منتدى شاعرات أهل البيت (عليهم السلام) - الشهيدة بنت الهدى (رضوان الله تعالى عليها) نموذجاً
منتدى شاعرات أهل البيت (عليهم السلام)
الشهيدة بنت الهدى (رضوان الله تعالى عليها) نموذجاً
افتتح منتدى القلم الفاطمي لشاعرات أهل البيت (عليهم السلام) أول فعالياته بعد تأسيسه قبيل الزيارة الفاطمية الأخيرة بمهرجان[1] شعري بمناسبة ذكرى انتفاضة 17 رجب 1399 الموافق 12/6/1979 التي فجّرتها الشهيدة بنت الهدى (رضوان الله تعالى عليها) اثر اعتقال أخيها المرجع الشهيد السيد محمد باقر الصدر (u) من قبل جلاوزة البعث فتوجهت العلوية الطاهرة إلى حرم جدّها أمير المؤمنين (A) عند الصباح الباكر وشكت إليه ما لحق بها بأخيها من ظلم واعتداء من دون مراعاة لمقامه السامي ثم استنهضت المؤمنين المتواجدين في الحرم الشريف للخروج بتظاهرات عارمة للتنديد بالجريمة والمطالبة بالإفراج عنه ولبّت النداء اعداد كبيرة من الحوزة العلمية والمؤمنين الرساليين في النجف الاشرف وعدة مدن عراقية أخرى فاضطر النظام المقبور للإفراج عن المرجع الشهيد[2].
وقد تضمن برنامج المهرجان القاء كلمتين للفاضلتين: د. شميم أحمد السعود والعلوية ابتسام الخطيب (أم محمد الموسوي) وهُنَّ ممن عاصرن تلك الأحداث وشاركن فيها فتحدثتا عن خواطر وذكريات مع الشهيدة بنت الهدى تفاعلت معها الحاضرات وتفّجرت فيهن مشاعر الحزن والغضب من أفعال اللئام، ثم ألقت مجموعة من الشاعرات قصائد بالمناسبة.
وحضر سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (K) إلى قاعة الاحتفال بعد الانتهاء من تلك المشاركات وأثنى على انطلاق هذا المنتدى من قبل الأخوات الفاضلات ليثبتن ان المرأة ليست فقط قادرة على إنجاب الأطفال بل ولادة المشاريع الحضارية الرائدة التي تحيي الأمة وتوقظها من غفلتها، وبيَّن سماحة المرجع (K) أهمية المشروع من عدة جهات:
1- أنه خطوة على طريق مأسسة العمل الديني وتحويل العمل الفردي الى جماعي منظم وهو ما كان يدعو إليه السيد الشهيد الصدر (u) ضمن مشروع (المرجعية الصالحة)، فأنه أكثر عطاءاً وأدوم وأحفظ للإنجازات حيث يبدأ اللاحق من حيث انتهى السابق، وليس بأن تندثر أعمال السابق بموته ويبدأ اللاحق التأسيس من جديد كما هي الطريقة التقليدية، ولكنه (u) لم يستطيع إخراج مشروعه على أرض الواقع لقصر عمر مرجعيته ولقسوة النظام البعثي الجائر الذي يحارب كل تجمع وتنظيم ولو كان بسيطاً ويعتبره استهدافاً لوجوده، اما اليوم فالأبواب مفتوحة على مصراعيها والدعم المادي والمعنوي موجود بفضل الله تعالى، ويمكن التفكير بحرية بكل مشروع نافع وتجسيده على أرض الواقع بفضل الله تعالى.
2- إن هدفه صالح وسامي وعظيم وهو إبراز معالم الإسلام المحمدي الأصيل الذي تكفّل أهل البيت (D) بيانه للأمة وضحّوا من أجله بأرواحهم وأعزّ ما يملكون، وتعريف الأمة بفضائل أهل البيت (D) ومظلوميتهم وأحقيتهم في قيادة الأمة، وصلاح الغرض والقصد هو الذي يعطي للعمل قيمته، فالشهيد نال شرف المنزلة من هذه النية الصالحة وليس لذات القتل، فان القتلى كثيرون لكن الذين حظوا برضوان الله تعالى قليلون، فالإمام الحسين (A) قُتِل وأعداؤه قُتِلوا أيضاً كابن زياد وعمر بن سعد وشمر وحرملة وإنما بلغ الإمام الحسين (A) منزلته بسمو الهدف وسمو الذات والعمل، وهكذا السيدان الشهيدان الصدران (قدس الله سرهما) قُتِلا، وقُتِل قاتلهما صدام المقبور أيضاً وإنما افترقا بالهدف الذي سعيا من أجله.
3- اتخاذه الشعر وسيلة واداة لإيصال الرسالة السامية إلى الأمة، والشعر يؤثر في الجماهير ويحرّكها وإنما سمي الشعر شعراً لأنه ينطلق من الشعور الوجداني ويخاطب المشاعر وفيه معاني دقيقة كدقة الشعر، وقد التفتت الشهيدة بنت الهدى (رضوان الله تعالى عليها) إلى أهمية الشعر في مخاطبة وجدان الأمة وإيقاظ ضميرها فنظمت المقاطع التي تشدو بحب الله تعالى، والانتماء إلى الإسلام والافتخار بالهوية الإسلامية، وتعزيز الثقة بالأمة وقدراتها الهائلة على تحقيق النصر واستعادة كرامتها وعزّتها وقيادة مشروع حضاري عالمي، وان غير الإسلام من مشاريع وايديولوجيات فقاعات وسراب زائل وكان شعرها خالياً من التكلف والمفردات الغريبة واضح المعاني ذا إيقاع مؤثر يتحول إلى أناشيد يشدو بها العاملون الرساليون، وهذا ما نحتاج إلى احيائه وإلفات نظر الأمة إليه وتعزيز الهوية الإسلامية والانتماء للمشروع الإلهي العظيم بعد أن ذابت هذه الهوية في الانتماءات الفرعية للعشائر والمناطق والأحزاب والأشخاص والنوادي الرياضية وغيرها وتحوّل الانتماء الفرعي إلى تعصب وتقاطع مع الآخر وهو أخ له في الدين فلا يحرّكهم انتهاك حرمات الله تعالى والتجاوز على مقدساته لكنهم ينتفضون غيرة لحزبهم أو زعيمهم اذا تعرض لنقد، لذا ندعو الادباء من الرجال والنساء أن يساهموا في هذه الحركة ولا يبخلوا على الأمة بما تجود به قرائحهم.
ومن نظمها في ذلك:
غداً لنا لا لمبادي العدى |
|
ولا لأفكارهم القاحلة وارتجلت مبادئ وافده |
ومن نظمها أيضاً:
إسلامنا أنت الحبيب |
|
وكل صعب فيك سهلُ |
ومضت بإصرار وعزم على هذا الطريق وهي تعلم أنها طريق ذات الشوكة وتتطلب تضحيات غالية لكن الهدف وهو الله تعالى يستحق كل ذلك فقالت في قصيدة بعنوان (لن انثني):
قسماً وان ملىء الطريق |
|
بما يعيق السير قدما |
وقالت في ذلك:
أنا كنت اعلم إن درب |
|
الحق بالأشواك حافل |
4- إن المشروع ينطلق من النساء، والمرأة حجر الأساس في عملية إصلاح الأمة إن صلحت وفسادها إن فسدت والعياذ بالله تعالى، ومن الشواهد على هذه الأهمية ان الله تبارك وتعالى ضرب مثلاً صالحاً وقدوة للمؤمنين جميعاً من الرجال والنساء امرأة فرعون ومريم ابنة عمران، كما ضرب مثلاً وقدوة سيئة للكافرين من النساء أيضاً، قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ * وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم : 9 - 12].
وقد التفت الشياطين وارباب الفساد والانحراف إلى هذا الدور فجعلوا المرأة رأس الحربة في مشاريعهم الافسادية، وقطع النظام البعثي المقبور أشواطاً واسعة في هذا المجال ويتذكر الذين عاشوا تلك الفترة خصوصاً في سبعينات القرن الماضي أساليبه في ذلك ومحاربته للحجاب والعفة والتضييق على المحجبات وتهديدهن خصوصاً في الجامعات والمدارس والمؤسسات الحكومية وأسس اتحاداً عاماً للنساء لإدارة هذه العملية.
فانبرت الشهيدة بنت الهدى لتوعية النساء بخطر هذه الهجمة الشرسة وتعريفهن بعزة الحجاب وكرامته ورد الشبهات التي كانت تقال عن الالتزام الديني بأنه تخلف ورجعية وتضييق للحريات وقهر وحرمان ونحو ذلك فكانت تؤكد ان الحجاب لا يتنافى مع طلب العلم ونيل المعالي بل يجعل حياة المرأة هادفة متزنة بعيدة عن العبثية واتباع الشهوات المدمرة للمجتمع، وقد نجحت (رضوان الله تعالى عليها) في صياغة أفكارها على شكل روايات هادفة كانت تلقى رواجاً وتقبّلاً وتأثيراً وقد جُمِعت رواياتها وطُبِعت في مجلد بعنوان (المجموعة القصصية الكاملة للشهيدة بنت الهدى)، ونستثمر هذه الفرصة لتوجيه الدعوة إلى تفعيل دور الرواية الهادفة الملتزمة وتوظيفها لتحقيق هذه الأهداف النبيلة وضم الطاقات المبدعة في هذا المجال في منتدى للرواية الإسلامية.
كما نظمت الشهيدة المقاطع الشعرية لترسيخ هذه المفاهيم ومن ذلك قولها:
بيد العفاف أصون عز حجابي |
|
وبعصمتي أسمو على أترابي |
وقولها:
إلى المجـد يا فتيات الهـدى |
|
لنحيـي مآثرنـا الخالــدات |
وقالت في شحذ همم النساء للعمل الإسلامي المبارك طاعة لله تعالى ورسوله (J)
اختاه هيا للجهاد وللفدا |
|
وإلى نداء الحق في وقت الندا |
فسلام الله على الشهيد السعيد المرجع السيد محمد باقر الصدر وعلى الشهيدة بنت الهدى وعلى جميع شهداء الإسلام ورفع الله تعالى مقامهم في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
[1] - أقيم المهرجان يوم الجمعة 16 رجب 1443 الموافق 18/2/2022 على قاعة حسينية الإمام الرضا (A) التي شيدّها المرجع الراحل السيد محمود الهاشمي الشاهرودي (u) أبرز تلامذة المرجع الشهيد السيد محمد باقر الصدر (u) وقد تزينت القاعة بصورتيهما.
[2] - تجد تفاصيل الحادثة في موسوعة (محمد باقر الصدر: السيرة والمسيرة: 4/149)
[3] - المجموعة القصصية الكاملة لبنت الهدى: ص542
[4] - المجموعة القصصية الكاملة لبنت الهدى: ص546
[5] - المجموعة القصصية الكاملة لبنت الهدى: ص548
[6] - المجموعة القصصية الكاملة لبنت الهدى: ص444 – ص445
[7] - المجموعة القصصية الكاملة لبنت الهدى: ص538
[8] - المجموعة القصصية الكاملة لبنت الهدى: ص553