خطاب المرحلة (697)التبليغ رسالة الأنبياء (ع) التي ورثتها الحوزة العلمية

| |عدد القراءات : 224
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

التبليغ رسالة الأنبياء (D) التي ورثتها الحوزة العلمية

أكّد المرجع الديني سماحة الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) على ضرورة النظر بعين الاهتمام والمسؤولية للجنبتين المتلازمتين اللتين دعت إليهما آية (النفر) الشريفة {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} (التوبة: 122)، وعدم التفكيك بينهما بحالٍ من الأحوال، وهما طلب العلم والدعوة إلى الله وتبليغ أحكامه.

وتأسّف سماحتُهُ (دام ظله) - خلالَ كلمةٍ ألقاها([1]) بمكتبهِ في النجف الأشرف، على جمعٍ من الفضلاء وطلبة العلم، قبل شروعهم بمهمة التبليغ الديني، خلال أيام الزيارة الاربعينية المباركة- على الثقافة السائدة في أوساط الحوزة العلمية وبين الكثير من طلبة العلم حيث يُقصِرون إهتمامهم على المسؤولية الأولى التي دعت اليها الآية الكريمة، وهي طلب العلم والتحصيل والاشتغال بالدروس فقط، دون النظر الى المسؤولية الأخرى، وهي الدعوة الى الله تعالى وتبليغ أحكام الدين والعقائد الحقة، وتوعية الناس وتبصرتهم.

وأعتبر سماحتُهُ (دام ظله) أن هذا النمط من التفكير يكشف عن قصورٍ في فهم هذه الآية الكريمة وخللٍ في تطبيق مصاديقها على أرض الواقع، كإبتعاد عن ما أرادهُ الشارع المقدس عبر الموروث الروائي عن أئمة أهل البيت (^)، إذ ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق (×) (إن تلك المجالس أحبها، فأحيوا أمرنا، فرحم الله من أحيا أمرنا)([2]).

وروى الهروي في عيون أخبار الرضا (A) قال: (سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا (A) يقول: رحم الله عبد أحيا أمرنا فقلت له: وكيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا)([3]).

فترى الملازمة بين الوظيفتين واضحة في بيان الإمام الرضا (A)، وهذا من أوضح مصاديق تتمة الآية الكريمة {وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}، لافتاً الى عدم كفاية الانكِفاء على الدروس والتحصيل (لأن ذلك يمثل نصف الطريق، ولا تتحقق به الغاية أبداً) مالم يقترن بالفهم الصحيح لمسؤولياتنا كطلبة علمٍ، فلنلتزم بها ونتحرك باتجاهها، على أوسع نطاق وبكلِ الوسائل المتاحة (الممكنة).

وأوضح سماحتُهُ إن التبليغ هو رسالة الأنبياء (D) ووظيفتهم {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} (الأحزاب: 39)، وفي ضوء ذلك ينبغي لطلبة العلم أن يقتدوا بهم (D) وأن يتحلّوا بالشجاعة وأن يخرجوا من ربقة القيود التي فرضتها التقاليد الموضوعة وأصبحت متعارفة الآن، ولا أساس شرعياً لها، بل هي خلاف سيرة المعصومين (D) وما جرى عليه الكثير من العلماء العاملين الذين قالوا كلمتهم وأخلصوا لله تبارك وتعالى ولم يضعوا نصب أعينهم الا الله عز وجل فَخَلُدَ ذِكرهم في سجل الخالدين، وما قيل أو يقال في تثبيط عزائم الحوزة العلمية، وتبرير قعودهم عن أداء رسالة التبليغ، وهمٌ من تسويلات الشيطان {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (آل عمران: 175).

 وأبدى سماحته (دام ظله) أسفهُ لهذا الحال ولشيوع هذه (الثقافة) التي يعمل (البعض) على تكريسها فيجري عليها السواد الأكبر من طلبة العلم بطريقة السلوك الجمعي من دون تفكير أو تأمل.

 وتساءل سماحتُهُ مستغرباً!! ألم يكن رسول الله (J) خطيباً؟ ألم يكن أمير المؤمنين (A) خطيباً؟ ألم يكن الإمامان الحسن والحسين (C) خطيبين؟! إذن فلماذا يعتبر حديث العلماء المباشر مع الأمة نقصاً أو مثلبةً؟! ولماذا لا تسمع الامة مباشرةً من قادتها وتأخذ الكلام من عين صافية، وبين أيدينا الكثير من تراث الإمام أمير المؤمنين (A) وكان من جملة توصياته لقثم بن العباس عاملِهُ على مكة (ولا يكن لك الى الناس سفيراً الا لسانك ولا حاجباً الا وجهك)([4])، اي لتسمع الناس منكم مباشرة من دون واسطة تتحدث نيابة عنكم ونحو ذلك، وهذه هي سياسة أمير المؤمنين (A) وهذا هو أدب المعصومين (D) الذي ينبغي السير على هداه والأخذ به.

 وكرّر سماحتُهُ (دام ظله) دعوتهُ لاغتنام أجواء الزيارة الاربعينية المباركة في الدعوة الى الله تبارك وتعالى، وتوعيه الناس وإرشادهم ونبذ كل عوامل التفرقة والتقاطع، فقد أخذت الناس ترتقب هذه الزيارة من عام إلى عام وهي فرصة كبيرة للملايين لأن يلتقوا بطلبة الحوزة العلمية ويسمعون منهم مباشرةً ويشاهدون مواكب الوعي والإرشاد ويعيشون أجواء روحية سامية يفيضها الله تعالى كرامة لأبي الأحرار (A) لأنهم منقطعون طول السنة عن مراكز الاشعاع الديني ومنشغلون بهموم الحياة.

 كما أن هذه الزيارة المباركة أصبحت بفضل الله وبمرور الزمن ملتقىً عالمياً كبيراً تجتمع فيه مختلف الجنسيات والقوميات، وهي سوق رائجة للدعوة إلى الله وبث الوعي والمعرفة، مستشهداً بالحديث الشريف الذي روته السيدة الزهراء (B) عن رسول الله (J) حيث قالت سمعت أبي (A) يقول: (إن علماء شيعتنا يحشرون فيخلع عليهم من خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم وجدّهم في إرشاد عباد الله حتى يخلع على الواحد منهم ألف ألف خلعة من نور، ثم ينادي منادي ربنا عز وجل: أيها الكافلون لأيتام آل محمد والناعشون لهم عند انقطاعهم عن آبائهم)([5]).

 وأشار سماحتُهُ الى الأمرين المهمين الواردين في الحديث وهما شرط الفوز بخلع الكرامات، وأولها (كثرة علومهم) وهذا وحده لا يكفي لتحقق المطلوب، بل يعود بالنفع على نفس الطالب بأن يصبح (علّامة) مثلاً، أو يُلقي الدروس العالية كـ(الكفاية والمكاسب) ويجتمع حوله عدد من الطلبة، كل هذا وحده لا يكفي، ما لم يتحقق الشرط الثاني وهو (جِدُهم في إرشاد عباد الله) وهذا هو الهدف الأهم والغاية من ذلك، ففي تتمة الحديث الشريف (أيها الكافلون لأيتام آل محمد، الناعشون لهم عند انقطاعهم عن آبائهم الذين هم أئمتهم)، فهؤلاء الناس أيتام انقطعوا عن آبائهم الحقيقيين (يا علي أنا وأنت أبوا هذه الأمة)([6])، وحُرِموا من بركاتهم.

 ثم وجه سماحتُهُ خطاباً الى هذا التجمع من الفضلاء والى جميع أساتذة وفضلاء الحوزة العلمية الشريفة: وأنتم أيها العلماء ورثة الانبياء كما جاء في الحديث الشريف (العلماء ورثة الأنبياء)([7])، وأنتم أيضاً بمثابة الآباء لهذه الأمة وهؤلاء (أيتامكم) ويقعون تحت مسؤولياتكم، فبادروا ولا تدّخِروا وسعاً في هدايتهم ورعايتهم، فمن يدري لعل بعض هؤلاء (الأيتام) يستوقفنا يوم الحساب ويأخذ بتلابيبنا، ويقول أنا جارك أو أنا البقال الذي كنت تشتري منه أو: أنا سائق التكسي الذي كنت تستأجرُهُ أو أنا زميلك في العمل أو رفيقك في سفرة الحج، وقضينا أياماً معاً ولم تعلمني هذه المسألة ولم تصحّح لي الوضوء والصلاة ولم ترشدني الى هذا الخير، ولم تحذرني من ذلك السوء، ولم تذكرني بهذه الموعظة، ونحو ذلك... وعلى ذلك يمكنكم أن تقيسوا غيرها، فكم من شخص سيوقفنا يوم القيامة وسنسأل عنه، وعن حقه؟

وفي ختام كلمته دعا سماحته (دام ظله) المبلغين لأن تكون لهم نظرة ميدانية فاحصة بحيث يعرفون ما ينبغي التحدث به مع الزوار بمختلف أجناسهم وجنسياتهم وأعمارهم وانتماءاتهم، وبما يقتضيه الوضع الراهن والمناسبة والتحديات المعاصرة والمسائل والمشاكل المستحدثة فكرياً وعقائدياً واجتماعياً وأخلاقياً، وعلى رأس هذه الأمور حثّ الناس على إقامة صلاة الجماعة في كل أوقات الصلاة، وشرح الأحكام الشرعية الأساسية كالوضوء والصلاة ووجوب الرجوع إلى المرجع الديني الجامع للشرائط في سائر الأمور، مضافاً إلى كلمات الموعظة والإرشاد والتوجيه بما ينفعهم في ظل الفتن المتتالية على العالم الإسلامي، حتى لا يكونوا فريسة للمطامع والشبهات والمزالق.

وأن يقرأوا حركة الإمام الحسين (A) بوعي وبصيرة ونحن نصفه (A) في الزيارة الأربعينية بأنه (بَذَلَ مُهْجَتَهُ فيكَ لِيَسْتَنْقِذَ عِبادَكَ مِنَ الْجَهالَةِ وَحَيْرَةِ الضَّلالَةِ)([8]) فلا يصح أن تعود الملايين من زيارته (A) وهي خالية من الزاد الروحي.

كما أوصى سماحته (دام ظله) بالتذكير بالإمام المهدي (#) والتعريف بقضيتهِ المقدسة وسُبل إحيائها، والتمهيد لها بالشكل الصحيح وتفنيد الادعاءات التي تنسب له بشكل أو بآخر.



([1]) يوم الأربعاء 3/صفر المظفر/1444هـ- الموافق 31/8/2022م.

([2]) بحار الأنوار: 44/282/ح14.

([3]) بحار الأنوار: ٢/٣٠, عن معاني الأخبار، عيون أخبار الرضا (A).

([4]نهج البلاغة٣/١٢٧.

([5]) بحار الأنوار: ٧/٢٢4/ح143.

([6]) بحار الأنوار٣٦/١١/ح12.

([7]) الكافي- الشيخ الكليني: ١/٣٤/1.

([8]) مفاتيح الجنان – الزيارة الاربعينية: 543.