خطاب المرحلة (694)النخب الجامعية وقيادة حركة النهضة والإصلاح
النخب الجامعية وقيادة حركة النهضة والإصلاح
إلتقى([1])سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) بجمعٍ من أساتذة عدة جامعات عراقية بمكتبهِ في النجف الاشرف، واستمع الى تقييم الوضع في الجامعات علمياً وأخلاقياً وثقافياً واجتماعياً، وتضمّن التقييم شعوراً بالتشاؤم والإحباط من تردّي الوضع، فالمستوى العلمي ضحل في كثير من مفاصلها، ومخرجاتُها غير قادرة على النهوض بالدولة، أي ان الغرض المرجو من الدراسة الجامعية لا يتحقق، وزادت الحالة سوءاً بانتشار الجامعات الأهلية التي هي في أغلبها مشاريع تجارية لجلب الأموال على حساب المستوى العلمي الرصين.
أما الانحراف الأخلاقي والفكري والعقائدي، فقد أصبح علنياً ومتعارفاً ولا يجد من ينكره ويحاسب عليه، حتى أصبح الحرم الجامعي مرتعاً لتجارة المخدرات، وتبادل أفلام الفسق والفجور، والعلاقات غير المشروعة، كما لم يَعُد للجامعي تلك المنزلة التي كان يتمتع بها في أوساط المجتمع، وفقد تأثيره على الناس.
وإعتبر سماحتُهُ هذا التردي نتيجة طبيعية للفوضى التي تعم الدولة بسبب ضعف الحكومات وتسلّط الأحزاب على مقدرات الدولة، وهي لا همَّ لها إلا جَني المكاسب الشخصية والفئوية وتعبئة الشعب لخدمة مصالحهم ولو أدّى ذلك الى خراب البلد وجوع الشعب، فأصبحت بلاد المسلمين طاردة للكفاءات والشباب الذين هم أهم ثروة في البلاد، وتتلقفهم دول الغرب لتعيد الحيوية لبلدانها التي بلغت الشيخوخة، فما تعانيه الجامعات هو مظهر مما يعانيه المجتمع في سائر جوانب الحياة.
لكنَّ سماحتَهُ بدا متفائلاً حين عبَّر عن أملهِ بانبثاق ثلّة طيبة مخلصة شجاعة فاعلة من وسط هذا الركام القاتم لتقود عملية إصلاح شاملة تلبيةً لقوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (آل عمران: 104)، وسوف تحظى بتأييد الله تعالى ونصره، ومباركة المرجعية الرشيدة، ودعم الجماهير بكل شرائحها.
والأساتذة الجامعيون والمتخصصون هم نخبة هذه الثلّة انطلاقاً من قول الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (النحل:43)، فهم الذين ينبغي الرجوع اليهم في مجالات تخصصهم المتنوعة، وهم الأجدر بتحمل هذه المسؤولية والانطلاق بها، وإن كانت المسيرة طويلة ومليئة بالأشواك، وهو طريق ذات الشوكة بحسب المصطلح القرآني.
وأن ولادة الأمم والحضارات - كأمة الإسلام التي أسسها النبي(J) على أنقاض جاهلية تعيسة وقادت الحضارة الإنسانية عدة قرون- لا تكون إلا بعد مخاضٍ عسير وتضحياتٍ جسيمة، فكم تتطلب ولادة إنسان واحد من العناء الطويل، ابتداءً من الحمل إلى الوضع إلى التربية الممتدة سنين؟ فكيف بولادة أُمة متحضرة عزيزة كريمة؟
وقد عبّر سماحة المرجع (دام ظله) عن أملهِ بأن تكون عملية النهوض والإصلاح في العراق أسرع بكثير مما عليه الأمم الأخرى، لتَجذّر خصال الخير والطيبة والشهامة والشجاعة والتضحية وغيرها من الخصال الكريمة في نفوس أهلهِ، وإن غطّى عليها غبار الكيانات السياسية الفاشلة، مستشهداً بالمثال الذي ذكره سابقاً([2]) وهو التنظيم الرائع للزيارة الاربعينية بعد أسبوعين من تغيير عام 2003م، حتى ان الزيارة المليونية لم تشهد حادثاً مرورياً رغم عدم وجود دولة ولا جيش ولا شرطة، مؤكداً على أهمية إستثارة هذه المكامن الطيبة وتفجير الطاقات، وتجميع شتاتها وتنظيمها بلطف الله تعالى ورعاية الإمام صاحب العصر والزمان (A) {إِنْ تَنْصُـرُوا اللَّهَ يَنْصـُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} (محمد: 7).
كما أشار سماحتهُ الى أهمية أن تبدأ النخب الصالحة الغيورة من الجامعيين عملهم فوراً ومن دون تأخير، لأن الجميع يُدركون خطورة الوضع الحالي واستمراره في الانحدار نحو الهاوية، خصوصاً جيل الشباب والأطفال الذين نشأوا على تفاهات وانحرافات جملة من مواقع التواصل الاجتماعي بلا ضوابط، وعلى هؤلاء النخب أن يجتمعوا ويتدارسوا أوضاعهم إنطلاقاً من قول الإمام الصادق (A): (أتجلسون وتتحدثون؟ إن تلك المجالس أحبها، فأحيوا أمرنا، فرحم الله من أحيا أمرنا)([3]), وأن يبدأوا بتشخيص وتصنيف المشاكل والمعوقات والتحديات، ثم تكليف كل مجموعة بحسب استعدادها لمسؤولية أحد هذه الملفات، وقد سهّلتْ وسائل التواصل الاجتماعي عملية إيصال المعلومات والأفكار إلى أوسع قاعدة وبلا حدود.
ودعا سماحته الأساتذة الأفاضل الى تضمين دروسهم العلمية توجيهات أخلاقية وارشادات إجتماعية للطلبة، وتسجيلها بمقاطع مرئية لبضع دقائق ويبثّونها، فأنها ستؤثّر في نفوس وعقول كثيرين، مضافاً إلى الطلبة الحاضرين في قاعة الدرس.
كما يمكن القيام بأنشطة وفعاليات جامعية - كالتي تقوم بها مؤسسة ملتقى العلم والدين- والتي تعزّز الأخلاق الفاضلة، والفكر السليم، والهوية الأصيلة، وبث الروح الوطنية، والاعتزاز بالانتماء إلى هذه الأرض الطيبة، والبلد العريق.
هذا ويُذكَر إن سماحة المرجع (دام ظله) كان قد أطلق مبادرةٍ للتنبيه من خطر المخدرات وسرعة فتكها بالمجتمع مستثمراً أجواء الزيارة الشعبانية الفائتة والتي شهدت فعاليات متنوعة، بأن يكون شعار الملايين (المخدرات إرهاب خفي)([4])، وشاركت فيها المؤسسات الدينية والرسمية والاجتماعية، وخلقت وعياً عاماً لمكافحة هذه الآفة المهلكة، وقد كُللّت بالنجاح بلطف الله تبارك وتعالى وتسديده.
([1]) يوم الخميس 19/محرم/1444هـ- الموافق 18/8/2022م.
([2]) أنظر: خطاب المرحلة: 3/39.
([3]) بحار الأنوار: 44/ 282/ح14.
([4]) راجع خطاب رقم: 678, ص132, بعنوان: (المسلمون وحرب الجيل الخامس... العراق انموذجاً).