السيدة الطاهرة الزهراء (عليها السلام) ركن الدين وكهف المؤمنين
بسمه تعالى
السيدة الطاهرة الزهراء (عليها السلام) ركن الدين وكهف المؤمنين
الثلاثاء 3 جمادى الثاني 1447 هـ،
الموافق 25/11/2025 م.
ألقى سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) خطابه السنوي في ذكرى إستشهاد الصديقة الطاهرة السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في الآلاف من المؤمنين الذين احتشدوا في ساحة ثورة العشرين في مدينة النجف الأشرف قبيل إنطلاق النعش الرمزي للسيدة الزهراء (عليها السلام) باتجاه حرم الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) من ضمن فعاليات الزيارة الفاطمية الكبرى التي تقام سنوياً بعد إنطلاقها في عام 1427 هجري 2006م قبل 21 عاما بلطف الله تعالى.
وكان خطاب سماحته في ظل الآية الكريمة من سورة هود {قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وانا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز }
حيث تحكي هذه الآية فصلاََ من فصول المواجهة بين النبي الكريم شعيب (عليه السلام) وقومه المعاندين الذين عجزوا عن مقارعة الحجة والبرهان بمثلها فتوجهوا إلى التكذيب والاستهزاء وإنكار الحقائق والتجاهل والاستصغار والتوهين ثم التهديد بالقتل مما يكشف عن بعض ما كان يتعرض له الأنبياء والمصلحون الرساليون من الأذى والإهانة والمقاطعة والحصار.
فأستخفوا بدعوته عليه السلام أولاً وأستهزؤوا بها وأدعوا أنها لغو وفارغة من المحتوى ولا تستحق الاهتمام والإصغاء، فدعوتك يا شعيب إنما هي إثارة للشغب والمشاكل والإختلاف في المجتمع الذي يريدونه على مقاساتهم وهدفهم خلق حاجز بين المصلح والناس حتى لا يستمعوا له فيقتنعون بدعوته المباركة.
{و إنّا لنراك فينا ضعيفا} لا تملك شيئا من أسباب القوة المادية وليس لديك ما يدعونا إلى الإذعان لك فالمال والسلطة وكثرة الأتباع والإعلام المؤثر والمكانة الاجتماعية بأيديهم حتى روي أنه (عليه السلام) قد فقد بصره لطول بكائه من محبة الله تعالى لكن الذي يمنعهم من قتله بأقصى أنواع القتل وأشدها توهينا وهو الرجم هو رهطه قال تعالى (ولولا رهطك لرجمناك) مجاملة قومه الذين كانوا على دينهم وخشية ردود أفعالهم ووصفوهم بالرهط الذي هم الجماعة القليلة التي لا يتجاوز عددهم العشرة للمبالغة في إستضعافه والتقليل من شأنه ولولا مراعاة هذا الجانب فإن قتله (عليه السلام) يسير عليهم كشربة ماء.
وأكد سماحته أن هذه الأساليب الشيطانية تكشف عن هزيمة وإندحار الطواغيت والمستكبرين المعاندين للدعوات الإصلاحية للقادة الربانيين على طول الزمان.
واستشهد سماحته بما نقله أرباب المقاتل (أن جيش إبن مرجانة رد على الإمام الحسين (عليه السلام) لما خطب فيهم يوم عاشوراء بالحجج الدامغة قالوا ما ندري ما تقول، وقال قائدهم الشمر وهو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما يقول.
وهو نفس قول قوم شعيب وهم قد حرموا فعلاََ من فهم الكلام الناصح المثمر لأنه طبع على قلوبهم بالإغلاق. قال تعالى {وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراََ}
كما لفت سماحته إلى أن القادة الربانيين كانوا يسعون لإيجاد الناصر، لحماية رسالتهم السماوية المباركة، فدعوة الإسلام لما صدع بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في مكة لم تكن قادرة على الصمود والبقاء لو لا الحماية التي وفرها عمه أبو طالب سيد البطحاء ثم التحق به عمه حمزة ذو البأس الشديد ولم تجرؤ قريش على التفكير في قتل رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا بعد وفاة عمه
وروى الشيخ الكليني في الكافي بسنده عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال لما توفي أبو طالب (سلام الله عليه) نزل جبرايل على رسول الله صلى الله عليه وآله فقال يا محمد أخرج من مكة فليس لك بها ناصر، وثارت قريش بالنبي (صلى الله عليه وآله ) فخرج وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله) قوله ما نالت قريش مني شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب فكان أبو طالب (رضوان الله عليه) الركن الشديد الذي يأوي إليه رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبنو هاشم الرهط الذي يردع الأعداء.
ثم تطرق سماحته إلى ما حدث بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) حينما إنقلبت الأمة على الأعقاب ونبذت كتاب الله و وصية رسوله العظيم (صلى الله عليه وآله) خلف ظهرها فدعاهم أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى نصرته والرجوع إلى الحق وكانت السيدة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) ركناََ شديداََ يأوي إليه لما تمتلكه من قدسية وطهارة وصدق ومكانة الرفيعة في قلوب المسلمين شيدها أبوها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بكلماته المتواترة (فاطمة بضعة مني وأنا منها فمن آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله) وقال (صلى الله عليه وآله) (فاطمة مهجة قلبي وروحي التي بين جنبيّ) فنهضت السيدة الزهراء (عليها السلام) لنصرة حجة الله وتحريض الأمة على التمسك بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) وحذرتهم من أن القعود عن نصرة الحق خذلان له ونصرة للباطل.
وفي ذات السياق قال سماحته (دام ظله) إنّ إرشاد السيدة الزهراء (عليها السلام) للأمة لنصرة الإسلام المحمدي النقي الأصيل وأن تكون الأمة ركنه الشديد الذي يمنع العدو من مهاجمته لا يقتصر على تلك الفترة الزمنية وإنما هي (عليها السلام) تخاطب الأجيال جميعا لأن حرب أعداء الإسلام مفتوحة وقد اشتدت في زماننا الحالي بكل الأساليب الخشنة والناعمة ومنها التشويه والتسقيط والافتراء والمكر والخداع والتضليل واستخدام الوسائل الجاذبة التي تبهر العقول وتثير الشهوات وتلهب العواطف وتريد (عليها السلام) منكم أن تكونوا رهط الإسلام الذي يخشاه الأعداء {ولولا رهطك لرجمناك} وركنه الشديد الذي يأوي إليه {أو آوي إلى ركن شديد} بالإخلاص لله تبارك وتعالى والوعي والبصيرة والصبر والمصابرة والمراقبة في كل ساحات المواجهة والجد في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق والتواصي بالصبر وإقامة الشعائر الدينية النقية والالتفاف حول القيادة الربانية العاملة المخلصة فإنه كما يجب على القادة الربانيين النصح للأمة وبذل الجهد في هداية الناس وإصلاحهم وتحري مصالحهم فإنه يجب على الأمة نصرتهم وأن يكونوا الدرع الواقية لحمايتهم لأن الأعداء لا يخشون العلماء بأشخاصهم وإنما يخشون من وجود قاعدة شعبية مخلصة وفيه تحيط بالقائد وتحميه نتيجة لما يمتلكه من تأثير ومحبة في قلوب الناس ولولا هذه القاعدة الواسعة من الأتباع والمريدين لما تأخروا لحظة في استئصالهم معنوياً أو مادياً أي قتل الشخصية ثم الشخص لذا فإنهم يتحرشون بهم أولا من بعيد ليروا ردود أفعال الأمة فإن وجدوها ميتة ومعدومة التأثير أقدموا على فعلتهم الشنيعة في القضاء على القادة الربانيين وهذا ما عشناها عن قرب في حياة السيدة الشهيدين الصدرين (قدس الله روحيهما) وإن وجدوا الأمة ملتفة حول قادتها مدافعة عنهم واعية لمشروعهم تراجعوا خوفا على مصالحهم
وفي نهاية خطابه السنوي ذكر سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مظاهر عدة لنصرة العلماء وحمايتهم وهي:
أولا : بأن يوصلوا صوت القائد الرباني ويبينوا مواقفه ويدافعون عن آرائه ويردون الشبهات عنه كما قال الإمام الرضا (عليه السلام) في شرح معنى إحيائه أمرهم (يتعلم علومنا ويعلمها الناس فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا) وأن تهميش القائد الرباني يبدأ من تجاهل فكرهم ومشاريعهم
ثانيا: تصدي النخبة العلمية الخبيرة لبيان مؤهلات القائد واجتماع شروط القيادة فيه
ثالثا: حماية مشروعهم الرسالي والالتزام به فما قيمة أتباع غير ملتزمين بالمنهج لأن إنحراف الناس يؤدي إلى عزل القائد بسهولة ومحاصرته
رابعا : الهمة والنشاط بتنفيذ المشروع الرسالي وإقامته على أرض الواقع وتفعيل مؤسساته المتنوعة التي تغطي ساحات العمل وأن لا يدخروا جهدا في ذلك فإن قوة تأثير القائد تقاس بمدى فاعلية أتباعه في المجتمع وأن العدو إذا رأى تقاعس الأتباع تجرأ على قائدهم
اللهم أجعلنا من المتأسين بالسيدة الطاهرة الزهراء (عليها السلام) في كل خير واجتناب كل سوء حتى نحظى بشفاعتها ومرافقة ابيها وبعلها وبنيها (صلوات الله عليهم اجمعين)


