كرامة الإنسان.. مبدأ قرآني رسخته سيرة نبينا الكريم وأئمة أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام أجمعين)
المرجع اليعقوبي: كرامة الإنسان.. مبدأ قرآني رسخته سيرة نبينا الكريم وأئمة أهل البيت (عليهم الصلاة والسلام أجمعين)
بسمه تعالى
الاربعاء: 12/ جمادى الاولى/ 1444
الموافق 7/12/ 2022
أكد سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) على دعوته السابقة في اعتبار الإنسان قيمةً عليا بتكريمهِ من الله تعالى ({وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} (الإسراء:70) الذي سخر كل الوجود لخدمتهِ، مؤكداً على أن يكون هذا المعنى هو الحاكم على بقية المعاني التي تختزنها القوانين الوضعية وما شاكلها، وإن مبادئ الدين الاسلامي العظيم ركزت هذا المفهوم، وجاء تطبيقه عملياً من خلال سيرة نبينا الكريم محمد (صلى الله عليه وآله) وائمة أهل البيت (عليهم السلام).
وقال سماحته (دام ظله): في أثناء درس التفسير الأسبوعي الذي يلقيه على طلبة الحوزة العلمية بمكتبه في النجف الاشرف، في ضوء تفسير الآية الكريمة {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا}([1]) (الإنسان:8): إن الدين الإسلامي حفِظَ كرامة الإنسان.. كل الإنسان ودعا للإحسان اليه، مهما كان انتماؤهُ الديني أو العقائدي أو الفكري ولو لم يكن متحداً معنا بانتماءاته وتوجهاته، فينبغي الإحسان إليه أيضا.
فهذا رسول الإنسانية الذي بعث رحمة للعالمين، لم يوجه بسجن أحد من أسرى الحرب المشركين الذين حاربوا الدولة النبوية الكريمة- فلم يتخذ النبي (صلى الله عليه واله وسلم) سجناً لأسراه.. وإنما كان يوزع الأسرى على المسلمين ليحافظوا عليهم ويحسنوا إليهم، حتى يجعل الله تعالى لهم فرجا، وكان يؤتى إليه (صلى الله عليه والهو سلم) بالأسير فيدفعه الى بعض المسلمين فيقول أحسن اليه، فيكون عنده اليومين أو الثلاثة فيؤثره على نفسه، وإذا لم يجد الأسير ما يحفظ كرامته عند مضيفه، فتعطى حريته ويذهب لينال ما يريد ويختار.. ومنها ما في هذه الحادثة لذا قصد هذا الأسير دار علي وفاطمة (عليهما السلام) لِما بلغه من إيثارهما على أنفسهما وتكريمهما السائل والمحتاج.
وأشار سماحته (دام ظله) الى أهمية وأولوية إطعام المحتاجين والمعوزين من بين أعمال البر الكثيرة، بل دلّت الروايات على فضل الإطعام مطلقاً، ولا يقتصر على الفقراء والمحتاجين لما فيه من أثر طيب في تقوية أواصر المحبة والمودة وانفتاح النفوس وزوال الشحناء والخلاف بين الناس.
وبيّن سماحتُهُ إن هذا المعنى (معنى الأسير الوارد في الآية الكريمة) يتوسع لكل محتاج الى رعايةِ غيره، وإعالته معنوياً، ويشمل أيضاً من هو في حاجة اليه (فكرياً وعقائدياً واجتماعياً) وقد ورد هذا المعنى في اليتيم أيضا في الأحاديث الشريفة.
ولفت سماحتُهُ الى ان رعاية الشارع المقدس تتعدى الى الحيوان أيضاً ولا تقف عند حدود الإنسان وهو من أوسع أبواب البر، ففي الرواية (ان امرأة فاسقة غُفر لها لأنها سقت قطة عطشى ماءً).
وتأسف سماحتُهُ لابتعاد المسلمين عن المضامين المباركة والقيم السامية التي حفل بها تراثنا الإسلامي، مما ولد شعوراً بالهزيمة والدونية لدى شطر كبير منهم أمام الغرب الذي تعبث شعوبه في النعم الإلهية وتهدرها في ممارسات ومهرجانات لاهية تافهة، تستفز الضمير الإنساني من دون أدنى احترام لهذه النعم الجليلة والخيرات الكثيرة (كمهرجان الطماطم في اسبانيا الذي يتلفون فيه أطناناً من الطماطم بالتراشق فيما بينهم أو العبث والتراشق بمادة الدقيق (الطحين) أو مهرجان البرتقال في ايطاليا أو مهرجان البطيخ في أوكرانيا) .
وأستنكر سماحتُهُ من غفلة الناس عن توصيات الدين الإسلامي السامية في هذا الباب وغيره وابتعادهم عن كل ما يوفر للبشرية الحياة الكريمة التي ينعم ويأمن في ظلها الجميع، فلو التزمت البشرية بهذه التوصيات لما مات ملايين البشر جوعاً، بينما تتلف آلاف الأطنان من النعم الإلهية، لهواً وجحوداً، أو من أجل المحافظة على أسعار السلع، وغيرها من الأسباب.
وأرجع سماحتُهُ (دام ظله) سبب إعطاء القرآن هذه الأهمية لهذا الفعل على بساطته - (تصدق الامام امير المؤمنين والسيدة الزهراء والحسنين (عليهم الصلاة والسلام)) بخمسة أرغفة من الشعير على (مسكين ويتيم وأسير) بحيث تنزل فيه سورة كريمة تتلى الى نهاية الدنيا - الى منشأين أولهما الايثار الذي صاحب هذا الفعل بما هم بحاجة ماسة اليه، وثانيهما وهو الأهم ان إطعامهم كان خالصاً لوجه الله تعالى وطلباً لمرضاته.
وفي نهاية محاضرته، أشار سماحته (دام ظله) الى بعض الدروس الأخرى المستفادة من الآية الكريمة، منها إن الإخلاص لله تعالى المصاحب لكل عمل مهما قلّ يجعلهُ ذا قيمة، ويكون بعين الله عزوجل، ومنها ايضاً هو أننا ينبغي ان لا نقتصر على أداء الطاعات الواجبة دون المستحبات، أو نقتصر على اجتناب المحرمات فقط دون المكروهات، مادام هدفنا هو رضا الله تعالى وإتقاء سخطهِ.
[1] - الآية حلقة من سلسلة آيات نزلت في أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين (سلام الله عليهم) في حادثة مشهورة لدى الفريقين، وعدَّ المرحوم الأميني في كتاب الغدير (34) ممن أوردها من علماء السنة.