خطاب المرحلة (715)ربَّ فعل صغير يكون له أثر كبير
ربَّ فعل صغير يكون له أثر كبير([1])
يحسُن إضافة قاعدة إلى قواعد التنمية البشرية إن لم تكن مدونّة فيها ملخصها ((دقِّق في خياراتك فربَّ فعل صغير يكون له أثر كبير)).
وهذا المعنى مستفاد من النصوص الدينية المباركة لذا نهى الله تعالى في القرآن الكريم عن قول: {أُفٍّ} وهي شاملة للأفعال الحسنة والسيئة، إذ إنّ كلاّ منهما قد يكون كذلك، ولكننا سنخصّص الحديث عن الثاني لأنه الأخطر على المجتمع.
وهذا المعنى مستفاد من النصوص الدينية المباركة لذا نهى الله تعالى في القران الكريم عن قول: {أُفٍّ} للوالدين، قال تعالى: {فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} (الإسراء: 23), أي للوالدين لأنها رغم ضآلتها الا أنها تمثل مرتبة من مراتب العقوق الذي هو من الكبائر.
روت إحدى ازواج النبي (J) قالت: (دخلت علينا امرأة، فلما ولّت، أومأت بيدي أنها قصيرة، فقال (J): اغتبتها)([2])، وروت أيضاً أنها قالت: (إني قلت لامرأة مرة وأنا عند النبي (J): إن هذه لطويلة الذيل. فقال لي: الفظي الفظي! فلفظت مضغة لحم)([3]).
فهذه الإشارة البسيطة التي لا يعبأ بها جعلت فاعلها ممن تورط بإحدى الكبائر وهي الغيبة التي وصفها الله تعالى بقوله: {أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} (الحجرات: 12) وذمتها الروايات الشريفة ورتبت عليها أقسى العقوبات.
وروي في الحديث الشريف عن رسول الله (J): (من نظر إلى مؤمن نظرة يخيفه بها أخافه الله تعالى يوم لا ظل إلا ظله)([4]), فالنظرة فعل بسيط لكنه لا يخفى على الله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ} (غافر:19) لكنها لما اقترنت بعنوان إخافة المؤمن أوجبت تلك النهاية المرعبة.
حكي ان شيطاناً وصغيره مّرا على خباء وبفنائه بقرة تحلبها امرأة وبجانبها رضيعها وقد خرج الرجل إلى العمل ليجلب لهم القوت، فلم يُطِقِ الشيطان الصغير أن يرى أسرة سعيدة تعيش بهدوء وتكسب من الحلال، فحرّك الوتد الذي رُبطِت إليه البقرة فنفرّت البقرة وداست الطفل الرضيع وقتلته وأهرقت الحليب، فغضبت المرأة وطعنت البقرة وقتلتها من دون أن تعرف سبب فعل البقرة، ولما جاء الزوج وجد طفله ميتاً والبقرة كذلك فانتقم من المرأة وقتلها، ولما علمت عشيرتها اقتصت من الزوج فقتلته وثارت عشيرة الزوج لتنتقم من عشيرة المرأة ووقعت الحرب بينهما, وهنا سأل الشيطان الكبير صغيره: ماذا فعلت يا خبيث واحدثت كل هذه المصائب، فأجابه بأنه لم يفعل ازيد من تحريك الوتد، فهذه الكوارث سببّها فعل بسيط.
فلا بد من التثبت والتدقيق في الاقوال والافعال وحساب نتائجها القريبة والبعيدة جيداً روي عن أبي جعفر (A) يقول: (أنه يحشر العبد يوم القيامة وما ندى دماً، فيدفع إليه شبه المحجمة أو فوق ذلك فيقال له: هذا سهمك من دم فلان، فيقول: يا رب إنك لتعلم أنك قبضتني وما سفكت دما، فيقول: بلى، سمعت من فلان رواية كذا وكذا فرويتها عليه فنقلت حتى صارت إلى فلان الجبار فقتله عليها، وهذا سهمك من دمه)([5]).
فالإهمال والتساهل والغفلة وعدم التثبت من الأمور توجب الوقوع في الكبائر من حيث يشعر او لا يشعر، قال الله تعالى محذراً: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} (المجادلة: 6), ويقول الأنسان نادماً متحسراً حيث لا ينفعه الندم {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} (الكهف: 49).
([1]) من حديث سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (K) مع مجموعة من المتدربين لنيل شهادة مدرّب تنمية بشرية يوم 26/ رجب/1444هـ- الموافق 18/ 2/ 2023م.
([2]) بحار الأنوار: 72/ 224، جامع السعادات: ٢/ ٢٢٦.
([3]) كتاب تخريج أحاديث إحياء علوم الدين: 4/ ١٧٥٢/ ح 2755، جامع السعادات: ٢/ ٢٢٦.
([4]) ميزان الحكمة: ١/ ٦٦.
([5]) بحار الأنوار: ٧/ ٢٠٢, عن الكافي: 2/370.