{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً} - السيدة الزهراء (ع) تذكّر الأصحاب بنعمة النبي (ص)

| |عدد القراءات : 154
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسم الله الرحمن الرحيم

{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً} [آل عمران: 164]

السيدة الزهراء (عليها السلام) تذكّر الأصحاب بنعمة[1] النبي (صلى الله عليه وآله)

 

       قال الله تبارك وتعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران: 164].

       (المنّ) ما يوزن به للأثقال الكبيرة، وأشير به إلى ثقل هذه النعمة، وهي بعثة النبي (صلى الله عليه وآله) بالرسالة الإلهية، والمّن من الله حسن لأنه إنعام فعلي، وكذا يحسن من الانبياء (صلوات الله عليهم اجمعين) {هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [ص: 39]؛ لان عطاءهم بغير جزاء، وإنما قبح المنّ من الناس لأنه بالقول والكلام مما يسيء للآخر ويوجب مهانته {لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى} [البقرة: 264] وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (والمَنّ مفسدة للصنيعة)[2].

       ففي الآية تذكير مؤكّد باللام و(قد) بالمنّة العظيمة التي وهبها الله تعالى لعباده المؤمنين جميعاً من أول الإسلام إلى نهاية الدنيا لأن لفظ المؤمنين عام، ولا تختص هذه المنّة بمن كانوا على عهد النبي (صلى الله عليه وآله) وإن كانوا هم المخاطبين لوضوح أثر هذه النعمة في حياتهم، بل لا تختص المنّة بالمؤمنين وإنما تعمّ جميع البشر {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]  {لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان: 1]، وإنما ذكر المؤمنون خاصة لأنهم شكروا هذه النعمة قولاً وعملاً فتنعموا بها فعلاً حينما حَرَم الآخرون أنفسهم منها بالتمرد والعصيان.

       وهذه المنة العظيمة هي {إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ} هذا النبي العظيم بالرسالة الإلهية الخاتمة، فصفة هذا الرسول أنه يعيش في أوساطهم، يأكل الطعام مثلهم ويمشي في الطرقات معهم ويشاركهم في شؤون حياتهم، {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [يونس: 16] ليكون مثالاً عملياً، وأسوة حسنة لهم، ولو كان من غير جنس البشر ويعيش في غير عالمهم لاستوحشوا منه وأنكروه، وما تأثروا به حيث يدَّعون أن له خصوصية كالملائكة مثلاً.

   كما أنه {مِنْ أَنْفُسِهِمْ} وليس فقط منهم ومثلهم في طبيعته البشرية {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} [الكهف: 110] فصِلته بكم وثيقة وارتباطه النفسي بكم عميق، وفي ذلك تحفيز للمؤمنين أن يطيعوه ويعملوا بشريعته أكثر حتى تتعمق هذه الصلة النفسية به (صلى الله عليه وآله).

       وذكرت الآية الكريمة مظاهر هذه المنّة العظيمة، فهو (صلى الله عليه وآله وسلم) {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ} التي تنزل من ربه، فهو واسطة الوحي الإلهي والفيض الرباني بين الناس وخالقهم ويوصل إليهم رسائله تعالى متتابعة حسبما تصل إليه.

       {وَيُزَكِّيهِمْ} ويطهّر قلوبهم من الامراض المعنوية كالغلّ والحقد والانتقام ويهذّب نفوسهم من رذائل الشهوة والغضب والحرص والاستكانة والعبودية، ويحسِّن أخلاقهم بالعلاجات الروحية التي يفيضها الله تعالى عليه فهو (طبيب دوار بطبه)[3] كما وصفه أمير المؤمنين (عليه السلام).

       {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} يشرح لهم هذا القرآن العظيم المنزل ويفسّر آياته ويبين أسراره بالسنة الشريفة، فالحكمة إما من باب ذكر الخاص بعد العام لأن من صفات الكتاب أنه حكيم، أو أنها السنة مقابل الكتاب، حيث يفتح لهم من كنوز العلوم والمعارف ما فيه سعادتهم وهدايتهم واستقامتهم وحمايتهم من الضلال والانحراف، وصلاح أمورهم في الدنيا والآخرة {عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: 5] {الرَحمَنُ، عَلَّمَ الْقُرْآنَ} [الرحمن: 2].

       {َوإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} فقد كانوا قبل بعثة النبي (صلى الله عليه وآله) في جاهلية ظلماء، تفتك بهم الحماقات والأهواء والخرافات والحروب والصراعات، وهذا الفرق بين حال الضلال المبين الذي كانوا عليه وحالهم في الإسلام من الوحدة والتآلف والسمو والسعادة واضح لمن قارن بين الوضعين.

    ووقوع هذه الآية في سياق الآيات التي تتحدث عن القرح الذي أصاب المؤمنين في أُحُد فقتل من قتل وجرح من جرح، وما أعقبه من الهزيمة النفسية والشكوك التي سرت إلى عقيدتهم {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 165-166] فيه تخفيف على المسلمين وتسلية عن مصائبهم، بأنهم مهما أصيبوا في أموالهم وأنفسهم وسائر أحوالهم الدنيوية فعليهم أن يصبروا ويحتسبوا ويتساموا على الجراح والمصائب بالتفاتهم إلى هذه النعمة العظيمة التي حباهم الله تعالى بها فتهون عليهم مصائبهم.

    هذه النعمة وهي الإسلام وكمالها وتمامها ولاية أهل البيت (عليهم السلام) بحسب آية التبليغ في سورة المائدة وقوله تعالى { وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}([4]) [لقمان : 20]، يلفت الإمام الصادق (عليه السلام) إليها نظر أحد المعدمين ليخفّف عنه شعوره بالحرمان، روى الشيخ الطوسي (رضوان الله تعالى عليه) في كتابه الأمالي بسنده عن الإمام الهادي (×) عن آبائه عن موسى بن جعفر (صلوات الله عليهم أجمعين) قال (إن رجلاً جاء إلى سيدنا الصادق (×) فشكا إليه الفقر، فقال (×): ليس الأمر كما ذكرت وما أعرفك فقيراً. قال ــ الفقير ظناً منه أن الإمام (×) يكذبّه في ما ادعى من الفقرــ: والله يا سيدي ما استبنتَ ــ أي ما حقّقتَ في حالي وما استوضحتها لتتأكد من صدق كوني فقيراً ــ وذكر من الفقر قطعة والصادق (×) يكذّبه، إلى أن قال (×) له: خبّرني لو أعطيت بالبراءة منّا مائة دينار ــ والدينار يساوي مثقالاً من الذهب ــ كنت تأخذ؟ ــ أي تتبرأ من الإسلام وولاية أهل البيت (عليهم السلام) بهذا الثمن ــ قال: لا ــ وبدأ الإمام يزيد المبلغ ــ إلى أن ذكر الإمام (×) ألوف الدنانير والرجل يحلف أنه لا يفعل، فقال (×) له: مَن معه سلعة يعطى بها هذا المال وهو لا يبيعها هل هو فقير؟)([5]).

       لقد كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) سبباً لإفاضة نعم عظيمة على البشرية لا تعدّ ولا تحصى:

1-             به (صلى الله عليه وآله وسلم) هدانا الله للإيمان والتوحيد وأخرجنا من ظلمات الكفر والإلحاد وظلم الشرك وذلّ عبادة الآلهة المزيفة { اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ} [البقرة: 257] {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ} [الحجرات: 17] {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ} [النور: 21] {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ} [الشورى: 53].

2-             علّمنا (صلى الله عليه وآله وسلم) الشريعة السمحاء التي تكفل كرامة الإنسان وسعادته وتضمن العدالة الاجتماعية لكل الناس {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 7] {لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: 25] {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [الأعراف: 96]، وكلما ابتعد الناس عن القانون الإلهي ووضعوا لأنفسهم قوانين وقعوا في التيه والتخبّط والانحطاط وجرّوا الويلات على البشرية {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124].

3-             إنه وحّد الأمة وألّف بين قلوبهم بعد أن كانت الفرقة والتشتت والتنازع والتخاصم يفتك بهم ويفنيهم {فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103] {لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 63].

4-             إنه (صلى الله عليه وآله) خلّف لنا الثقلين كتاب الله وعترته أهل بيته المعصومين المطهرين (سلام الله عليهم) ليواصلوا أداء رسالته الإلهية حتى تترسخ في عقول وقلوب ونفوس الناس؛ لأن عمر النبي (صلى الله عليه وآله) القصير وعدم الاستعداد الكافي للأمة حتى تتكامل بسرعة لم يسمحا بحصول التحول الكامل.

5-             اقتلع من المجتمع الأغلال الفكريّة والانحرافات العقائدية والتقاليد الاجتماعية البالية التي كانت تكبّل عقول الناس وتعيق تكامل المجتمع وتوجّه سلوكه نحو الدمار والفناء كالعصبية والجهل والتخلف والانتقام والظلم {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 157].

6-             هذّب النفوس بالأخلاق الفاضلة وطهر القلوب من الرذائل والأمراض المعنوية التي كانت تجلب الشقاء والنكد {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57]، وضرب لهم مثلاً أعلى في الأخلاق الحميدة {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] وأسوة حسنة {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب: 21] قال (صلى الله عليه وآله): (إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق).

7-             إنه (صلى الله عليه وآله) الرحمة الواسعة المهداة إلى جميع المخلوقات {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].

8-             أكرمه الله تعالى بالشفاعة في أمته وهي من بركات المقام المحمود الذي وعده ليساعد الذين خلطوا أعمالهم الصالحة بأخرى سيئة حتى تُغفر لهم فيدخلون الجنة بلا منغصّات ولا عوائق؛ روى الشيخ الطوسي في أماليه عن أنس بن مالك قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله يوماً مقبلاً على علي بن أبي طالب عليه السلام وهو يتلو هذه الآية {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً} [الإسراء: 79] فقال: يا علي إن ربي عز وجل ملّكني الشفاعة في أهل التوحيد من أمتي وحظر ذلك على مَن ناصبك أو ناصب ولدك من بعدك)[6].

9-             ما ورد عنه (صلى الله عليه وآله) في تفسير قوله تعالى {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 105] أنه (صلى الله عليه وآله) قال: (حياتي خير لكم ومماتي خير لكم، قالوا: يا رسول الله وكيف ذلك؟ فقال صلى الله عليه وآله: أما حياتي فإن الله عز وجل يقول: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} وأما مفارقتي إياكم فإن أعمالكم تعرض عليَّ كل يوم فما كان من حسن استزدت الله لكم، وما كان من قبيح استغفرت الله لكم، قالوا: وقد رممت يا رسول الله؟ يعنون صرت رميماً فقال: كلا إن الله تبارك وتعالى حرّم لحومنا على الأرض أن تطعم منها شيئاً)[7].

10-       أنه سبب لمغفرة الذنب {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء: 64].

 

    لقد ذكّرت السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) أصحاب أبيها بهذه المنّة العظيمة واحتجّت بها عليهم  لتحثَّهم على الالتزام بوصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) التي بلّغها عن الله تعالى في أمير المؤمنين (عليه السلام) {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67]، ولكي يفوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بأجر رسالته في أهل بيته {قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23] فقالت (عليها السلام) بعد أن وصفت أحوالهم في الجاهلية: (فأنار الله بأبي محمد صلى الله عليه وآله ظُلَمَها، وكشف عن القلوب بُهَمها، وجلّى عن الأبصار غُمَمها، وقام في الناس بالهداية، فأنقذهم من الغواية، وبصّرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الصراط المستقيم)[8].

وقالت (عليها السلام): (وكنتم على شفا حفرة من النار، أذلّة خاسئين، تخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد صلى الله عليه وآله بعد اللتيا والتي)[9].

 لكن القوم صمّوا أسماعهم عن نداء الحق ومضوا إلى تنفيذ إرادة شياطين الجن والإنس وزعيمهم يقول بنصّ العبارة: (اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت)([10]) متحدياً قوله تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [القصص: 68] {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً} [الأحزاب: 36].

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الشاكرين لنعمه المتبّعين للرسول الكريم (صلى الله عليه واله وسلم).



[1] - قبس من نور القرآن ضمن درس التفسير الأسبوعي الذي ألقاه سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) على فضلاء وطلبة الحوزة العلمية في النجف الأشرف يوم الأربعاء 7/جمادي الأولى/1445 الموافق 22/11/2023.

[2] - الإرشاد: 1/ 307، بحار الأنوار: 74/ 421.

[3] - نهج البلاغة: 1/ 207، الخطبة (108).

[4] - راجع تفسير الآية في كتاب (من نور القران: ج5/ ص250).

[5]- الأمالي، للشيخ الطوسي: 298، المجلس (11)، ح 584.

[6] أمالي الطوسي: 2/ 70، البرهان في تفسير القرآن: 6/ 86.

[7] - من لا يحضره الفقيه، للشيخ الصدوق: 1/ 191.

[8] - الاحتجاج: 1/ 127.

[9] - الاحتجاج: 1/ 129.

[10] - بحار الأنوار: 28/ 408، عن تأريخ الطبري وغيره.