حوارات سياسية (خطاب المرحلة 101)
خطاب المرحلة 101
حوارات سياسية
الحلقة الرابعة
بسم الله الرحمن الرحيم
اذن سماحة الشيخ لفضائية العالم الايرانية باجراء حوار معه في برنامج (العراق اليوم)(*) وتناول عدة قضايا سياسية ووجه من خلالها رسائل مهمة الى الشعب والحكومة والقوى المتدخلة في الشأن العراقي.
وكان السؤال الاول: عن المعايير التي انطلق منها سماحته في دعم العملية السياسية.
فاجاب سماحته: بوجود عدة منطلقات بينها تفصيلا في عدة خطابات من سلسلة (خطاب المرحلة) وملخصها:
1- ان وجود قيادة للامة ضرورة عقلائية يقتضيها النظام الاجتماعي الانساني وكان رسول الله (ص) اذا خرج الى غزوة فانه يخلف على المدينة احد اصحابه وقال اذا خرجتم ثلاثة في سفر فأمروا احدكم ولا شك ان القيادة لابد ان تكون صالحة ولها شروط معينة فالمشاركة في العملية السياسية الوسيلة المتيسرة لايصال هذه القيادة الصالحة الى قمة المسؤولية.
2- اننا مبتلون بالاحتلال وانجاح العملية السياسية وتشكيل حكومة قوية مقدمة لطرد الاحتلال وسلب الذرائع لوجوده فوجوب المشاركة في العملية السياسية مترشح من وجوب نتيجتها وهي طرد الاحتلال .
3- ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة واجبة ومن اعظم المسؤوليات الشرعية وهي ذات آليات متعددة تختلف من حيث سعة التأثير وقوته ولا شك ان اوسع هذه الآليات واعظمها تأثيراً إصلاح النظام الحاكم أي قمة الهرم وبالتالي اصلاح حال القاعدة كلها ورفع المظالم عن الناس واستنقاذ حقوقهم وتوفير السعادة والازدهار لهم .
4- اننا مسؤولون عن اقناع الناس بالاسلام كمنهج شامل للحياة وان ذلك انما يتحقق من خلال الوصول الى مفاصل الحكومة والنجاح في العمل وحسن الاداء وحينئذ ستزداد ثقة الناس وايمانهم بالاسلام .
السؤال الثاني: ان الادارة الامريكية فوجئت بعد انهيار نظام صدام باسلامية الشارع العراقي ..كيف استطاع الشعب العراقي ان يحيا وان يحافظ على مشروعه الاسلامي في مواجهة المشروع التخريبي والمعادي؟
سماحة الشيخ: وهذا لم يأت طبعا وليد لحظته بل جاء نتيجة تراكم جهود وتضحيات من علماء ومراجع وتوجت بدماء المراجع العظام والفضلاء واساتذة الحوزة ومئات الآلاف من الشباب الرساليين وقد اعطوا بدمائهم روحا جديدة للامة وانما تفاجأ الامريكيون لنقص حساباتهم وعدم وضوح في رؤيتهم والا فالمفروض ان يروا بأم اعينهم كيف حاول صدام ببطشه وقسوته ان يمنع الحركة الاسلامية المتصاعدة فلم يستطع واضطر الى مسايرتها وخذ كنموذج الشعائر الحسينية التي كان يحييها الملايين وصلاة الجمعة المباركة التي اقامها السيد الشهيد الصدر الثاني (قده) وشارك فيها مئات الآلاف في العراق تحت مراقبة جلاوزة النظام وبعد استشهاده واصلت الحركة الاسلامية نشاطها بالآليات المتيسرة.
وكان السؤال الثالث: عن تقييم مؤتمر القاهرة للوفاق الوطني العراقي.
وقد اجاب: بما نشر ملخصاً في صحيفة الصادقين ومما جاء فيه ان المقاومة المسلحة لا تكون مجدية في طرد الاحتلال الا اذا كانت خيارا وطنياً مجمعا عليه من قبل الامة فان العراقيين لم يفلحوا في انهاء الاحتلال الانكليزي في ثورة العشرين وتأسيس حكم وطني الا حينما شارك وسط وجنوب وشمال العراق في المواجهات ولا يتحقق هذا الاجماع الا بعد فشل الوسائل السلمية والاصرار على نجاح العملية السياسية وهذا ما نبه اليه المرجع الشيعي الذي فجر ثورة العشرين واعني به الشيخ محمد تقي الشيرازي (رضوان الله تعالى عليه) بعد عدة سنوات من دخول الاحتلال اما ان يبدأ ادعياء المقاومة بقتل اخوانهم من العراقيين الذين يعانون من وطأة الاحتلال لكنهم يتربصون ويراقبون التدرج في الوسائل فهذا ارهاب وعمل بالاتجاه الخاطئ وخلط الاوراق بين العدو والصديق .
السؤال الرابع: يوجد من يتهم قوات الاحتلال بالعمليات الارهابية التي تستهدف المدنيين في الاسواق والحسينيات وعناصر الجيش والشرطة وموظفي الدولة والكفاءات العلمية لزرع الفتنة والفرقة كي يتمكن من السيطرة على العراقيين، هل انتم مع من يحمّل الاحتلال مسؤولية ما يجري وكيف يتمكن العراقيون من مواجهة هذا التحدي؟
سماحة الشيخ: ان هذا الاتهام اذا كان عند البعض مجرد حدس وتخمين وحسابات مصالح تجنيها قوات الاحتلال ومنها:
1- الاستمرار بالتواجد على الارض العراقية بحجة حفظ الامن وعدم قدرة الاجهزة العراقية على ضبطه.
2- التخلص من العناصر غير المرغوبة والتي لا تنسجم مع المشروع الامريكي وإلقاء المسؤولية على الارهابيين.
3- لاخذ المزيد من الوقت لترتيب الاوراق في المنطقة ورسم خارطة طريق التعامل مع دول المنطقة.
4- زرع الفتنة وتمزيق المجتمع لتسهيل السيطرة عليه وجعل الجميع محتاجاً الى قوات الاحتلال.
اقول: اذا كان هذا عند البعض تخمينات وحسابات سياسية فقد كشفت الاحداث عن كونه حقيقة من خلال شاهدين على الاقل، الاول: الجنديان البريطانيان اللذين امسكت بهما الشرطة العراقية في البصرة وهما يحملان عدة تفجيرات والقتل. والثاني: ما عرضته الفضائيات من قيام عناصر الشركات الامنية من اطلاق النار العشوائي وبلا مبرر على السيارات المدنية.
السؤال الخامس: كيف يمكن الخروج من هذه الحالة؟
سماحة الشيخ: الخروج منها يكون بعدة امور:
1- وعي الشعب العراقي لوجود مثل هذه الحالة حتى يميز بين اعدائه وأصدقائه.
2- ان يلتفت ادعياء المقاومة الى هذه الحالة حيث اصبحوا غطاءً ووسيلة لتنفيذ هذه الجرائم ولا اعتقد ان عاقلا يقبل بقتل مئة عراقي مقابل جندي امريكي واحد، وان المقاومة لها آلياتها المعروفة وقد مارستها شعوب العالم وليس منها هذه العمليات الاجرامية فالمفروض بادعياء المقاومة اتخاذ مواقف حكيمة يعري المجرمين وتكشف زيفهم .
3- وحدة الشعب وتكاتفه وعدم خلق الثغرات ؟؟ ابنائه والتي تباعد هؤلاء المجرمين على تنفيذ افعالهم الشنيعة.
4- انجاح العملية السياسية وتطهير اجهزة الدولة من المفسدين وبالتالي تشكيل حكومة قوية قادرة على بسط الامن والنظام وسلطة القانون وانهاء الاحتلال حتى تتخلص من كل تبعاته وآثاره السيئة وهذه واحدة منها وليست هي سواها.
السؤال السادس: هناك تصريحات واضحة منسوبة الى المدعو أبي مصعب الزرقاوي اذا كانت هذه الشخصية موجودة باستهداف فئة معينة من ابناء الشعب العراقي كيف تنظر الى هذه النقطة وخطورة هذا الموضوع؟
سماحة الشيخ: ليس مهما ان تحقق في ان ابا مصعب الزرقاوي موجود ام لا لانه ان لم يوجد شخص بهذا الاسم فانه موجود كتيار وكخط فكري ونحن وان حملنا الاحتلال بعض المسؤولية عن العمليات الارهابية الا ان هذا لا يفسر قيام الانتحاريين بتفجير انفسهم في الاسواق والحسينيات وتجمعات الناس الابرياء فهذا الانتحاري ليس امريكيا وانما هم اشخاص جاؤوا ليعانقوا الحور العين بمجرد قتلهم بموجب فتاوى دينية فهذا التيار يحتاج الى معالجة شاملة لا تكتفي بالعمل العسكري والامني وانما تتعداها الى الاصلاح الفكري وخلق ثقافة احترام الرأي الآخر وقبوله وعدم الاعتداء والظلم واصلاح منظومة الافكار والثقافات التي توجه الرأي العام، وتجند بالاتجاهات التي تخدم سياساتها ففي اوربا يوجد واحد وعشرون مكتبا لتجنيد الارهابيين وبعثهم الى العراق وقبل يومين اعلن عن قيام فتاة بلجيكية اعلنت اسلامية بعملية انتحارية في العراق فأي غسيل دماغ تعرضت له هذه المرأة حتى قذفت بنفسها في هذه الهاوية المهلكة والآن بعد ان ضربهم الارهاب في الاردن والسعودية والكويت وغيرها صاروا يحشدون القوى لاستئصاله الا انهم مع الاسف حينما تصل القضية الى العراق يصبح الارهاب مقاومة شريفة وهذا هو عين الكيل بمكيالين .
وكان السؤال السابع: عن فشل التوقعات في حصول حرب اهلية في العراق.
وأجاب سماحة الشيخ: انها لم تكن مجرد توقعات وانما عملوا بمختلف الوسائل لاشعالها باغتيال التيارات الشيعية كالشهيد السيد محمد باقر الحكيم والشهيد الحاج عز الدين سليم وتفجير الجوامع والحسينيات وقتل زائري العتبات المقدسة والتثقيف والتحريض المستمر باتجاه قتل اتباع اهل البيت (ع) وتسميته مقاومة شريفة ونسبة الشيعة الى ايران والشعوبية الصفراء وغيرها من الاوصاف للتنفير منهم وخلق هوة بين الطائفتين.
وطلب في السؤال الثامن: تقييم محكمة الطاغية صدام حسين.
فاجاب سماحة الشيخ: عن عدم رضاه وان القاضي اراد ان يخرج من جد التفريط في العدالة وتطبيق القانون فوقع في حد الافراط وبالغ في التسامح فكان ملكيا اكثر من الملك فيسميه (السيد) صدام حسين ويسمح لاثارات هامشية تشتت القضية وتلعب باعصاب ملايين الضحايا لمجرم المعصر وتعطي رسالة خاطئة الى الارهابيين الذين يشجعهم هذا الضعف في اداء القضاء على التمادي والاستمرار في الجريمة ولا ادري ان كان هذا التصرف ناشئا من تركيبة القاضي الشخصية ام انه ينفذ مؤامرة تستهدف تمييع القضية وتسويفها من اجل انقاذ صدام وجلاوزته من القصاص العادل ضمن صفقات سياسية مع قوى الاحتلال فان السياسيين يقولون لا توجد صداقات ثابتة ولا عداوات ثابتة وانما توجد مصالح ثابتة ولا مكان للمبادئ والقيم العليا في السياسية البراغماتية وهو لعب بالنار نحذر الجميع منه لان الشعب لا يرضى بهذا المستوى من التفريط بحقه وستصل حالة الاختناق والغضب الى حد الانفجار ويخرج عن حد السيطرة ، اذن صدام ليس متهما حتى يطبق عليه (المتهم بريء حتى تثبت ادانته) انه مجرم حقيقي ويعلم كل العالم بجرائمه وهي موثقة ومعروفة لدى القاصي والداني واذا كان عرضه على المحكمة ضروريا لالقاء الحجة وتعريف هذه الجرائم وتثبيتها للتاريخ وازالة العمى عن المضللين فان ذلك لا يعني هذا الضعف والتمييع ان استغلال القضاء يعني عدم تدخل الحكومة فيه تأثيرها عليه ولا يعني خروجه عن ارادة الشعب لان (الشعب مصدر سلطات) كما ورد في الدستور ولا يجوز للقضاء ان يستمر اذا كان مفرطا بحقوق الشعب.
وكان السؤال التاسع: عن تقييم اداء الاسلاميين في الحكومة.
واجاب سماحته: بما موجود في خطاباته وما تنشره صحيفة الصادقين خصوصاً في مقال (النقد الذاتي فيما يتعلق باداء الحكومة) مع الاعتراف بتعقيد الحالة العراقية وكثرة اللاعبين في ساحتها ووجود ارادات متعددة لافشال عمل الاسلاميين لاظهار فشل التجربة الاسلامية رغم ان الحكومة لا تعد اسلامية وانما تضم اسلاميين واذا فشل احدهم فلا يعني فشل النظام الاسلامي على ان البلد قد قادته حكومة علمانية سابقة عليها وكانت اكثر تقصيرا فاذا ارادوا اقناع الناس بالعلمانيين فهم واهمون.
وتحدث السؤال العاشر: عن تقييم اداء حزب الفضيلة الاسلامي الممثل في الحكومة والذي يحظى برعاية سماحة الشيخ.
فاجاب سماحته: انه ليس حزب الفضيلة هو الوحيد الذي يحظى بالرعاية بل كل جهد مخلص يستهدف اصلاح حال الامة وازدهار البلد وانما يحظى حزب الفضيلة برعاية زائدة لانه فتي واغلب قواعده من الكوادر الشابة وولد من رحم المعاناة والبطش الصدامي كذك الرجل الذي قيل له من أحبّ ابنائك اليك قال:الصغير حتى يكبر والمريض حتى يشفى والمسافر حتى يعود.
ولم تسنح الفرصة الكافية للحزب باعتبار الملابسات التي رافقت تشكيل الحكومة لكن ابناءه الذين تصدوا للمسؤولية قد شهد لهم بالنزاهة والاخلاص والوطنية وما زال طريقهم طويلا ليبلغوا الطموح .
السؤال الحادي عشر: على ابواب الانتخابات التشريعية القادمة كيف تنظر الى الاصطفافات الجديدة التي حدثت الآن على الساحة العراقية وكيف تتوقع ان تكون مجريات العملية الانتخابية ؟
سماحة الشيخ: في الحقيقة توجد ارهاصات غير ايجابية برزت خلال الحملات الانتخابية وهي المهاترات الكلامية التسقيط والتشويه ، وقلت للمرشحين لا تجعلوا دعايتكم مبنية على هذا الاسلوب غير الشريف واذا كنتم تملكون مشروعا صالحا مقنعا فقدموه وبينوه للامة وسوف ينتخبكم الناس لكنني في الحقيقة أقرأ في الافق ان المسألة اكبر من تنافس انتخابي وانما هو صراع دولي على ساحة العراق يتخذ واجهات عراقية لادارة هذا الصراع فما يدور بين هذه الواجهات هو انعكاس لذلك الصراع الدولي وقد انجر اليه العديد من الكيانات وقد عبرت عن قلقي من هذا الانجرار لخدمة الاخرين واقول الله الله بالشعب العراقي لا تجعلوه ضحية لحسابات المصالح الاقليمية والدولية.
وتحدث سماحة الشيخ في الاجابة عن السؤال الثاني عشر: عن اهمية مشاركة الشعب في الانتخابات البرلمانية ومعنى قوله ان وجوب المشاركة اهم من وجوب الصلاة والصوم لان وجود الثلة الصالحة على سدة الحكم هو الذي يحفظ الصلاة والصوم وتسلم الطواغيت للحكم لا يبقي صلاة ولا صوما كما عشناه في ثمانينات القرن الماضي .
ودعا سماحته المواطنين الى التوجه الى مراكز الاقتراع على شكل مجاميع ومواكب ترفع الاعلام العراقية لاظهار عزة الامة وقوتها والتحفيز من لم تحصل عنده القناعة على المشاركة.
وفي جواب السؤال الثالث عشر: اشار سماحته الى القواسم المشتركة التي تتوحد عليها التيارات والقوى الاسلامية على الساحة العراقية وهي الوحدة الوطنية والمصلحة الاسلامية لان هوية الاسلام في خطر امام تحديات المسخ والتشويه والفرقة والتكفير ومن القواسم المشتركة الرحمة بهذا الشعب الذي عانى الكثير وحرم واضطهد وقتل وشُرد وآن الأوان للمسح على جراحه واعادة البسمة اليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*) في حلقة يوم الاربعاء 4 ذي القعدة 1426هـ المصادف 7 / 12 / 2005 ويوجد قرص مسجل للحوار
[1] من حديث سماحة الشيخ (دامت تأييداته) مع السيد جابر الجابري وكيل وزير الثقافة وعدد من موظفي الوزارة يوم الاثنين 23ذي القعدة 1426هـ