المرجع اليعقوبي: أخلصوا نيّاتكم في العمل لما عند الله تعالى.. واستحضروا هذا المعنى دائما في قلوبكم

| |عدد القراءات : 335
المرجع اليعقوبي: أخلصوا نيّاتكم في العمل لما عند الله تعالى.. واستحضروا هذا المعنى دائما في قلوبكم
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

المرجع اليعقوبي: أخلصوا نيّاتكم في العمل لما عند الله تعالى.. واستحضروا هذا المعنى دائما في قلوبكم

بسمه تعالى

الجمعة غرة شهر ذو القعدة الحرام 1445

10/5/2024

 

أكدّ سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) على ضرورة أن يلتفت الإنسان إلى دوافعه في أي عملٍ أو سلوكٍ يقوم به، وأن يعمل لما هو باقٍ، لا ينفد، مشدداً على أهمية استحضار هذه الحقيقة دائماً، إذ لا بد أن يرتبط كل شيء بالله تبارك وتعالى ولا يكفي الإيمان النظري به مالم ينعكس على الواقع الميداني وسلوك الفرد وتصرفاته.. ولربما تعمي الإنسان حجب الغفلة فتراه يعمل لجاهه أو لعنوانه الخاص أو لبناء مجده الخاص تحصيلاً للمكاسب الدنيوية أو ربما رياءً أو عُجباً أو مجاملةً أو تملّقاً ونحو ذلك، رغم أنه يؤمن أن كل ذلك سيزول ولا يبقى إلا ما كان خالصاً لله تبارك وتعالى، فيكون حينئذٍ من مصاديق الآية الكريمة {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا*الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} (النحل-96)

        جاء ذلك في كلمة ألقاها سماحتُهُ في حشدٍ من مرشدي قوافل حجاج بيت الله الحرام قبل توجههم للديار المقدسة لأداء فريضة الحج، بمكتبه في النجف الأشرف في ضوء الآية الكريمة {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ}.

وأشار سماحتُهُ إلى أن تمظهر خلوص النية على سلوك الفرد له علامات منها، على سبيل المثال همته في مواطن الطاعة، ومبادرته لفعل الخير، وخدمة الناس قبل الطلب منه، وقيامه بمسؤولية مهام لم يكلّف بها.. فتراه حريصاً على إنجاز العمل، وتقديم الخدمة حتى خارج أوقات عمله أو أوقات الدوام الرسمي، على العكس من ذلك الذي يعمل لأجل الأجر المادي ولإسقاط الفرض فقط، وبمقدار تسجيل الحضور وشطب يوم العمل فحسب، كما هو معروف، ومن علامات خلوص النية أيضاً هو تجرد الفرد عن عناوينه الخاص، وإهتمامه بوقوع العمل الصالح وإنجازه سواء عنده، أذُكر إسمه في العمل أم لم يذكر، أو ُنسب له إنجاز العمل أم لم يُنسب.. كالذي بنى مسجداً ثم كتب عليه (شيده فلان الفلاني) فإذا كنت تعمل لله تعالى فالله يعلم بأنك شيدت هذا المسجد هو عدم ذكر الاسم عليه، ويكفي أن يكون بعلم الله تعالى وحسن توفيقه.. فإذا كنت تعمل للناس فخذ أجرك من الناس.

        وأوضح سماحتُهُ أهمية أن يُعرِّض الإنسان نفسه إلى هذه الامتحانات ليختبر إخلاصه، مثلاً نحن كطلبة في الحوزة العلمية نختبر أنفسنا ونكشف الدوافع الحقيقية في عملنا، هل كان تحصيلنا واشتغالنا لكي نصبح عنواناً معين أو لكي تسبق بعض الألقاب المعينة أسمائنا؟ فإذا كان كذلك فلنأخذ أجرنا من هذه العناوين التي عملت لها أذن، أو عندما ترى الآخر يقدم عملاً مشكوراً أو خدمةٍ للحوزة الشريفة ويتفوق ويتقدم في هذا المجال، فهل تفرح لهذا الإنجاز وإن تحقق باسم غيرك؟ أو أن العكس هو الواقع، فتراك ُتبتلى بحسدهِ وتسقيطه والكيد له، أو عندما يخاطبك أحدٌ دون ذكر الألقاب أو كلمات التمجيد، والتبجيل كسماحتكم أو جنابكم فهل تجد في نفسك حزازة؟ أو عندما لا يقدمونك في المجلس ولا ُيجلسونك في صدره، هل تتأثر وتمتعض؟ وهكذا من قبيل هذه الاختبارات، وهي موجودة في كل الأعمال التي تعكس وجود مشكلة، أو مرض في النفس أو التفكير، ينبغي حينئذٍ معالجتها، وهذا الفعل كاشف عن مشكلةٍ في تفكيرك، وعليك أن تراجع نفسك لتعالجها.

        وفي سياقٍ متصل أشار سماحتُهُ إلى أن موضوع (النيّة) من الأهمية بمكان بحيث جُعل أول باب من أبواب كتاب (وسائل الشيعة للحر العاملي) وما يتعلق بها من الروايات في إخلاص النية ومعوقات خلوصها، وفي هذا درس لنا جميعاً لافتاً المرشدين إلى أهمية أن تتضمن محاضراتهم الأخلاقية للحجاج هذه المعاني في أن يخلصوا نياتهم خصوصاً في موسم الحج.

        واستشهد سماحتُهُ بروايتين فقد روى الصدوق في (ثواب الأعمال) بسنده عن الامام الصادق (عليه السلام) قال: " الحج حجان، حج لله، وحج للناس، فمن حج لله، كان ثوابه على الله الجنة، ومن حج للناس، كان ثوابه على الناس يوم القيامة ، وعنه ايضا في نفس الكتاب عن الامام الصادق قال: " من حج يريد الله عز وجل، لا يريد به رياء ولا سمعة، غفر الله له البتة ".

        وفي تعليقه على مضمون الروايتين الشريفتين، نبّه سماحتُهُ إلى كثرة ابتلاء الناس والحجاج بهذه الأمور المغفول عنها، حيث تسري هذه المشاكل حتى في مسألة الجهاد حيث حذّر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من مغبتها، فالبعض يقاتل أو يجاهد لكي يحصل على الغنائم المادية أو ليغنم النساء أو أي شيء آخر أو ليُقال له بطلُ أو أنه أبلى بلاءً حسناً، إذن فليأخذ أجره من هذه العناوين، ولكن من قاتل لتكون كلمة الله تعالى هي العليا فيُقتل فقد وقع أجره على الله ويكون شهيداً.

وفي ذات السياق تطرق سماحتُهُ إلى خصلة من خصال السيد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) ونحن على أعتاب ذكرى استشهاده، وهو رفضه لتقبيل يده وكان (قدس سره) يُجيب من يقول إنه يريد التبرك والتقرب إلى الله بهذا العمل..(حبيبي أنت تدخل الجنة وانا أدخل النار) بينما ترى بعض إذا لم تقبّل يده فأنه يعتبر ذلك توهيناً لمقامه.

        وفي نهاية كلمته دعا سماحتُهُ للمرشدين بأن يجري الله تعالى الخير على أيديهم للناس جميعاً، وأن يسددهم بالقول والعمل وأن يجعل نوايا الجميع خالصة لوجهه الكريم خاصة وهم يقومون بهذه الوظيفة المباركة العظيمة ويبذلون الجهود الاستثنائية التي تتعدى حدود مسؤولياتهم في أداء مناسك الحج لخدمة الحجاج، وهو مؤشر واضح للإخلاص في العمل.