خطاب المرحلة (723)أسباب التوفيق الشهيد السعيد الشيخ حسين السويعدي مثالاً
أسباب التوفيق
الشهيد السعيد الشيخ حسين السويعدي مثالاً([1])
يحظى بعض الناس – رجالاً ونساءً – بتوفيق خاص من الله تعالى يغبطهم عليه الآخرون ويودّون أن ينالوا مثله، ولما كان هذا التوفيق فضلاً من الله تعالى وكرماً يختص به بعض عباده فهو من فعل الرب الكريم وليس بأيدينا، وأن ما نستطيعه هو القيام بالأسباب التي نالوا بها هذا التوفيق وتُعرف من خلال تحليل سيرة هذه الشخصيات ومراجعتها والتأمل فيها، وفعل هذه الأسباب بأيدينا، لذا يقول في الدعاء (اللهم إني أسألك مُوجبات رحمتك)([2]) لأن رحمة الله تعالى من أفعاله سبحانه وما نفعله هو استجلابها بفعل موجباتها.
والتاريخ حافل بمثل هذه الشخصيات وعندما نعرض سيرة المعصومين (D) وأهل بيتهم كالعقيلة زينب (B) وأبي الفضل العباس (A) وعلي الأكبر والقاسم بن الحسن يقال لنا هؤلاء ناس مخصوصون بكرامة من الله تعالى ولا نستطيع أن نكون مثلهم، وهو إشكال مردود لأنهم بشر مثلنا لكنهم تمتعوا باستعداد فائق للتكامل فأتاهم الله تعالى من فضله والله واسع عليم.
ومع ذلك فإننا نستطيع أن نأتي بأمثلة من واقعنا عاشوا معنا وعرفنا سيرتهم كالشهيد السعيد الشيخ حسين السويعدي (رضوان الله تعالى عليه) الذي كان أول شهيد من أئمة الجمعة الذين عينّهم السيد الشهيد الصدر الثاني (u) وقد كرّس نفسه للإسلام ولإعلاء كلمة الله تعالى ونصرة أوليائه وإصلاح العباد وإنقاذهم من ظلمات الجهل والانحراف والتعصب والغفلة إلى نور الإيمان والعمل الصالح والثبات على الحق فهو من فتيان الإسلام الذين نعتزّ بهم وندعو شبابنا للتأسي بهم والتعرف على كيفية حصولهم على التوفيق الخاص.
يتحدث والداه عنه أنه منذ صغره كان باراً بهما ويصحب أباه والشباب المتدينين الذين يكبرونه إلى المساجد ومجالس أهل البيت (D)، وكان قلبه رحيماً محبّاً للناس فيشتري بما يحصل عليه من مصروف اليومي بعض الحلويات ويوزّعها على الأطفال ليرى البسمة في وجوههم ويحب مساعدة الآخرين، ويحدِّث أقرانه بما تعلّم في المساجد والمجالس من أمور الدين.
وعندما تصدى السيد الشهيد الصدر الثاني (u) للمرجعية بعد الانتفاضة الشعبانية عام 1991م وشجّع الشباب الأكاديميين على الالتحاق بالحوزة لسدّ النقص الكبير الذي أحدثه صدام وزبانيته خلال عقود حكمهم المظلمة واستأصل خيرة العلماء وفضلاء الحوزة العلمية، وكان الشهيد طالباً جامعياً في البصرة فحرك فيه الرغبة للالتحاق بالحوزة العلمية وهذا ما تحقق فعلاً وهو في العشرين من عمره تقريباً (ولادته عام 1972م والتحق بالحوزة العلمية عام 1993م تقريباً) وواظب على تحصيله العلمي بهمّه عالية حتى وصل إلى الدروس العالية.
وخلال دراسته في الحوزة العلمية قويت بصيرته وانفتح على المزيد من أحكام الشريعة والأخلاق وسيرة أهل البيت (D) وكان يسجِّل في ورقة خاصة ما يهديه الله تعالى إليه من فعل أو سلوك حتى تجمع لديه برنامج عملي كالمواظبة على صلاة الليل وترك الغيبة وتجنب إضاعة الوقت في ما لا نفع فيه، والسعي في قضاء حوائج الناس، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر على البلاء، كان في النجف حينما أخبر بأن زوجته ولدت طفلة وقد ماتت الطفلة فاحتسبها عند الله تعالى ومضى إلى درسه، وكان يوصل المساعدات إلى الطلبة الذين أنهكهم الحصار الظالم خلال تسعينات القرن الماضي من دون أن يعلموا، وغير ذلك من الأخلاق السامية.
وكان يستثمر عطلة نهاية الأسبوع في التبليغ والإرشاد والتوعية من خلال إمامة الصلاة في بعض مساجد مدينة الصدر (مدينة الثورة سابقاً) في بغداد ويعقد الجلسات التثقيفية وحلقات الدروس الدينية للشباب، وأداء وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيشتري من ماله الخاص أو مما يصل إليه من تبرعات ما تتحجب به النساء العفيفات بعد إقناعهن بالحجاب، ويحذّر من الظواهر والسلوكيات المنحرفة، ويشتري الكتب التي تساهم في زيادة وعي الشباب وتثبيت عقائدهم والتمسك بأخلاق الإسلام، وقد أوجب عمله مراقبة جلاوزة النظام ومتابعتهم له لأنهم يخشون أي صوت واعٍ يوقظ الأمة من غفلتها ويحررّها من عبادة الطاغوت ويهديها إلى دين الله القويم.
وعندما أعلن السيد الشهيد الصدر الثاني(u) عن إقامة صلاة الجمعة في العراق تزامناً مع ميلاد السيدة الزهراء (B) في جمادي الثانية/ 1418 (1997م) كان من الطبيعي أن يقع عليه الاختيار لإمامة صلاة الجمعة وعُيّن في منطقة المعامل في بغداد، ووجد الشهيد في هذا التشريف فرصة سانحة لأداء رسالته بشكل أوسع ومخاطبة شريحة من المجتمع للإقبال الجماهيري الواسع الذي شهدته صلاة الجمعة، مما أوجب تكثيف مراقبة النظام الجائر له، ونصحه بعض محبيه بمغادرة العراق ليحفظ نفسه من النتيجة الحتمية التي تقتضيها سياسة الطواغيت لكنه (رحمه الله) أبى أن يترك ساحة العمل والجهاد ويتخلى عن نصرة دينه ومرجعه وقائده.
وبعد خمسة أسابيع تقريباً من إقامة صلاة الجمعة اعتقله جلاوزة النظام في 26/ رجب, وتعرّض لأنواع التعذيب القاسي ولفّقوا له تهماً ثم حكموا عليه بالإعدام، ونُفّذ فيه الحكم بعد ثمانية أشهر تقريباً (في شهر ربيع) وتألّم السيد الشهيد الصدر (u) لفقدانه وقال فيه كلمات إكبار وثناء.
لم يتجاوز عمره السادسة والعشرين وتضمنت سيرته العطرة كل هذه الإنجازات التي سجّلناها باختصار وفاءً للشهيد الراحل، ولنضعها أمام الشباب حتى يتأسّوا بهؤلاء الفتية الذين {آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى، وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا} (الكهف: 13-14).
([1]) من حديث سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (K) مع جمع من الطلبة والشباب العاملين يوم الأحد 29/ ذو القعدة/ 1444هـ- الموافق 18/ 6/ 2023م ويوم 8 / ذي الحجة/ 1444هـ- الموافق 27/ 6/ 2023م.
([2]) مصباح المتهجد - الشيخ الطوسي: ١٠٢/ دعاء: 141، - مفاتيح الجنان: 42.