمن بكلمة يلاطفه بها وفرج عنه كربته لم يزل في ظل الله الممدود عليه من الرحمة ما كان في ذلك) وفي وجوب ستر عيوب الآخرين ورد عن الأمام الباقر(ع):يجب للمؤمن على المؤمن أن يستر عليه سبعين كبيرة) وعن الأمام الصادق(ع):المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحرمه) وحذروا من التقصير في ذلك فعن الأمام الباقر(ع) قال:من بخل بمعونة أخيه والقيام له في حاجته إلا ابتلي بمعونة من يأثم عليه ولا يؤجر) وورد في استحباب الإكثار من الأصدقاء والأخوة في الله تعالى فعن الأمام الرضا(ع): من استفاد أخا في الله استفاد بيتا في الجنة) وعن الإمام الصادق(ع): استكثروا من الأخوان فأن لكل مؤمن دعوة مستجابة:وقال:استكثروا من الأخوان فأن لكل مؤمن شفاعة وقال:أكثروا من مؤاخاة المؤمنين فأن لهم عند الله يدا يكافئهم بها يوم القيامة) وورد عن رسول الله(ص): ثلاثة يصفين ود المرء لأخيه المسلم يلقاه بالبشر إذا لقيه, ويوسع له في المجلس إذا جلس إليه, ويدعوه بأحب الأسماء إليه) وحثوا على إفشاء السلام وعدوا أبخل الناس من بخل بالسلام) وعن الإمام الرضا(ع): من شرب من سؤر أخيه المؤمن يريد به التواضع أدخله الله الجنة البتة ومن تبسم في وجه أخيه المؤمن كتب الله له حسنة ومن كتب الله له حسنة لم يعذبه) وعن درجة حسن الخلق والتعامل مع الناس قال الإمام الصادق(ع):ما يقدم المؤمن على الله عز وجل بشيء بعد الفرائض أحب إلى الله تعالى من أن يسع الناس بخلقه) وعن الإمام الصادق(ع):المؤمن مألوف, ولا خير فيما لا يألف ولا يؤلف) أما العفو عن إساءة الآخرين فقد وردت فيه أحاديث كثيرة فعن رسول الله (ص): عليكم بالعفو فأن العفو لا يزيد العبد إلا عزا, فتعافوا يعزكم الله) وعن علي بن الحسين(ع) في قول الله عز وجل: فأصفح الصفح الجميل ) قال:العفو من غير عتاب) وعن أمير المؤمنين (ع) قال: إذا قدرت على عدوك فأجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه), وعن رسول لله(ص): ألا أخبركم بخير خلائق الدنيا والآخرة, العفو عمن ظلمك وتصل من قطعك والإحسان إلى من أساء أليك وإعطاء من حرمك) وعن التراحم والتعاطف بين المؤمنين ورد قول الإمام لصادق (ع)لإصحابه (أتقوا الله وكونوا أخوة بررة متحابين في ألله ,متواصلين متراحمين , تزاوروا وتلاقوا وتذاكروا أمرنا وأحيوه) وعن الإمام الباقر(ع):رحم الله أمرءاً ألف بين وليين لنا يامعشر المؤمنين تآلفوا وتعاطفوا) وفي إستحباب مصافحة المؤمنين ورد عن الإمام الباقر(ع): إن المؤمنين إذا ألتقيا فتصافحا أدخل الله يده بين أيديهما وأقبل بوجهه على أشدهما حباً لصاحبه فأذا أقبل الله بوجهه عليهما تحاتت عنهما الذنوب كما يتحات الورق من الشجر) وعن حرمة إهانة المؤمن ورد عن الإمام الباقر (ع)قال: لما أُسري بالنبي (ص) قال: يارب ماحال المؤمن عندك ؟ قال : يامحمد من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة وأنا أسرع شيء إلى نصرة أوليائي)
أن الدخول في هذا العالم الرحيب لأهل البيت (ع) المبلغين رسالات ربهم بأمانة وصدق وإخلاص لا يمل وينقل الإنسان إلى عوالم قدسية تجلو بها القلوب وتطهر بها النفوس.
ولم يكتف المشرع الأقدس تبليغ هذه التعاليم والوصايا وإنما وضع على الأمة شعائر وطقوس تعزز هذه الألفة والمودة والتواصل كالاجتماع لأداء الفرائض اليومية وهي خمسة في اليوم وكصلاة الجمعة الأسبوعية التي يجب على كل أهل المدينة القدوم إليها وكفريضة الحج التي يجمع إليها ملايين المسلمين من كل بقاع العالم ومن تلك الشعائر: الأعياد وما تتضمنه برامجها من استحباب الاجتماع والتزاور والمعانقة والتهاني مما يعيد الصفاء إلى القلوب و يزيل الاضغان منها.
أفبعد كل هذا نشهد هذه الحالات المؤلمة من التقاطع والتباغض والمهاترات الكلامية بين من ينتسبون إلى مدرسة أهل البيت (ع) ويدعون أنهم مخلصون، عجباً عجباً !! وقد شملت هذه الظاهرة المقرحة للقلوب كل ساحات العمل فالتناحرات السياسية والتسقيط في ساحة العمل الديني والانقسامات الاجتماعية أدخلت الأمة في دوامة ونفق مظلم دفعت ثمنها غاليا من دماء بريئة وتشوش فكري وتمزق اجتماعي وضياع للثروات والقدرات.
إن هذه الحالة المنكرة تتسبب في عدة كبائر وخسائر:
أنها تضعف الأمة وتبدد قواها وتشغلها بأمور وهمية وتضيع وقتها الثمين الذي نحتاج كل دقيقة منه قال تعالى:(وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرون).
توقع صاحبها في معاصي تستلزمها كالغيبة والبهتان وإهانة المؤمن وتشويه صورته وتسقيط سمعته.
أنها تنغص حياة الشخص وتسلبه صفو معيشته وسعادته كما ورد في مناجاة الإمام السجاد ( فإن الشكوك والظنون لواقح الفتن ومكدرةً لصفو المنائح والمنن) لذا كان أهم النعم يتفضل بها الله تبارك وتعالى على أهل النعيم إزالة هذه المنغصات من القلب( ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين).
انها تمكن الأعداء من الأمة وتفتح ثغرات في جسدها يخترقها العدو وها نحن نشهد كيف أننا أكثرية في هذا البلد إلا أننا أصبحنا نهاب من الأعداء .
انها تعيق تقدم حركة المشروع الإسلامي وتؤخر عملية التمهيد لليوم الموعود،
أرأيتم إن الانسياق وراء الأهواء والأنانية وعدم الالتزام بتعاليم أهل البيت(ع) في التحابب والتآلف والعفو والصفح وصفاء القلوب كيف توصل إلى هذه النتائج الوخيمة أجارنا الله وإياكم منها وعصمنا من كل ما يسخط إمامنا المهدي الموعود ويحرمنا من اليمن بلقائه والتنعم بالنظر إلى طلعته المباركة..
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.