الصدّيقة الطاهرة الزهراء (عليها السلام) تدعو إلى إقامة دين الله تعالى وإتباع الأمناء عليه

| |عدد القراءات : 587
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسمه تعالى

{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف: 96]

الصدّيقة الطاهرة الزهراء (عليها السلام) تدعو إلى إقامة دين الله تعالى وإتباع الأمناء عليه[1]

 

سُنّة من سنن الله تعالى في خلقه تكشف عنها الآية الكريمة، وهي أن الناس[2] إذا آمنوا بالله تعالى وبما أنزل على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتمسكوا بتعاليم الدين وثبتوا عليه، فإن الله تعالى سيفتح لهم بركات مادية ومعنوية من السماء والأرض كانت مغلقة عليهم، والتعبير بالجمع للإشارة إلى تنوع البركات وتعددها، هذا الفتح الذي قال عنه الله تبارك وتعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا} [فاطر: 2].

وهذه البركات خاصة غير النعم العامة التي يفيضها الله تعالى على جميع خلقه سواء كانوا مؤمنين أو غير مؤمنين، وبها يعيشون حياتهم ويتمتعون بها، وهي أيضاً غير النعم الذي يغدق الله تعالى بها على العاصين استدراجاً لهم ولقطع أعذارهم، فتكون وبالاً عليهم لأنها تكون سبباً في تماديهم وزيادة آثامهم، قال تعالى في الآية السابقة {ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقَالُوا قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ} [الأعراف: 95].

وقد وصفت الآية الكريمة هذه النعم المفتوحة بالبركات وهي الخيرات الخالصة الطيبة التي تكون سبباً لحياة أفضل للناس مع ما فيها من الاستمرارية والنماء، وليست هي كالحسنة التي ذكرتها الآية السابقة فإن الحسنة ما يوافق طبع الإنسان وليس بالضرورة أن تكون خيراً له بل قد تكون وبالاً عليه كما في الاستدراج.

ومثاله اليوم الأمم الغربية فإنهم بعد أن خاضوا حربين عالميتين أهلكت عشرات الملايين منهم ودمّرت مدنهم، نشأ جيل في عافية {حَتّى عَفَوا} ورغدٍ من العيش وانهمرت عليه النعم، فأصبح همّه الانغماس في الشهوات والملذّات بلا حدود حتى أصبح يشرعن الشذوذ الجنسي ويبيح قتل أجنّة الحوامل، ويستحلّ إبادة الشعوب المستضعفة لاستعبادهم، ويظهرون عراة أمام الملأ، ويعبثون بما أنعم الله تعالى عليهم من الثمرات، وهم يظنون أنهم قد عُفوا[3] مما ابتُلي به آباؤهم.

وحينئذٍ بدأت تظهر عليهم النتائج السيئة لأعمالهم القبيحة من انهيار أخلاقي، وتفكك اجتماعي، وانقراض النسل، وأمراض فتاكة وجفاف، وأزمات في الاقتصاد والغذاء والطاقة، وخوف وقلق من المستقبل المجهول المحفوف بالمخاطر، قال تعالى {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [آل عمران : 178] وقال تعالى {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام: 44]، وهذا سيكون حتماً مصير الدول المستكبرة الظالمة.

وقد بدأت الآية بـ{وَلَوْ} لحثّ وترغيب الأجيال الحاضرة والمستقبلة على الإيمان والتقوى، وأخذ العبرة من الأمم السابقة التي كانت عاقبتها قاسية لأن أغلب الناس لا يتعظون، ولا يعون هذه الحقيقة فيهلكون أنفسهم ومجتمعهم، واقترنت (فتحنا) باللام لتأكيد النتيجة، فالآية الكريمة لا تتحدث عن حالة الأمم السابقة وعاقبة تكذيبهم فقط، وإنما ترشد لسنّة إلهية جرت فيهم وتجري في أمثالهم فتبشّر المؤمنين وتحذّر العصاة والكافرين؛ لأن الكون بكل أجزائه يسير في حركة منتظمة بحسب ما أراد الله تعالى، فمن انسجم معها من البشر تنعّم بها، ومن خالفها شقي بها، مثلاً مَن أراد أن يخالف قانون الجاذبية ويرمي نفسه من شاهق فإن الأرض ستجذبه وتتهشم عظامه.

ولأهمية التعرف على هذه السنة الإلهية فقد ورد التأكيد عليها في غير هذه الآية كقوله تعالى {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ} [المائدة: 65- 66] .

إذن إقامة الدين في حياة الناس وتمسكهم بالإيمان والعمل الصالح سبب أكيد للسعاد ورفاهية العيش في الدنيا، ونيل رضوان الله تعالى والنعيم في الآخرة، فالدين ليس أفعالاً عبادية يؤديها الإنسان بينه وبين الله تعالى بمعزل عن الواقع بل إنه قانون لتنظيم حياة الإنسان مع الكون كله.

أيها الموالون المجتمعون لنصرة الزهراء (B):

لقد احتجّت الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (B) على أصحاب أبيها بهذه الآية الكريمة رحمةً بهم وشفقة عليهم لأنها تعلم بأن ما يحصل في ذلك اليوم إيجاباً أو سلباً سيزلزل الأرض جميعاً ويرسم خارطة مستقبل البشرية جمعاء إلى قيام الساعة، فطالبتهم بالوفاء ببيعتهم لأمير المؤمنين (A) التي أخذها رسول الله (J) منهم يوم غدير خم، وأنهم إن التزموا بها فتح الله تعالى عليهم بركات من السماء والأرض، وحذرتهم من مغبّة النكول والنكوص على الأعقاب، ومما قالت (B) في حثّهم على الوفاء ببيعة أمير المؤمنين (A): (وتالله، ولأوردهم منهلاً نميراً صافياً رويّاً فضفاضاً، تطفح ضفّتاه -لغزارته-، ولا يترنّق جانباه -فإنه نقي حتى في جوانبه خلافاً لأنهار الدنيا-، ولأصدرهم بطاناً -أي شبعى-، ونصح لهم سراً وإعلاناً، ولم يكن يتحلى من الغنى بطائل، ولا يحظى من الدّنيا بنائل غير ريّ الناهل، وشبعة الكافل -فكافل العيال يؤثرهم على نفسه-، ولبان لهم الزّاهد من الراغب، والصادق من الكاذب)[4] ثم تلت الآية الكريمة {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[الأعراف: 96].

وهي (B) لم تدعُهم إلى علي (A) الشخص فقط وإنما دعتهم إلى التمسّك بعلي (A) المشروع الذي أسسه النبي (J)، وهو الإسلام النقي كما أُنزِل من الله تبارك وتعالى، وتعاقب على تمثيله أبناؤه المعصومون البررة (D)، ومن بعدهم مراجع الدين العظام.

فعلينا أن نستجيب لدعوة السيدة الزهراء (B) ونعمل على إقامة دين الله وهداية الناس إلى ما فيه خير الدنيا والآخرة وإصلاح أحوالهم، وأن نبدأ من داخل أسرتنا أولاً وننطلق إلى المجتمع، وأن نستثمر كل الوسائل المتاحة خصوصاً ما كانت منها واسعة الانتشار وبالغة التأثير ولا تعيقها حدود الجغرافيا، وحينئذٍ ستحظى الأسرة والمجتمع بانفتاح هذه البركات التي لم تذكرها الآية لكنها تُعرف من الآيات الأخرى والروايات الشريفة، كحالة الاطمئنان والسكينة وزوال الخوف والقلق الذي ينكّد حياة البشر اليوم {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد : 28] {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس: 62] وينعِمون بحياة هنيئة سعيدة {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].

 ولا بد أنه سيأتي اليوم الذي تسعد فيه البشرية بإقامة دين الله تعالى وهيمنته على كافة الأنظمة والأيديولوجيات البشرية، وحينئذٍ تنفتح البركات على نحو غير متصور مما أسهبت الروايات في ذكرها، ووصف الحياة الطيبة والرغيدة والمرفهة التي يعيشها الناس في ظل الدولة المباركة بقيادة الإمام المهدي الموعود (صلوات الله وسلامه عليه).

اسأل الله تعالى أن يتقَبلَ منا ومنكم هذه النصرة، ويجعلها بلسماً لجروح فاطمة الزهراء (B) العميقة، والحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين.



[1] - الخطاب الفاطمي السنوي الذي يلقيه سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) في ساحة ثورة العشرين على الالاف من المعزين قبل انطلاق التشييع الرمزي للصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في ذكرى استشهادها يوم الثلاثاء 3/ج2/1444 الموافق 27/12/2022

[2] - وهم أهل القرى الذين ارسل لهم الأنبياء (صلوات الله عليهم أجمعين) المشار إليهم في قوله تعالى قبل آيتين {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ} [الأعراف : 94] والقرية الموضع الذي يجتمع فيه الناس.

[3]- وهو معنى آخر لقوله تعالى: {حتى عفوا }.

[4] - الاحتجاج للطبرسي: 1/ 139