دلالات حديث ان الزهراء (ع) تفطم شيعتها من النار

| |عدد القراءات : 97
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسمه تعالى

دلالات حديث ان الزهراء (÷) تفطم شيعتها من النار ([1])

        وردت عدّة روايات في وجه تسمية الصديقة الطاهرة الزهراء (÷) (فاطمة)، فروى الشيخ الصدوق (رضوان الله تعالى عليه) في العلل والخصال والأمالي عن الإمام الصادق (×) أنها (فطمت من الشر) ([2] ) وروي عن الإمام الصادق (×) قوله: (فمن عرف فاطمة (÷) حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر، وإنما سُمّيت فاطمة لأن الخلق فُطِموا عن معرفتها) وهذا أحد وجوه تشبيهها بليلة القدر ([3]وروي عن أبي هريرة أنه قال: (إنما سُمِّيت فاطمة (÷): فاطمة لأن الله فطم من أحبَّها من النار) ([4]وهذا المعنى مروي في كتبنا ففي العلل للصدوق (قال رسول الله (|): يا فاطمة: أتدرين لم سُمِّيتِ فاطمة؟ فقال علي (×): يا رسول الله: لِمَ سُمِّيت، قال: لأنها فُطِمت هي وشيعتها من النار) ([5] فهي فاطمة لشيعتها من النار بشفاعتها عند الله تعالى، وهي بنفسها مفطومة من النار ([6] .

     والمعنى الظاهر من الحديث أنها تشفع لمحبيها وشيعتها من أهل المعاصي المستوجبين النار فيعتقهم الله تعالى منها كرامة للسيدة الطاهرة الزهراء (÷)، وفي ذلك روايات، منها ما رواه الشيخ الصدوق في العلل عن الإمام الباقر (×) قال: (لفاطمة عليها السلام، وقفة على باب جهنم، فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كل رجل: مؤمن أو كافر، فيؤمر بمحب قد كثرت ذنوبه إلى النار فتقرأ فاطمة بين عينيه محباً فتقول: إلهي وسيدي سميتني فاطمة وفطمت بي من تولاني وتولى ذريتي من النار، ووعدُك الحق وأنت لا تخلف الميعاد، _فهي (÷) لأدبها مع الله تعالى لا تقترح شيئاً وإنما تذكر بين يدي ربها ما وعدها به_ فيقول الله عز وجل، صدقتِ يا فاطمة إني سميتك فاطمة وفطمت بك من أحبك وتولاك وأحب ذريتك وتولاهم من النار ووعدي الحق وأنا لا أخلف الميعاد، وإنما أمرت بعبدي هذا إلى النار لتشفعي فيه فأشفعك وليتبين لملائكتي وأنبيائي ورسلي وأهل الموقف موقفك مني ومكانتك عندي فمن قرأتِ بين عينيه مؤمناً فخذي بيده وأدخليه الجنة)([7].

        أقول: والروايات في ذلك كثيرة، فلا حاجة للدخول في مباحث الشفاعة والإشكالات عليها فإنها مبحوثة مفصلاً في كتب العقائد والكلام وقد دلّ عليها القرآن الكريم والسنّة الشريفة.

     لكن الذي نريد أن نقوله أن المستفاد من ذوق أهل البيت (عليهم السلام) عدم إذاعة مثل هذه الأحاديث عند كل الناس لأنها تجرئهم على المعصية فيحصل عكس ما يريده المعصومون (عليهم السلام) من هدايتهم وصلاحهم؛ لأن أغلب العامة لا تطبق الشريعة والقانون إلا بالتخويف والوعيد بالعقوبة عند المخالفة سواء على مستوى الشريعة أو القوانين الوضعية فإن الناس لا تطبّق القوانين اذا أمنت العقوبة حتى في الدول المتقدمة التي تصف نفسها بالمتحضرة كما في أوقات الكوارث، ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق (×) قال (المؤمن بين مخافتين: ذنب قد مضى لا يدري ما صنع الله فيه، وعمرُ قد بقي لا يدري ما يكتسب فيه من المهالك، فهو لا يصبح إلا خائفاً ولا يُصلحه إلا الخوف)([8])، وإن الخوف هو الذي يجلب الأمن للإنسان لأنه يدفعه إلى الإستقامة وعدم تجاوز الحدود قال أمير المؤمنين (×) (من خاف أمن) ([9]وقال (ثمرة الخوف الأمن) ([10].

       نعم في بعض الحالات الخاصة يَحسُنُ ذكر أحاديث الرجاء كالغارق في الذنوب اليائس من العفو والمغفرة وحسن العاقبة فتلقى إليه مثل هذه الأحاديث لإعادة الأمل إلى نفسه وتحفيزه على التوبة والصلاح. 

        لذا فالأجدى أن لا نعرض الحديث بهذا المعنى أي على مستوى الآثار والنتائج والمعلولات، وإنما نعرضه في مرحلة العلل والأسباب والموجبات فنقول إن حب السيدة فاطمة وتولّيها يمنع شيعتها من ارتكاب المعاصي المستوجبة للنار ويردعهم عن الجرأة والتمادي والأمن من مكر الله تعالى، لأن الحب يستدعي طاعة المحبوب والسعي لنيل رضاه وتجنب ما يغضبه قال الله تبارك وتعالى {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } (آل عمران: 31) كما قيل: ((إن المحب لمن أحبَّ مطيع)) فالعارف بمعنى حب فاطمة (÷) ومعنى التشيّع لها الذي يعني المتابعة يمسك بزمام نفسه ويكون هذا المعنى من تطبيقات قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) (الأعراف : 201) فيتذكر أنه من محبّي فاطمة وشيعتها فيمنعه من الانخداع بوساوس الشيطان لأن أمامه الحديث الشريف عن الإمام الصادق (×) عن آبائه (عليهم السلام) عن رسول الله (|)، أنه قال: يا فاطمة، إن الله تبارك وتعالى ليغضب لغضبك، ويرضى لرضاك) ([11] فهو لا يفعل شيئاً تغضب منه فاطمة (÷) لأنه يحبّها ويتابعها، وحينئذ لا يصدر منه فعل يغضب الله تعالى فيكون فطمه من النار تحصيل حاصل،و يكون معنى وقوفها في باب جهنم لإنقاذ شيعتها: أن باب جهنم إنما يفتح عندما يقف الإنسان على المعصية، وتسّول له نفسه اقترافها ولا يردعه عقله عنها فتدركه السيدة الزهراء (÷) هناك، وتعطيه قوة الارادة والمناعة فيترك المعصية وتغلق دونه باب جهنم.

         فهذا هو معنى أن الزهراء (÷) تفطم شيعتها من النار، على نحو الدفع أي منع أصل وجود ما يوجب النار، لا على نحو الرفع أي إزالة أثر الذنوب والمعاصي وهي العقوبة بعد حصولها واستحقاقها.

        وعلى هذا لا بد أن يكون حب الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء(‘) رائد حركتنا، وبُوصلتنا التي تضبط مسيرتنا وتحدّد ما نفعل وما لا نفعل من خلال دراسة سيرتها بتأمل وتحليل ووعي لمعرفة مسارات حياتها الشريفة، فنراها (سلام الله عليها) قد غضبت لله تعالى لمّا عصي فلا بد أن نكون كذلك نغضب حينما يعصى الله بإقامة حفل علني للفسق والمجون، أو يُسنّ قانون ينتهك العفّة ويخرب الاسرة والمجتمع وامثال ذلك، ونراها قد نصرت حجة الله تعالى عليها يومئذٍ وهو أمير المؤمنين (×)، وبرّت بوالديها حتى سماها أبوها (|) (أم أبيها)، وأرضت زوجها ووقفت معه في الضيق والشدة ولزمت بيتها وأدارت كل شؤونه بحب وصبر وتضحية وإيثار، وأحسنت تربية أولادها الحسن والحسين (‘) وزينب (÷)، وبذلت وسعها في استنقاذ أمة أبيها (’) من الحيرة والجهالة والانحراف، وفضحت النفاق والرياء والمكر والتضليل الاعلامي وفتحت بابها لإرشاد النساء وتثقيفهن وتعليمهن الأحكام، وتفاعلت مع قضايا الأمة بقوة ولم تنعزل عنها بدعوى أنها امرأة، وتحلّت بالأخلاق الفاضلة كالتواضع والايثار كما في قضية إطعام المسكين واليتيم والأسير وعدم الاغترار بالدنيا والترفّع عما تتنافس فيه النساء ويحرصن عليه من الأمور الزائلة، وقاومت الضغوط الاجتماعية التي تدعو إلى الابتذال والخروج عن القيم السامية، والتزمت العفاف بأكمل مراتبه، وجاهدت في الله تعالى حق جهاده ، وصبرت على الأذى في جنبه، وهاجرت في سبيله في أقسى الظروف حيث كان فرسان قريش يلاحقون قافلة الفواطم وليس معهن إلا الفتى الشجاع المملوء إيماناً علي بن أبي طالب (×).

       هذا غيض من فيض سيرة الزهراء (÷) الذي يدعونا حب فاطمة إلى التأسي بها والسير على نهجها (÷)، فإن حبّ فاطمة ليس شعاراً أو ادعاءً أو عاطفة عابرة، وإنما حقيقة تؤسس لمنهج حياة فلا بد من اختبار صدقنا في حبّ فاطمة (÷) في كل موقف واختبار نتعرض له في حياتنا، وما أحوجنا اليوم وكل يوم إلى المنهج الفاطمي المتكامل الذي نستطيع أن نقتبسه من سيرتها بالدراسة والتحليل والوعي في التطبيق على واقعنا المعاصر وما يحيط به من تحديات ومشاكل وآمال وطموحات.

اللهم اجعلنا من المتمسكين بحب فاطمة وذريتها حقاً، المقتفيين أثارها، السائرين على هداها.                



[1]  - كلمة سماحة المرجع الديني الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع حشد كبير من المبلغات وطالبات الحوزة العلمية في محافظة كربلاء يوم الجمعة 20/ج2 / 1447 الموافق 12/12 / 2025 بمناسبة ذكرى ميلاد الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام)

[2] - بحار الأنوار: 43 / 10 عن أمالي الصدوق: 592 المجلس 86، علل الشرائع: 1 / 178، الخصال: 2/ 481 وغيرها

2- بحار الأنوار: 43/ 65 ح 58 عن تفسير فرات: 218.

[4] - بحار الأنوار: 3 / 13 ح 8 عن بشارة المصطفى و65/ 123ح 66، و43 / 16 ح 142 عن المناقب، وراجع المصادر في الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء (عليها السلام): 18 / 329.

[5] - بحار الأنوار: 43 / 14 عن علل الشرائع: ١ / ١٧٩.

5 - ولا يضر كونها بصيغة اسم الفاعل والمفروض على هذا المعنى أن تكون على اسم المفعول (مفطومة) لما قيل من امكان ورود اسم الفاعل بمعنى اسم المفعول إذا وجدت قرائن تجوّزه، كما في قوله تعالى: {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} (القارعة: 7) وقوله تعالى: {حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ} (الشورى: 16) وقوله تعالى: {مَاءٍ دَافِقٍ} (الطارق: 6)

[7] - بحار الأنوار: 43 / 15 عن علل الشرائع: ١ / ١٧٩.

[8] - الكافي: 2 / 71 ح 12.

[9] - نهج البلاغة: الحكمة 208.

[10] - غرر الحكم: 4591

[11] - الأمالي ٤٦٧ المجلس الحادي والستون.