استفتاء / جواز تقليد الميت
بسمه تعالى
استفتاء / جواز تقليد الميت
سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) هل تجيزون تقليد المرجع الميت ابتداءً او بقاءً؟ جزاكم الله خير جزاء المحسنين.
بسمه تعالى
الحياة شرط في مرجع التقليد، لأن وظائف المرجعية لا تنحصر بالفتاوى حتى يمكن أن يقال بجواز الرجوع إلى الرسالة العملية للميت، وإنما هي قيادة للأمة ولا يمكن أن تكون الا لفقيه يعايش هموم الأمة وتطلعاتها، ويمتلك فطنة ليحلل بدقة الأحداث الجارية ويتخذ المواقف الحكيمة المسدّدة من قبل الله تعالى بناءاً على ما في الحديث الشريف (العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس)([1]) فلا يجوز تقليد الميت حقيقة أو حكماً وهو الفاقد لأهلية المرجعية، او العاجز عن أداء وظائفها.
نعم أجزنا لمن قلّد مجتهداً جامعاً للشرائط ويشار إليه بأنه من دائرة محتملي الأعلمية أن يبقى على تقليده في خصوص المسائل التي تعلمها في حياته، واشترطنا في جواز البقاء الرجوع إلى الأعلم الحي في المسائل المستحدثة والخلافية.
أما المسائل المستحدثة فالمشهور أن المراد منها القضايا التي استجدَّت وليس للمرجع الميت رأي فيها لكن هذا المعنى يجعل الشرط تحصيل حاصل ولا يحتاج الى ذكر لذا عرّفت المسائل المستحدثة، بالمسائل التي لم يعرفها المكلف في حياة المرجع الميت والتفت اليها بعد وفاته، حتى لو كانت موجودة في رسالته العملية، فحداثتها بلحاظ المكلف حيث لم يكن يعرفها من قبل لا بلحاظ موضوعاتها.
ووجه هذه الشرط أن المسائل التي تعلمها المكلف من مرجعه حال حياته يخرج فيها من عنوان الجاهل إلى العالم بها فلا يكون مشمولاً بوجوب رجوع الجاهل الى العالم، الا اذا انكشف خطأه في الرجوع الى الميت كما في المسائل الخلافية فيما لو خالف الحي الواجب تقليده فتوى الميت.
وأما المسائل الخلافية وهي التي يختلف فيها المرجع الحي مع الميت فيجب الرجوع فيها إلى الحي لأنه المرجع الذي يجب تقليده، وهو يرى ما توصّل إليه بالدليل هو الحجة أمام الله تعالى، وأن ما أفتى به الميت ليس بحجة فكيف يجيز للمكلف ترك الحجة والعمل باللاحجة؟ ولو كان الحي يعتقد ان الميت أعلم منه في هذه المسألة الخلافية – بأعتبار أن وجوب تقليد الاعلم انحلالي في كل مسالة – وأن ما أفتى به الميت هو الموافق للدليل المعتبر فانه يجب مطابقته ولا تجوز مخالفته وينتفي كون المسألة خلافية.
فمن الضروري إضافة هذا الشرط وان لم يكن متعارفاً في فتاوى الاعلام، (رضوان الله تعالى عليهم اجمعين)، ولعلهم نظروا الى ان المكلف يرى الميت هو الاعلم فيبقى على تقليده في المسائل الخلافية، لكن هذا مردود لان التقليد فعلاً الى الحي وهو الذي يحدد المساحة الجائزة للرجوع فيها الى الميت.
مضافاً إلى أن الحي يمتلك فرصة لتقوية ملكة الاجتهاد أو الاستفادة من الخبرات المتراكمة في مجال الاستنباط خصوصاً اذا طالت مدة بقائه بعد الميت الذي يكون قد توقف علمه الظاهري بالنسبة لنا، وربما لو كان حياً لغيَّر بعض فتاواه كما كان يفعل خلال سني حياته.
ونلفت النظر الى انه لا يجب على المكلف الفحص عن المسائل الخلافية لعدم وجوب الفحص في مثل هذه الشبهات([2]) الموضوعية، لكن لو علم بمسألة انها خلافية وجب الرجوع فيها الى الحي، وإن لم يعلم بالخلاف فأنه يجوز له العمل بالمسالة التي تعلمها في حياة الميت، ومنه يظهر جواب الاشكال بأن هذا الشرط لا يبقى مورداً لجواز البقاء على تقليد الميت، فان مساحة الجواز ستشمل كل المسائل التي تعلمها في حياة الميت ولم يعلم مخالفة فتوى الحي لها.
محمد اليعقوبي
النجف الاشرف
4/جمادى الاخرة/1444هـ