يوم الزهراء (عليها السلام) يوم الفرقان
يوم الزهراء (عليها السلام) يوم الفرقان ([1])
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين حمداً لا ينقطع أبداً، ولا يحصي له الخلائق عدداً، حمداً هو أهله وكما يستحقه حمداً كثيراً. والصلاة والسلام على أشرف خلقه وأحبّهم إليه محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
(السلام على الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء وعلى أبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها).
وصف الله تبارك وتعالى يوم بدر بالفرقان في قوله تعالى: [وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ] (الأنفال:41)؛ لأن النصر الذي منّ الله به تبارك وتعالى على عباده المؤمنين في معركة بدر كان فيصلاً فرّق بين الحق والباطل: الحق المتمثل بعقيدة الإسلام والانقياد لله تبارك وتعالى فيما يأمر وينهى وإقامة نظام الحياة على أساس شريعته المباركة، والباطل المتمثل بعبادة الأهواء وطاعة الطواغيت والانسياق وراء الشهوات واتخاذ بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله تبارك وتعالى. فأعزّ الله تبارك وتعالى الحق وجنده ونصرهم وأخزى الباطل وجنده وخذلهم.
ليس ذلك فحسب وإنما كان يوم بدر فرقاناً في تاريخ الإسلام والمسلمين فانتقلوا من مرحلة الخوف والاستضعاف والتشتت إلى مرحلة القوة والعزّة والمنعة والدولة وانطلق المسلمون بعدها ليبنوا حضارة البشرية كلها.
وكان فرقاناً ميّز أصحاب رسول الله (’) بين من حمل الإيمان في قلبه واطمأنت به جوانحه وثبتت عليه جوارحه فصدقوا ما عاهدوا الله عليه، وبين من كان الإيمان عنده لقلقة لسان وطقوس سطحية يؤديها فإذا محّصوا بالبلاء قل الديانون.
وكان فرقاناً بين فهمين للعوامل الحقيقية للنصر فبعد أن كان الاعتقاد بان الفوز حليف الكثرة العددية و القوى المادية المتنوعة حتى قال قائلهم [إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـؤُلاء دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فإن اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ] (الأنفال:49)، أصبح معيار النصر هو الإيمان والصبر والثبات على الحق فتهاوى جبروت قريش وعددها وعدتها بين إقدام المسلمين المعدمين إلا من النزر اليسير قال تعالى: [وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ] (آل عمران:123).
هكذا كان يوم بدر يوم فرقان على جميع الصُعُد في معركة العقيدة، معركة تنـزيل القران أي على مستوى الإيمان به والتصديق بما انزل الله تبارك وتعالى على نبيه (’) وكان الرسول الأكرم (’) هو قائد هذه المعركة.
ثم كانت حاجة لمعركة أخرى تلتها على مستوى السلوك والتطبيق لهذه التعاليم هي معركة التأويل أي الالتزام بحقيقة ما انُزِل على رسول الله (’) وعدم تحريفه عن حدوده والتصرف في الشريعة تبعاً للأهواء والمصالح والاستحسانات، وكان قائد هذه المعركة أمير المؤمنين (×) إذ قال فيه رسول الله (’) (وإنه المقاتل على التأويل إذا تركت سنتي ونُبِذت، وحُرِّف كتاب الله، وتكلم في الدين من ليس له ذلك، فيقاتلهم علي × على إحياء دين الله عز وجل) ([2]) وروي عن أبي جعفر الباقر (×) أنه ذكر الذين حاربهم علي (×) فقال: ( أما إنهم أعظم جرماً ممن حارب رسول الله (’) ، قيل له: وكيف ذلك يا ابن رسول الله؟ قال: أولئك كانوا جاهلية وهؤلاء قرأوا القرآن، وعرفوا أهل الفضل فأتوا ما أتوا بعد البصيرة) ([3]) ولما سأل علي(×) (فقال: يا رسول الله على ما أقاتل القوم؟ قال: على الإحداث في الدين).
فلم تكن هذه المعركة تنّفك عن تلك بل أن علياً لو لم يقاتل على التأويل لما بقي التنـزيل ولحُرّف الدين وانتهى كل شيء كما كانت نتيجة الديانات السابقة لان كلمات التنـزيل تبقى مجملة وعرضة للتلاعب والتحريف إذا لم توضع النقاط على الحروف فكان عليٌّ (×) تلك النقطة التي تحركت على حروف كلمات التنـزيل فأوضحت معانيها وثبتت حدودها وصانتها من عبث وتحريف أهل الأهواء والمصالح، لذا قال أمير المؤمنين في حرب صفين (والله ما وجدت من القتال بُداً أو الكفر بما أنزل على محمد (’))([4]).
وكان في حرب التأويل يوم فرقان كيوم بدر ذلك هو يوم الزهراء (سلام الله عليها) حيث وقفت (سلام الله عليها) في مسجد أبيها (’)، وأصحابه منصتون وهي تثبّت الحق وتعيده إلى نصابه بحجج بالغة وتدفع عنه التأويل والالتفاف على النصوص المباركة.
كان يوم الزهراء فرقاناً أوضح معالم وصفات الإمام الحقّ وميّزته عن المتقمص لها ومن كلماتها سلام الله عليها (وما الذي نقموا من أبي الحسن ×؟! نقموا والله نكير سيفه، وقله مبالاته لحتفه، وشدة وطأته، ونكال وقعته، وتنمّره (أي غضبه) في ذات الله، والله لو ما لوا عن المحجة اللائحة، وزالوا عن قبول الحجة الواضحة لردّهم إليها، وحملهم عليها، ولسار بهم سيراً سُجُحا (أي سهلاً) لا يكلم حشاشه، ولا يكِلُّ سائره، ولا يملّ راكبه، ولأوردهم منهلاً نميرا، صافياً، روياً، تطفح ضفتاه ولا يترنّق جانباه ولأصدرهم بطاناً، ونصح لهم سراً وإعلاناً، ولم يكن يتحلى من الدنيا بطائل، ولا يحظى منها بنائل، غير ريّ الناهل، وشبعة الكافل، ولبان لهم: الزاهد من الراغب والصادق من الكاذب [وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ] (الأعراف:96). [فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاء سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ] (الزمر:51).
وكان يوم الزهراء (÷) فرقاناً لتمييز المنقلبين على الرسالة من الثابتين عليها الشاكرين من أصحاب رسول الله (’) [وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ] (آل عمران:144).
ومن ذلك اليوم تميّز في تاريخ الإسلام خطان الأول مستقيم [فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ] (هود:112)، يمثل نقاوة الإسلام وأصالته، وخط انحرف عن جادة الصواب، وكلما طال الزمن ازداد الانحراف والابتعاد عن الخط الأصيل حتى صار خلفاء المسلمين كما يسمّونهم يشربون الخمر على منابرهم هذا ولا زال أصحاب رسول الله (’) أحياء.
وكانت فاطمة فرقاناً يميّز الحق عن الباطل إذ قال فيها رسول الله (’) (فاطمة يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها) فما رضيت عنه فاطمة فهو حق وما غضبت عليه فهو باطل لأنها معصومة وممن عرفت الله تبارك وتعالى فعرفت ما يرضيه وما يسخطه وما يصدر منها إلا ما يوافق رضا الله تبارك وتعالى.
وما أحوجنا اليوم إلى هذا الفرقان ليميّز لنا الحق من الباطل، والهدى من الضلال في كل عقيدة أو دعوة أو فكرة.
وما أحوجنا إلى هذا الفرقان ليفرّق لنا بين الصحيح والخطأ في آرائنا وتصوراتنا.
وما أحوجنا إلى هذا الفرقان ليميز لنا السلوك والتصرف الذي يرضي الله تبارك وتعالى من الذي يسخطه حيث اختلطت الأوراق وكثر المدّعون واشتبهت الأمور.
فاجعلوا الزهراء (÷) نصب أعينكم فيما يصدر منكم من فعل أو قول أو موقف أو فكرة تعتقدونها في عقولكم أو ضميمة تضمرونها في قلوبكم، واسألوا أنفسكم عن كل ذلك فحينما لا تلتزم المرأة بحجابها أو لا يؤدي الشاب الصلاة لربه أو لا يدفع التاجر خمس أمواله، أو يقصّر المسؤولون في خدمة شعبهم أو يقوم أحد بتصرف من دون الرجوع إلى المرجعية الرشيدة، فاجعلوا الزهراء (÷) حكما عليكم في خلواتكم هل ترضى بذلك أم تسخط فإن رضاها رضا الله تبارك وتعالى وسخطها سخط الله تبارك وتعالى.
وإذا سألتم كيف ندرك ذلك؟ وكيف ينبلج نور الفرقان هذا في قلوبنا حتى نستطيع به هذا التمييز، فإن الله تبارك وتعالى يجيبكم من قبل أن تسألوه تفضّلا منه وكرما، قال تبارك وتعالى: [يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ] (الأنفال:29)، إنها تقوى الله تبارك وتعالى التي تفجّر ينابيع المعرفة في القلب، لأن التقوى تزيل تأثير الهوى الذي يصدّ عن الحق ويحجب القلب عن رؤيته بما يجعل من الحجب فتعمى القلوب التي في الصدور، قال رسول الله (’) (إن أخوف ما أخاف على أمتي الهوى وطول الأمل، أما الهوى فانه يصدُّ عن الحق، وأما طول الأمل فينسي الآخرة، وهذه الدنيا قد ارتحلت مدبرة، وهذه الآخرة قد ارتحلت مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فإن استطعتم أن تكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فافعلوا، فإنكم اليوم في دار عمل ولا حساب وانتم غداً في دار حساب ولا عمل).
إن القلب ما لم يعمر بالتقوى وينفض عنه غبار الهوى وأغلال الشهوات لا يمكن أن يهتدي إلى الحق ولو أقمت له ألف دليل [وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ] (البقرة:145)؛ لأن الدليل مهما كان مفحماً ومسكتاً فانه لا يكون مؤثراً إذا لم تسكن إليه النفس ويطمئن به القلب.
إن من لا يمتلك هذا الفرقان يتخبط ويسير على غير هدى ويضلّ نفسه والآخرين ولا يميّز بين ما يضرُّه وما ينفعه ولا بين العدو وغيره كالثور المستعمل في حلبات مصارعة الثيران يجعل همّه في نطح قطعة القماش الحمراء غافلاً عن عدوّه المصارع الذي يطعنه بالخناجر حتى يصيب مقتله.
أعداء الشعب ثلاثة: الاحتلال، الإرهاب، فساد الحكومة:
قبل أيام قام المجرمون المتواطئون مع أجهزة متنفذة في الحكومة بتفجير ما تبقى من الروضة العسكرية الشريفة في سامراء وقد استنكر الجميع هذا الفعل الآثم، واكتفى بهذا الاستنكار العجزة المشلولون القابعون في سجونهم الاختيارية التي حاصروا بها أنفسهم وانعزلوا عن الشعب المظلوم.
فما قيمة هذا الاستنكار وقد مرّت سنة وأربعة أشهر على تفجير القبة الشريفة ولم تفلح الحكومة حتى في تشكيل لواء العسكريين([5]) لتأمين الطريق إلى سامراء وحماية الزائرين والروضة العسكرية الشريفة علماً بأن وسائل الإعلام المحلية تنقل لنا باستمرار طيلة هذه المدة عن تشكيل ألوية وأفواج وتجهيزها وتخريج دفعات من الضباط وعودة الآلاف من الضباط السابقين فلماذا لم يتشكل لواء العسكريين؟! مع إعلان آلاف الشباب الرسالي المتحمسين للدفاع عن مقدساتهم والتطوع في مثل هذا اللواء ومع تعاون أهالي سامراء الكرام أول المفجوعين بهذا المصاب الجلل حين انطلقوا في مظاهرات استنكارية حاشدة.
وكيف لا نتوقع منهم هذا الاستخفاف بحماية العتبات المقدّسة ونحن نرى انتهاك أقدس المقدسات وهو الإنسان الذي كرّمه الله تبارك وتعالى فجعله خليفته على أرضه [وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً] (الإسراء:70).
حيث جعلوا دم الإنسان العراقي المضطهد المحروم ورزقه وتاريخه وحضارته وعزّته وكرامته ثمناً لصفقاتهم ولصراعهم على الغنائم وعلى المصالح وتقاسم النفوذ والهيمنة. وإن كل واحد من المشاركين في ظلم الشعب العراقي بأي درجة من الدرجات سيلاقي عاقبة بغيه فإن ظلم العباد بعضهم لبعض من الذنوب التي لا يتركها الله سبحانه، ولو بغى جبل على جبل لتدكدك.
ففي كل يوم تسفك دماء بريئة من التي وصفها الحديث الشريف (إن دم المؤمن أشد حرمة عند الله من الكعبة)، وفي كل يوم يُضاف عدد جديد إلى الملايين الأربعة من المهجرين في داخل العراق وخارجه الذين أجبروا على التخلي عن وطنهم ومساكنهم وحصيلة جهود السنين المتطاولة، وفي كل يوم تنضمّ أعداد جديدة إلى جيوش العاطلين عن العمل حيث تتعطل المصانع وتتوقف الزراعة والتجارة والأعمال.
وكم رأينا وسمعنا عن جسر يُدمّر أو بناية تُخرَّب أو مشروع خدمي يتعطل من دون أن تقوم الحكومة بإصلاح شيء منها فها هي أنقاض تفجير الروضة العسكرية لم ترفع منذ سنة وأربعة أشهر فضلاً عن إعماره، وها هو جسر الصرافية([6]) على حاله يحكي قصة القطيعة التي يريدون فرضها على أبناء الشعب، وها هو شارع المتنبي([7]) يندب الثقافة والأدب والعلم والفكر، وفي كل مرة نسمع بتشكيل لجان تحقيقية من دون أن نعرف نتيجة واحد منها رغم وضوح أسباب بعض الجرائم كاستشهاد ألف من المؤمنين المعزين بذكرى استشهاد الإمام الكاظم (×) على جسر الأئمة قبل سنتين ولم تظهر النتائج إلى الآن.
نعم كل الذي نسمعه فضائح سرقة أموال الشعب حتى تصدّر العراق بلدُ الحضارة والأئمة والعلماء قائمةَ الدول التي استشرى فيها الفساد في تقرير منظمة الشفافية العالمية، وها هي سنة 2007 ينتهي نصفها ولم نرَ من ميزانيتها الانفجارية البالغة (41) مليار دولار شيئاً على ارض الواقع ولا من الأحد عشر مليار دولار التي خصصت للمشاريع الاستثمارية لتشغيل العاطلين، بلى وجدنا العكس حيث رأى العالم كله على شاشات التلفزيون تلكم النسوة والأطفال الذين يبحثون في حاويات القمامة عن طعام يسدّ رمقهم من دون أن يرفّ لهؤلاء جفن أو تحركوا لإنقاذ هؤلاء البائسين المحرومين، وبين أيديهم نهج البلاغة وفيه يقول أمير المؤمنين (×) عقب غارة لجند معاوية على الأنبار فقاموا بسلب النساء المسلمات وغير المسلمات ما تمتنع منهم إلا بالاسترجاع والاسترحام فقال (×) (فلو أن امرأ مسلماً مات من بعد هذا أسفاً ما كان به ملوماً بل كان به عندي جديراً) ([8]) .
أيها الشعب العراقي النبيل: إن الاحتلال والإرهاب خطران عظيمان يواجهان العراق وشعبه وسببان للمصائب والويلات التي حلّت بهما لكنهما لا يفسران كل ما حصل في العراق من كوارث؛ لأن الأخطر منهما حاضراً ومستقبلاً والذي يوفر لهما عناصر البقاء والنمو هو العنف السياسي الناشئ من الصراع على السلطة، والاستئثار بثروات الشعب، والاستبداد بالقرار، ونظر الكتل السياسية بعضها إلى بعضها على أنهم خصوم وليسوا شركاء في بلد واحد وركاب سفينة واحدة، والتسابق إلى حيازة المغانم على حساب حرمان الشعب من ابسط حقوقه، واعتبار السلطة على أنها وسيلة للإثراء غير المشروع وليست وسيلة لخدمة المواطن وإعمار البلد، وتوزيع المناصب على أساس الولاء للكيان لا على أساس الكفاءة والنزاهة والإخلاص للوطن والشعب، وهذا هو الذي مزّق الشعب وخرّب الدولة وجعل الكتل السياسية منشغلة عن الشعب وهمومه بعقد الصفقات والتسابق على قضم اكبر مقدار ممكن مما يسمونه بالكعكة وسحق الخصوم حتى لو احتاج الأمر إلى التواطؤ مع الجهات الخارجية.
إن الشرعيةَ المكتسبةَ من صناديق الاقتراع مشروطةٌ بالوفاء بالبرامج السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي وعدوا بها الناخبين فإذا لم يفوا بها ويخدموا الشعب ويوفروا له حقوق الحياة الحرة الكريمة فعليهم التنحي طوعاً أو كرهاً [وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ] (محمد:38).
أيها الأحبة: إن أبا ذر (رضوان الله عليه) من القلة الذين تشرفوا بتشييع الطاهرة الزهراء مع أمير المؤمنين × ليلاً، كان يقول وقد رأى اقل مما رأيتم (عجبت لمن لا يجد القوت في بيته كيف لا يخرج شاهراً سيفه) وهو نداءٌ إليكم والى كل المحرومين عبر الأجيال.
وإنكم أيها الموالون للزهراء (÷) العارفون بقدرها المجتمعون على مودّتها وتعظيم شأنها أكثر الناس استحقاقاً لنور الفرقان في قلوبكم ومعرفة الحق فطوبى لكم وحسن مآب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
([1]) المقطع الأول من الخطاب الذي ألقاه سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) على عشرات الآلاف من المؤمنين الذين تجمّعوا لإحياء ذكرى استشهاد الزهراء (عليها السلام) في النجف الأشرف يوم 3/ج2/1428 المصادف19/6/2007.
([2]) الإرشاد للمفيد:1/124.
([3]) مناقب آل أبي طالب: 3/19.
([4]) مناقب آل أبي طالب: 3/18.
([5]) شكّل اللواء لاحقاً وساهم في بسط الأمن من بغداد حتى سامراء مما أتاح للمؤمنين التوجه إلى زيارة الإمامين العسكريين تدريجياً.
([6]) كان جسر الصرافية هو المنفذ للتنقل بين الكرخ والرصافة خصوصاً لمحبي أهل البيت (^) الذين يتوجهون من شرق بغداد لزيارة الإمامين الكاظمين بعد تعذر المرور عبر الجسور الأخرى بسبب اشتداد الفتنة الطائفية، فكان تفجيره وسقوط قطعة كبيرة منه في نهر دجلة ذا بعد معنوي إن قطع هذا التواصل بين طرفي بغداد ورسّخ القطيعة إضافة إلى ما يختزن من ذكريات لأهل بغداد حيث ناهز عمره (60) عاماً.
([7]) استهدف تفجير شارع المتنبي في بغداد الذي يمثل نافذة بغداد الثقافية والتأريخية وأحرقت العديد من المكتبات والمعالم الأثرية وأزهقت الأرواح.
([8]) نهج البلاغة: ج1 الخطبة 27 ص58.