(كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ) - لنحذر الحسرة يوم القيامة
بسمه تعالى
(كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ) [البقرة : 167]
لنحذر الحسرة يوم القيامة[1]
قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم (وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ) [البقرة : 167].
تصوِّر الآية مشهداً من مشاهد القيامة حيث يتبرأ الزعماء والرؤساء والقادة والمتبوعون عموماً من اتباعهم ويتنصّلون عما سبّبوه لهم من ضلال وانحراف وفساد، والتضحية من أجلهم بالأموال والأنفس وتنفيذ قراراتهم الحمقاء، فيتمنى الأتباع لو يرجعون الى الدنيا ليتبرأوا من هؤلاء الزعماء بعد أن انكشف لهم خداعهم ومكرهم والسراب الذي توهمّوه (لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا) [البقرة : 167] وفي آية أخرى (حَتَّى إِذَا جَاءَنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ) [الزخرف : 38] وهي أماني لا تتحقق اذ لا رجوع إلى الدنيا ليتداركوا ما سلف منهم كما أخبر تعالى في نهاية الآية (وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ) [البقرة : 167]، (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [المؤمنون : 99 - 100] وهم ليسوا صادقين أصلاً حتى في تمنيهم هذا وقد أخبر الله تعالى عنهم (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ) [الأنعام : 28] فهم لا يتعظون ولا بصيرة لهم تهديهم إلى الطريق الصحيح.
فتصف الآية الكريمة حالهم بأنهم ستنكشف لهم حقيقة أعمالهم وسيرونها حسرات وقد ذكر تعالى أمثلة لهذه الحسرات في آيات أُخر (يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا) [الفرقان : 27] (يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ) [الفرقان : 28- 29] (فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً) [الأنفال : 36] حتى كان من أسماء يوم القيامة يوم الحسرة (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) [مريم : 39].
والحسرة ـ في فهم العرف بغضّ النظر عن أصلها اللغوي ـ أشد مراتب الندامة والأسف المصحوبة بغم شديد على ما مضى وفات من أفعال سيئة ارتكبوها، أو أعمال خير تركوها وقصّروا فيها وأوهام زائفة تعلّقوا بها وفرص للطاعة لم يغتنموها.
ومفتاح كل ذلك اتباع زعامات وقيادات على خلاف ما أمر الله تعالى به وهم الذين وصفتهم الآية السابقة عليها بالأنداد (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) [البقرة : 165] سواء اتخذوهم على مستوى التأليه والربوبية أم على مستوى الحب والاتباع والطاعة، روى العياشي في تفسيره عن جابر عن الامام الباقر (A) أنه قال (والله يا جابر، هم أئمة الظلم وأشياعهم)[2]، ثم انكشف لهم يوم القيامة أن اتباعهم لهؤلاء الناشئ من حبهم لهم وطلب تحصيل القوة والعزة منهم هو في حقيقته حسرة وندامة مؤلمة، وسيندمون أشد الندم على جعل أنفسهم وأموالهم وكرامتهم والأهم من ذلك آخرتهم بيد هؤلاء المتبوعين، وورد في الحديث الشريف (ان أشد الناس ندامة يوم القيامة رجل باع آخرته بدنيا غيره)[3] حيث ساهموا بشكل وآخر في تقوية طغيان وظلم زعمائهم .
وتزداد حسرتهم حينما يرون ما أعدَّ الله تعالى من الجزاء الحسن لمن اغتنم عمره ووجوده في الدنيا لاكتساب الصالحات، فقد تكون الحسرة لأنه اختار طريق الضلال والفساد بدل الهداية والصلاح، أو لأنه حصل على درجات دانية وحُرم من الدرجات العليا ومرافقة أولياء الله تعالى.
ويظهر من الآية أن هؤلاء الناس كانوا قادرين على أن يكونوا أخياراً وفي حال أفضل مهما ادّعوا من عدم استطاعتهم ذلك، أو قدّموا من أعذار ومبررات ولذا أصابتهم الحسرة ولو كان الذي حصل منهم خارجاً عن اختيارهم وفوق استطاعتهم لما صحّ التحسر عليه كأي فعل يستحيل عليه القيام به، فالإنسان لا يتحسر لأنه لم يستطيع القفز ليكون على سطح القمر مثلاً.
وتذكر الروايات أمثلة لما يوجب الحسرة يوم القيامة، فقد روى الشيخ الكليني بسنده عن الامام الصادق (A)قَالَ: (هُوَ الرَّجُلُ يَدَعُ الْمَالَ لاَ يُنْفِقُهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ بُخْلاً، ثُمَّ يَمُوتُ فَيَدَعُهُ لِمَنْ يَعْمَلُ بِهِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، أَوْ فِي مَعْصِيَتِهِ؛ فَإِنْ عَمِلَ بِهِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ رَآهُ فِي مِيزَانِ غَيْرِهِ، فَزَادَهُ حَسْرَةً وَ قَدْ كَانَ الْمَالُ لَهُ، وَ إِنْ عَمِلَ بِهِ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ قَوَّاهُ بِذَلِكَ حَتَّى عَمِلَ بِهِ فِي مَعَاصِي اللَّهِ)[4]، و روى الشيخ المفيد في أماليه بسنده عن الامام الباقر أو الصادق (C) قال: (الرَّجُلُ يَكْسِبُ مَالاً فَيُحْرَمُ أَنْ يُعْمَلَ فِيهِ خَيْراً فَيَمُوتُ، فَيَرِثُهُ غَيْرُهُ، فَيَعْمَلُ فِيهِ عَمَلاً صَالِحاً، فَيَرَى الرَّجُلُ مَا كَسَبَ حَسَنَاتٍ فِي مِيزَانِ غَيْرِهِ)[5]، وأشدُّ منهم حسرة من ذكره أمير المؤمنين (A) في قوله: (إن أعظم الحسرات يوم القيامة حسرة رجل كسب مالاً في غير طاعة الله فورثه رجل فأنفقه في طاعة الله سبحانه فدخل به الجنة ودخل الأول به النار)[6].
وهذه الأمثلة لما يوجب الحسرة ولا تنحصر بها والا فإن كل تقصير في حق الله تعالى بترك طاعة أو ارتكاب معصية يوجب الحسرة، قال تعالى (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) [الزمر : 56].
ونسبة الفعل الى الله تعالى في (يُرِيهِمُ) لأنه تعالى يكشف لهم هذه الحقائق، ولأنه تعالى المسبب الحقيقي وهو لا ينافي الأسباب الظاهرية باعتبار أنهم بأعمالهم أوجبوا هذه الحسرات عليهم.
والآية واحدة من آيات كثيرة تدل على أن أعمال الانسان تبدو على حقيقتها يوم القيامة، وهذه الحقائق التي هي الصور الواقعية لأعمالهم تكون جزاءاً لهم على أعمالهم الحسنة أو السيئة وليس الجزاء شيئاً آخر يعدَّه الله تعالى غير أعمالهم، قال تعالى (هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) [النمل : 90] (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا) [آل عمران : 30] ويومئذ يجد الذي يأكل أموال اليتامى ظلما وعدوانا ويتبجح بازدياد أمواله من الحرام أنه في الحقيقة يدخل نارا في جوفه (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) [النساء : 10] فدخول النار في جوفه ليس جزاءً على عمله بل هو نفس عمله وهكذا يجد الزانيان حقيقة عملهما بالصورة التي وصفها الحديث النبوي الشريف (انفجر من فرجهما من صديد وادٍ مسيرة خمسمائة عام يتأذى أهل النار من نتن ريحهما وكانا من أشدِّ الناس عذاباً)[7] ويجد متعاطي الغيبة حالته التي وصفتها الآية الكريمة بأن (يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا) [الحجرات : 12] وقد رأى النبي (t) هذه الصورة حقيقة في فم بعض أزواجه وخاطبها بالقول (الفظي الفظي! فلفظت مضغة لحم)[8] لكنهم لغفلتهم وانشغالهم باللهو واللعب والعبث وأنسهم بالدنيا لا يلتفتون الى ذلك، كمن يكون منشدّاً الى أمر ما فلا يدري ما يحصل له من جرح وألم فلا يعي ما حصل له حتى يصحو من ذهوله، كصويحبات يوسف الصديق فإنهن قطعن أيديهن بالسكاكين من فرط دهشتهنّ بجمال يوسف (A) من دون أن يلتفتن أو يشعرن بالألم.
وفي قوله تعالى: (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) [التحريم : 6] وقوله تعالى (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ وَارِدُونَ) [الأنبياء : 98] إشارة إلى أن هؤلاء هم بأنفسهم نار وليست النار شيئاً آخر أعدّت جزاءاً لأعمالهم.
نقل المرحوم العلامة الأميني (قده) في سفره القيم (الغدير) ان الحافظ العاصمي أخرج في كتابه ((زين الفتى في شرح سورة هل أتى)) (أن رجلاً أتى عثمان بن عفان وهو أمير المؤمنين وبيده جمجمة إنسان ميت فقال: إنكم تزعمون النار يعرض على هذا وإنه يعذب في القبر وأنا قد وضعت عليها يدي فلا أحس منها حرارة النار. فسكت عنه عثمان وأرسل إلى علي بن أبي طالب المرتضى يستحضره، فلما أتاه وهو في ملأ من أصحابه قال للرجل: أعد المسألة. فأعادها، ثم قال عثمان بن عفان: أجب الرجل عنها يا أبا الحسن! فقال علي: ايتوني بزند وحجر. والرجل السائل والناس ينظرون إليه فأتي بهما فأخذهما وقدح منهما النار، ثم قال للرجل: ضع يدك على الحجر. فوضعها عليه ثم قال: ضع يدك على الزند. فوضعها عليه فقال: هل أحسست منهما حرارة النار فبهت الرجل فقال عثمان: لولا علي لهلك عثمان)[9]. فالنار موجودة في باطن الحجر لكننا غير عارفين بالحقيقة ولا نحسّها بوجداننا لأننا محجوبون في هذه الدنيا عن الحقائق، وهكذا فأن مبدأ وأساس النار التي تغلي هو باطن العصاة.
قال الشيخ البهائي (قده) بعد ان ذكر ان الروايات متكثرة في تجسّم الأعمال وظهورها على حقيقتها يوم القيامة ((قال بعض أصحاب القلوب: ان الحيات والعقارب بل والنيران التي تظهر في القيامة هي بعينها الأعمال القبيحة و الأخلاق الذميمة و العقائد الباطلة التي ظهرت في هذه النشأة بهذه الصورة و تجلببت بهذه الجلابيب، كما أنّ الرَوْح و الريحان و الحور و الثمار هي الأخلاق الزكية و الأعمال الصالحة و الاعتقادات الحقّة التي برزت في هذا العالم بهذا الزيّ و تسمّت بهذا الاسم، إذ الحقيقة الواحدة تختلف صورها باختلاف المواطن، فتتجلّى في كلّ موطن بحلية و تتزيّى في كلّ نشأة بزيّ)[10].
فالمعاصي التي كانت تبدو في الدنيا جميلة جاذبة وفيها لذة ومتعة تظهر صورها على حقيقتها المؤذية المؤلمة المتشكلة على أساس نية صاحبها (انما الأعمال بالنيات)[11]، وقد يكون عمل واحد نوراً لشخص وناراً لآخر كإنفاق المال اذا كان في سبيل الله فهو نور ورحمة أو كان رياءاً أو للصدّ عن سبيل الله تعالى فهو نار وعذاب، والفرق هو في نية العمل وليس في نفس المال فأنه يتقلب في أيدي الناس بين هذا وذاك، وفي الحديث الشريف (إن الله عزوجل يحشر الناس على نياتهم)[12] وروي عن النبي (J) قوله (إنما هي أعمالكم تردُّ إليكم)[13].
وتظهر بعض الحقائق أحياناً في الدنيا قبل الآخرة فشرب الخمر قد يبدو فيه لذة وراحة لشاربه الا أنه سرعان ما يكتشف أنه أدخل الى جوفه سماً فتاكاً يخرّب بدنه ويتلف أعضاءه ويذهب عقله، والجاهل يغريه منظر النار والنور المنبعث منها فيندفع للعبث بها الا أنه سرعان ما يكتشف احراقها.
وقد ورد هذا المعنى في الأحاديث الشريفة فإن المعاصي تكون مقرونة بالشهوات واللذائذ، قال أمير المؤمنين (A) (وما من معصية الله شيء الا ويأتي في شهوة) لكنه (A) قال (إنّ النار حُفّت بالشهوات)[14] أي ان هذه الشهوات التي ظاهرها المتعة واللذة والانس هي نار في حقيقتها وباطنها لكنها مغلّفة ومحجوبة بالشهوات، كالسم المخلوط بالعسل فأنه لا يغيّر من حقيقته شيئاً، وهذا ما يشعر به من مارس الشهوات المحرمة وما أن ينتهي منها حتى يجد ألمها وعذابها في باطنه بشكل لا يطاق وقد يدفع بعضهم الى الانتحار، وقال أمير المؤمنين (A) في وصف الدنيا (مَثَلُ الدنيا مثل الحيّة لين مسّها قاتل سمَُّها)[15] فهي ظاهراً ناعمة الملمس تغري الجاهل بالاقتراب منها واللعب بها لكن باطنها السم القاتل، وهكذا المعاصي قال تعالى (وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ) [محمد : 15]، وتوجد أبحاث مفصّلة في مسألة تجسّم الأعمال لسنا بصدد عرضها.
وما نريد أن نستفيده هنا أمران:
1- اغتنام كل فرصة للطاعة وعدم اضاعتها فان (إضاعة الفرصة غصّة)[16] وحسرة، وعن الامام الصادق (A) قال (إن أعظم الناس يوم القيامة حسرة من وصف عدلاً ثم خالفه الى غيره)[17] وعنه (A) قال (إن الحسرة والندامة والويل كلَّه لمن لم ينتفع بما أبصره ومن لم يدرِ ما الأمر الذي هو عليه مقيم: أنفعُ له أم ضرّ)[18]، وأن لا نستصغر أي خطيئة (لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن انظر إلى من عصيت)[19] ولا تقلّل من شأن أي طاعة، وأعظمها بركة الإحسان إلى الاخوان، والأحاديث في ذلك كثيرة منها قول الإمام السجاد (A) (معاشر شيعتنا اما الجنة فلا تفوتكم سريعاً كان أو بطيئاً ولكن تنافسوا في الدرجات، واعلموا أن أرفعكم درجات و أحسنكم قصوراً ودوراً وأبنية أحسنكم فيها إيجاباً لإخوانه المؤمنين، وأكثرهم مواساة لفقرائهم، إن الله عز وجل ليقرب الواحد منكم إلى الجنة بكلمة يكلم بها أخاه المؤمن الفقير بأكثر من مسير مائة ألف عام في سنة بقدمه وإن كان من المعذبين بالنار فلا تحتقروا الإحسان إلى إخوانكم، فسوف ينفعكم الله تعالى حيث لا يقوم مقام ذلك شيء غيره)[20].
واذكر هنا مثالاً على بركة هذا الإحسان وإن كان ضئيلاً، وهو ما رواه شخص أنه كان يقود دراجة وتوقف عند علامة المرور وإلى جانبه سيارة يطلّ طفل من نافذتها ومعه أبوه وأمه قال: وفي هذه الثواني لاطفت الطفل ببعض الحركات التي أضحكته قبل أن نتحرك ثم علمت أن الأب والأم كانا على خلاف شديد وهما ذاهبان لإيقاع الطلاق ولما ضحك الطفل أعاد لهما مشاعر الأبوة والأمومة وحرص كل منهما على سعادة الطفل وعدم ضياعه اذا انفصلا فعدلا عن الطلاق وعاشا بسعادة ووئام واعيد بناء أسرة من جديد ببركة تلك الثواني وانتقلت الحالة من (ما من شيء أبغض إلى الله عز وجل من بيت يخرب في الإسلام بالفرقة، يعني الطلاق)[21] إلى (ما بني بناء في الإسلام أحبُّ إلى الله من التزويج)[22].
2- علينا أن نعيش الحسرة والندامة في هذه الدنيا على كل ما فاتنا من خير وما وقعنا فيه من سوء وعلى كل ما صدر من قصور وتقصير ليدفعنا ذلك إلى التدارك والإصلاح ما دامت فرصتهما موجودة في هذه الدنيا هذا التحسّر والألم الذي تطفح به أدعية أهل البيت (D) ومناجاتهم عند الانتهاء من المواسم العبادية كشهر رمضان والحج رغم أنهم استثمروها بأعلى أشكالها، وهو ما يشعر به المؤمنون الموالون أيضاً عند الانتهاء من خدمة زوار الامام الحسين (A) في الأربعينية وغيرها من المناسبات الدينية فيبكون متأسفين رغم ما قدموه من خدمات جليلة.
هذا التحسر والتأسف في الدنيا مثمر ومنتج أما عدم الإحساس به وتأخيره فأنه يعني استحالة الحصول على فائدة منه بعد الموت كما نطقت به الآية محل البحث وحكى الله تعالى عنهم (قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا) [المؤمنون :99 - 100].
[1] - كلمة ألقاها سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) في المؤتمر العام لأئمة المساجد في العراق الذي عُقِدَ في النجف الأشرف تحت شعار (المسجد يقود الحياة) يوم السبت 16/ربيع الأول/ 1443 الموافق 23/10/2021
[2] - تفسير العياشي: 1/72 ح 142، البرهان: 2/30 ح 3
[3] - كنز العمال: ج ٣ / ص٥١٠ / ح 7660
[4] و5- البرهان : 2/31 ح 556
[6] - نهج البلاغة/ الحكمة:429
[7] - بحار الأنوار: 76/366 ح 30
[8] - و ما روی عن عائشة قالت : إنی قلت لامرأة مرة و أنا عند النبی- صلی اللّه علیه و آله-: إن هذه لطویلة الذیل. فقال لی: الفظی الفظی! فلفظت مضغة لحم).
[9] - الغدير: 8/214
[10] - الأربعون حديثاً للشيخ البهائي: 493
[11] - وسائل الشيعة ط. مؤسسة آل البيت (عليهم السلام): 1/48
[12] - الكافي:5/20
[13] - بحار الأنوار: 3/90
[14] - نهج البلاغة: الخطبة 176
[15] - نهج البلاغة: الكتاب 68
[16] - ميزان الحكمة: ج3 / ص 2399
[17] - أمالي الطوسي: 663/ ح 1386
[18] - الكافي: 2/419 ح 1
[19] - بحار الأنوار: ج 74 / ص 77
[20] - تفسير البرهان: 1/125 ح 4 عن تفسير العسكري: 204/94.
[21] - وسائل الشيعة ط. مؤسسة آل البيت (عليهم السلام): ج 20/ ص 16
[22] - وسائل الشيعة ط. مؤسسة آل البيت (عليهم السلام): ج 20/ ص 14