أحكام بيع الدولار بالآجل
أحكام بيع الدولار بالآجل
سماحة المرجع الديني آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
توجد معاملة متداولة في السوق وهي بيع الدولار بالآجل، وذلك بأن يبيع ورقة فئة مئة دولار التي سعرها النقدي المتداول (125) ألف دينار مثلاً بمئة وثلاثين ألف دينار أو أقل أو أكثر بحسب الاتفاق ولمدة معيّنة كشهر مثلاً.
وهنا عدة أسئلة:
1. ما حكم هذه المعاملة؟
2. هل توجد نسبة محدّدة للفرق المأخوذ على سعر الورقة؟ وما هو وجه هذا التحديد؟
3. لو لم يستطع مشتري الورقة التسديد عند حلول الشهر فهل له تمديد العقد شهراً آخر أو أكثر مع زيادة المبلغ في ذمّته كأن يمدّدها شهرين ويصبح على مشتري الورقة (135) الفاً أو (140) ألفاً وهكذا؟
4. هل لهما إجراء العقد على مدّة أطول من شهر في ابتداء العقد؟
5. هل هذا الحكم خاص بمن يرجع إليكم بالتقليد أم يعم الجميع؟
6. لو حصلت مخالفة لشروط الصحة أعلاه فما حكم الأموال المقبوضة في المعاملات السابقة؟
بسمه تعالى
1. المعاملة صحيحة مبدئياً لاختلاف الجنس بين الدولار والدينار مع ملاحظة شروط الصحة.
2.نحن نشترط أن لا يزيد الفرق عن 3% من السعر النقدي لمدة شهر، فالورقة التي سعرها النقدي (125) ألف دينار لا تُباع بفرق يزيد عن (3,750) آلاف دينار شهرياً، والوجه في الاشتراط هو حفظ التوازن في السوق، وحماية المشتري من الفرق المجحف الذي يؤدي به إلى العجز عن التسديد وبيع ممتلكاته أو تعرضه للعقوبات القانونية أو الهرب خارج البلاد كما تشهد به الوقائع الكثيرة.
فالتحديد ضروري لتطبيق قوله تعالى (كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ) (الحشر 7) أي أنّ هذه الإجراءات لمنع احتكار المال بيد فئة معيّنة قليلة تسيطر على التعاملات المالية، أما الأكثر فيكونون ضحيّة.
وكان السيد الشهيد الصدر الثاني (قده) قد حدّد سقفها الأعلى 5% وأبقينا مقلّديه عليها، لأنّه كان يرى ذلك مناسباً، أما نحن فنراها كثيرة في ظل الواقع الاقتصادي الذي نعيشه.
3. لا يجوز لهما تمديد المدة تلقائياً وأخذ فرق جديد عن تمديد المدة لعدم المسوِّغ شرعاً لأخذ هذه الزيادة، بل على المدين تدبير المبلغ عند حلول الأجل وتسليمه إلى الدائن ثمّ يجدّد المعاملة بالفرق المذكور.
4. لا مانع من إجراء العقد لمدّة أكثر من شهر بشرط أن لا يزيد السقف الأعلى للفرق بين السعر النقدي والآجل عن النسبة التي ذکرناها لكل شهر.
5. يتّضح ممّا تقدّم أن هذه الفتوى اكتسبت صفة الحكم لأحد العناوين الملزمة كولاية الفقيه أو دفع الضرر العام أو حفظ النظام الاجتماعي العام ونحوها، فتكون ملزمة للجميع بغضّ النظر عن مرجع التقليد.
وأذكّر الجميع بالكارثة العامّة التي كادت تحلّ بالمجتمع العراقي قبل عدّة سنوات حينما انتشرت بشكل مريب شركات التسويق الشبكي وخدعت الكثيرين فدفعوا إليها أموالاً طائلة تسرّبت إلى خارج العراق، وأفتى بعض المراجع بجواز التعامل معها وسكت الآخرون باعتبار عدم الإشكال على وفق القواعد المعمول بها، وتصدّينا بقوّة لمواجهتها ووضّحنا المفاسد الكبيرة في عملها، وحشّدنا لذلك إعلامياً وسياسياً فتحقّق رأي ضاغط ضدّها، وحاولت تلك الشركات الإستثمار بعملها بنشر فتوى البعض بالجواز وأرسلوا معتمديهم لإقناعنا بعدم وجود تلك المخاوف، لكنّنا انتصرنا عليهم وكفى الله الناس شرّهم، ثمّ استبانت بعد ذلك للناس مصائبهم وحاول أصحاب الأموال بشتّى الوسائل استنقاذ أموالهم فلم يستطيعوا.
فليتعظ الجميع وليأخذ الدرس سواء كانوا يرجعون إلينا بالتقليد أو إلى غيرنا.
6. من باع بالنسبة التي كان مأذوناً بها سابقاً وهي 5% فلا شيء عليه ومن باع بأزيد من ذلك وكان أخذ الزيادة برضا المشتري بالآجل فلا شيء عليه أيضاً، وعليهم من الآن فصاعداً الالتزام بالنسب الجديدة.
وفي الختام أحبّ التعرض لإشكال أثاره البعض بأنّ هذا التحديد سوف يتضرّر منه الذين يلتزمون به في حين يكون غير الملتزم حرّاً في تحقيق ما يشاء من الأرباح، وليس في ذلك مصلحة للمؤمنين الملتزمين.
وجوابه أن هذا الإشكال لو صحّ فإنه يرد على كل المكاسب المحرّمة، وليطمئن الملتزم بالحكم الشرعي أنّه هو الرابح، أمّا في الآخرة فهذا واضح، وأمّا في الدنيا لأنّ كسبه سيكون حلالاً طيّباً، كما أنّ زبائنه سيكثرون لقلّة النسبة التي يطلبها، وحينئذٍ سيعوّض بكثرة الزبائن عن النقص في النسبة الّتي حدّدناها، قال تعالى {وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِن لَّدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (القصص 57)، وقال تعالى {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (الطلاق 2-3).