مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ - احذروا مكر شياطين الجن والإنس
بسم الله الرحمن الرحيم
{مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ} (الناس:4)
احذروا مكر شياطين الجن والإنس([1])
سورتا المعوذتين من كرائم السور القرآنية وفيهما بركات كثيرة روى عن رسول الله (9) قوله (من قرأها عند النوم كان في حرز الله تعالى حتى يصبح، وهي عوذة من كل ألم ووجع وآفة وهي شفاء لمن قرأها)([2]) .
وأخرج في مجمع البيان من حديث أبي (من قرأ (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) فكأنما قرأ جميع الكتب التي أنزلها الله على الأنبياء)([3]) وفيه أيضاً عن الامام الصادق (A) قال (جاء جبرئيل إلى النبي (9) وهو شاكٍ فرقاه بالمعوذتين وقل هو الله أحد وقال: بسم الله ارقيك والله يشفيك من كل داء يؤذيك، خذها فلتهنئك).
وروى علي بن إبراهيم في تفسيره عن الامام الصادق (A) أنه قال (كان سبب نزول المعوذتين انه وعك رسول الله (9) فنزل عليه جبرئيل (A) بهاتين السورتين فعوذه بهما)([4]) ولاجل ذلك اشتبه بعض الصحابة فظنهما تعويذتين وليستا من القرآن لكن الأئمة (%) صححوا هذا الاشتباه ، فقد روى القمي في تفسيره بسنده عن الحضرمي قال (قلت لأبي جعفر (A):ان ابن مسعود كان يمحو المعوذتين من المصحف) فقال (A):كان أبي يقول: إنما فعل ذلك ابن المسعود برأيه وهما من القرآن)([5]) وفي رواية أخرى (أمَّنا أبو عبدالله (A) في صلاة المغرب فقرأ المعوذتين ثم قال: هما من القرآن)([6]) .
والسورتان عظيمتا البركة والتأثير وقد دخلتا في عدد كبير من السنن والمستحبات روي عن الامام الصادق (A) قوله (كان النبي (9) اذا كسل أو أصابته عين أو صداع بسط يده فقرأ فاتحة الكتاب والمعوذتين ثم يمسح يده على وجهه فيذهب ما كان يجده)([7])، روي عن الامام الباقر (A) قوله (من أوتر بالمعوذتين وقل هو الله أحد) قيل له:يا عبدالله، أبشر فقد قبل الله وترك)([8]) .
والوسوسة: الحديث الخفي في باطن الانسان الذي لا كلام فيه وإنما هي معاني تخطر في الذهن وتسويلات وأوهام تلقى في مخيلة الإنسان ليقع تحت تأثيرها ويسير باتجاه امتثالها قبل التدقيق فيها لتمييز صوابها من خطأها، وعدم تحكيم العقل الرادع عنها.
وهذه الوساوس قد يكون مصدرها النفس الأمّارة بالسوء {وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} (ق:16) أو ابليس {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ} (الأعراف:20) أو عموم شياطين الأنس والجن {مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} (الناس:4-6) ، في امالي الصدوق بإسناده عن الامام الصادق (A) قال: لما نزلت هذه الآية {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} (آل عمران:135) صعد إبليس جبلاً بمكة يقال له ثور، فصرخ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه. فقالوا: يا سيدنا، لم دعوتنا؟ قال: نزلت هذه الآية، فمن لها؟ فقام عفريت من الشياطين، فقال: أنا لها بكذا وكذا. قال: لست لها. فقام آخر فقال مثل ذلك، فقال: لست لها. فقال الوسواس الخناس: أنا لها. قال: بماذا؟ قال: أعدهم وأمنيهم حتى يواقعوا الخطيئة، فإذا واقعوا الخطيئة أنسيتهم الاستغفار، فقال: أنت لها، فوكله بها إلى يوم القيامة)([9]) .
وفي مقابل هذه الوسوسة يوجد حديث خفي رحماني يوجه الانسان نحو الخير والصلاح يسمى الهاماً أو ايحاءاً {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى} (القصص:7) {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ} (الأنبياء:73).
وهو من الالطاف الإلهية التي تجلب الخير والسعادة للإنسان ويتدافع هذان الحديثان داخل الانسان كسائر جنود الرحمن والشيطان البالغ خمسة وسبعين لكل منهم([10]) وفي الحديث الشريف عن الامام الصادق (A) قال (ما من قلب الا وله أُذنان، على أحدهم ملك مرشد وعلى الآخر شيطان مفتِّن، هذا يأمره وهذا يزجره، وكذلك من الناس شيطان يحمل الناس على المعاصي، كما يحمل الشيطان من الجن)([11]) .
هذا التدافع يحسُّه كل واحد منّا إزاء مختلف المواقف التي يواجهها والانسان بأختياره يرِّجح هذا الدافع او ذاك، وممن عبّر عن هذه الحالة عمر بن سعد ليلة تكليفه بقيادة الجيش لحرب الامام الحسين (عليه السلام) بأبياته المعروفة ومنها:
أأترك ملك الري والري منيتي |
|
أم ارجع مأثوماً بقتل حسينِ |
روى الشيخ الكليني([12]) بسند صحيح عن الامام الصادق (A) قال (ما من مؤمن الا ولقلبه أُذنان في جوفه، أذن ينفث فيه الوسواس الخناس، وأُذن ينفث فيه الملك فيؤيد الله المؤمن بالملك فذلك قوله تعالى {وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} (المجادلة:22) .
والخنس: الاستتار والتخفي بعد الظهور والانقباض والتراجع والتأخر والابتعاد، قال تعالى {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ} (التكوير:15) وهي النجوم اذا غابت وسمي الشيطان خناساً لأنه ينقبض ويتراجع عن وسوسته عندما يُذَكر الله تعالى وتبعه على ذلك شياطين الانس {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} (الزمر:45) وقد ورد في الحديث الشريف عن النبي (9) ان الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فاذا ذكر الله سبحانه خنس واذا نسي التقم قلبه فذلك الوسواس الخناس)([13]) .
فالآية الكريمة تبين طبيعة عمل الشيطان وحدود تأثيره على الانسان اذ لا يزيد عمله على الوسوسة مستتراَ متخفيّاً مبتعداً عمَّن يوسوس له، لذا فالانتصار عليه مقدور بترك الانسياق وراء وسوسته وتزيينه، ويعترف الشيطان يوم القيامة بانه لم يقم بغير هذا {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ} (إبراهيم:22) ، روى علي بن ابراهيم في تفسير الوسواس الخناس ((اسم الشيطان الذي في صدور الناس يوسوس فيها ويؤيسهم من الخير ويعدهم الفقر، ويحملهم على المعاصي والفواحش، وهو قول الله عزوجل {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} (البقرة:268)([14]).
فيأمر الله تعالى نبيه (9) ومن خلاله الناس جميعاً ان يستعيذ بالله تعالى من شر هذا الوسواس المخادع {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا} (الأعراف:20) وهو يأمل من وسوسته انه حتى لو لم ينجح في إضلال الشخص وايقاعه في المعصية فلا أقل من تشويش ذهنه واضطراب نفسه وتضييع وقته وزيادة همه، قال تعالى {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} (المجادلة:10).
وتُعلمنا السورة ان لا طريق للتخلص من تأثيرات هذه الوساوس الشيطانية الا باللجوء الى الله تبارك وتعالى حتى النبي (9) المعصوم طلب منه ذلك لأنه ما كان ليصل إلى هذه المرتبة لو لا لطف الله تعالى وتأييده {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا} (الإسراء:74) فغيره (9) أولى بهذه الاستعاذة بالله تعالى. لأنه سبحانه جامع لكل ما يوجب اللجوء اليه والاستعاذة به.
{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ} (الناس:1-3) فان من طبع الإنسان إذا أقبل عليه شر يحذره ويخافه على نفسه وأحسَّ من نفسه الضعف أن يلتجئ بمن يقوى على دفعه ويكفيه وقوعه، والذي يراه صالحاً للعوذ والاعتصام به أحد ثلاثة إما رب يلي أمره ويدبره ويربيه ويرجع إليه في حوائجه عامة، ومما يحتاج إليه في بقائه دفع ما يهدده من الشر ، وهذا سبب تام في نفسه.
وإما ذو قوة وسلطان بالغة قدرته نافذ حكمه يجيره إذا استجاره فيدفع عنه الشر بسلطته كملك من الملوك ، وهذا أيضاً سبب تام مستقل في نفسه.
وهناك سبب ثالث وهو الإله المعبود فإن لازم معبودية الإله وخاصة إذا كان واحداً لا شريك له إخلاص العبد نفسه له فلا يدعو إلا إياه ولا يرجع في شيء من حوائجه إلا إليه فلا يريد إلا ما أراده ولا يعمل إلا ما يشاؤه.
والله سبحانه رب الناس وملك الناس وإله الناس كما جمع الصفات الثلاث لنفسه في قوله {ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ} (الزمر:6)([15]) .
أقول: ولعل عدم العطف بينهما بالواو للإشارة إلى استقلالية كل صفة في السببية.
ويحتمل في مقابل ذلك أن يكون كل سبب لاحق مكمل للاحق فان الرب والمربي قد لا يقدر على إجارة من يربيه من كل سوء الا أن يكون عنده الملك والسلطنة والقدرة وهذا أيضاً قد يعجزه شيء ما الا اذا كان إلهاً حكيماً عليماً قادراً مهيمناً.
والاستعاذة لا يكفي فيها تحريك اللسان من دون تعلق صادق بالله تعالى والتزام بما أمر به تعالى من شريعة وأحكام وسلوك ومعتقدات ونظام متكامل للحياة منهجاً وسلوكاً، غاية وأدوات والابتعاد عن أصدقاء السوء وأبواق الشيطان ومجالس اللهو والباطل التي تكون مرتعاً للشياطين.
((على المستعيذ الحقيقي ان يقرن قوله (رَبِّ النَّاسِ) بالاعتراف بربوبية الله تعالى، وبالانضواء تحت تربيته، وان يقرن قوله (مَلِكِ النَّاسِ) بالخضوع لمالكيته، وبالطاعة التامة لأوامره، وان يقرن قوله (إِلَهِ النَّاسِ) بالسير في طريق عبوديته، وتجنب عبادة غيره، ومن كان مؤمناً بهذه الصفات الثلاثة، وجعل سلوكه منطلقاً من هذا الايمان فهو دون شك سيكون في مأمن من شر الموسوسين))([16]) .
علينا ان لا نستهين بوسوسة الشياطين ولا نقلل من تأثيرهم لأنهم يزينون الأعمال القبيحة ويصورونها وكأنها نافعة لهم وفي مصلحتهم ويلبسون الباطل ثوب الحق بطرق ماكرة خفية تنطلي على الشخص نفسه، في الحديث الشريف عن أمير المؤمنين (A) قال (إنما سميت الشبهة شبهة لأنها تشبه الحق فأما أولياء الله فضياؤهم فيها اليقين ودليلهم سمت الهدى، واما أعداء الله فدعاؤهم فيها الضلال ودليلهم العمى)([17]).
وهكذا تختلط الأمور بسبب وسوسة الشياطين قال أمير المؤمنين (A) (فلو أن الباطل خلص من مزاج الحق لم يخف على المرتادين - أي الطالبين - ولو أنّ الحق خلص من لبس الباطل انقطعت عنه ألسن المعاندين، ولكن يؤخذ من هذا ضغث - أي قبضة - ومن هذا ضغث فيمزجان، فهناك يستولى الشيطان على اوليائه وينجو الذين سبقت لهم من الله الحسنى)([18]) وقال (A) (احذروا الشبهة فانها وضعت للفتنة)([19]) .
والوسوسة لها درجات وانماط كثيرة بحسب مناعة الشخص وورعه فبعضهم يغريه بالمعصية مباشرة كتزينه العلاقة مع امرأة أجنبية لذا ورد في التحذير من الخلوة بالمرأة عن النبي (9): (لا يخلون رجل بإمرأة فما من رجل خلا بامرأة إلاّ كان الشيطان ثالثهما)([20]).
أو انه مؤتمن على مال أو موقع فيزين له أن يمدّ يده إليه ويحوِّله الى مغانم شخصية على حساب الشعب أو من ائتمنه عليه.
وقد يكون الشخص ورعاً فلا يغريه بالمعصية وإنما يأتيه من جهة تدينه وورعه فيدعوه تحت عنوان الاحتياط إلى التشدّد في العبادات والمبالغة وعدم القناعة بالأعمال التي يؤديها فيعيدها ويلّح فيها لكي يتعبه ويرهق اعصابه ويضيّع وقته وينفّره من العبادات.
روى الشيخ الكليني (قُدس سره) بسند صحيح عن عبدالله بن سنان قال (ذكرت لأبي عبدالله (A) رجلاً مبتلى بالوضوء والصلاة، وقلت: هو رجل عاقل، فقال أبو عبدالله (A):واي عقل له وهو يطيع الشيطان؟ فقلت له: وكيف يطيع الشيطان؟ فقال: سله: هذا الذي يأتيه من أي شيء هو؟ فيقول لك: من عمل الشيطان)([21]) .
ونحن نرى اليوم شياطين الانس يلبسون مشاريعهم الخبيثة التي تدعو الى الابتعاد عن الله تعالى ونبذ القيم الدينية والاجتماعية السامية وتفكيك أواصر الاسرة والمجتمع والدعوة الى الشهوات والانفلات تحت عناوين خادعة، ولو أنهم اظهروا صورهم الحقيقية أمام الناس وتحدّثوا بصراحة عما يريدون لرفضوهم وطردوهم، مسخرين امكانياتهم المالية والإعلامية ومؤسساتهم واقلامهم وكُتابهم ومؤتمراتهم ومهرجاناتهم لخلط السم بالعسل وتسويق خططهم الشيطانية فيندفع وراءها كثير من المخدوعين والسذّج الذين لم يلتجأوا الى الله تعالى ولم يتحصنوا به من مكرهم وخبثهم، وقد يستعمل الطواغيت المتسلطون قوتهم العسكرية وأدوات بطشهم وقسوتهم أي القوة الخشنة مضافاً إلى القوى الناعمة لإجبار الشعوب على التخلي عن دينها.
لقد كثرت وصايا المعصومين (عليهم السلام) بالامتناع عن السير وراء من لم تعرف صلاحهم وحجتهم البالغة من الله تعالى لنكون في مأمن من شر الموسوسين، وحذرونا من اقتحام الأمور المشتبهة، فروي عن رسول الله (9) قوله (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك فمن رعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه)([22]) وعن أمير المؤمنين (A) قال (لا ورع كالوقوف عند الشبهة)([23]) وعنه (A) (حلال بيِّن وحرام بيِّن وشبهات بين ذلك فمن ترك ما اشتبه عليه من الاثم فهو لما استبان له أترك)([24]).
ان الوسوسة قد تتحول الى حالة مرضية غير طبيعية شخّصها الطب وتسمى بالوسواس القهري، وقد ذكرت الروايات بعض العلامات التي تكشف بلغة الجسد عن ان صاحبها مبتلى بدرجة من درجات الوسوسة كالحديث الذي رواه الشيخ الصدوق في الخصال فيما أوصى به النبي (9) علياً (A) (يا علي ثلاث من الوسواس: أكل الطين وتقليم الأظافر بالأسنان وأكل اللحية)([25]).
فبعض الناس يبتلى بالوسوسة في عقيدته وتتحدث نفسه معه بأحاديث الكفر في ذات الله تعالى فيظن انه لم يعد مؤمناً والحقيقة غير ذلك بدليل رفضه لهذا الحديث الباطني، فقد روى الشيخ الصدوق بسند صحيح عن عبدالله بن سنان قال (كنّا جلوساً عند ابي عبدالله (A) اذ قال له رجل: أتخاف عليَّ أن أكون منافقاً؟ فقال له: اذا خلوت في بيتك نهاراً أو ليلاً أليس تصلي؟ فقال: بلى:فقال فلمن تصلي؟ قال: لله عزوجل، فقال: فكيف تكون منافقاً وأنت تصلي لله عزوجل لا لغيره)([26]).
وان كثيراً من الناس يبتلى بالوسوسة في صلاته ووضوئه وطهارته ويلبسّها عليه الشيطان باعتقاد انها من الاحتياط الحسن واتقان العمل والأمر غير ذلك كما تقدم في الرواية عن الامام الصادق (A) في الرد على من اعتبرها من العقل.
ويبتلى آخرون بالوسوسة في علاقاتهم مع الاخرين فيشك في زوجته ويتهمها بالخيانة الزوجية ويحاول اقناع نفسه بأدلة تضحك الثكلى وآخر يشك في بنته وكم من سلطان شك في ان ابنه يتآمر عليه فيأمر بقتله كالشاه عباس الصفوي وآخرون يبتلون بالوسواس في حياتهم العامة فتراه ينجز عملاً ما ثم يشك هل قام به ام لا ونحو ذلك.
وقد وضع الأئمة (عليهم السلام) قاعدة عامة للقضاء على هذه الحالة صاغها الفقهاء بقولهم (لا شك لكثير الشك)([27]) و(كثير الشك لا يعتني بشكه) فالعلاج ان يعرض عن هذه الوساوس ولا يلتفت اليها ويهملها ولا يرتب عليها أي اثر فانها ستزول بإذن الله تعالى اما اذا استجاب لها وبنى عليها عملياً واقتنع بها فانها ستتركز وتتعمق في نفسه حتى تصبح شغله الشاغل ولا تفارقه حتى تخرّب عليه دينه وتنكد حياته وتحرمه من الاستقرار وراحة البال، قال (9) (إذا تطيرت فامض، وإذا ظننت فلا تقض)([28]) أي اذا حصل عندك شك وتردد ووسوسة فلا تلتفت اليه وامضِ الى ما عزمت عليه .
كما تضمنت الروايات ذكر بعض الأغذية المفيدة في دفع الوسوسة كالذي رواه الشيخ الكليني في الكافي بسنده عن الامام الصادق (A) قال (من أكل حبة من الرمان أمرضت شيطان الوسوسة أربعين يوماً)([29]) .
([1]) - كلمة القاها سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) يوم الجمعة 17/ج1/1442 الموافق 1/1/2021
([2]) البرهان في تفسير القرآن: 10/281
([3]) مجمع البيان: 10/278
([4]) تفسير القمي: 2/450
([5]) تفسير القمي: 2/450
([6]) الكافي: 3/317 ح 26
([7]) مكارم الأخلاق: 2/203 ح 2523
([8]) ثواب الأعمال:129
([9]) امالي الصدوق: 1/551
([10]) الكافي- ط الإسلامية: ج: 1 ص : 21
([11]) تفسير القمي: 2/450
([12]) الكافي: 2/206 ح 3
([13]) مجمع البيان: 10/281
([14]) البرهان: 10 / 281 ح 1
([15]) الميزان في تفسير القرآن: 20/458
([16]) الأمثل: 15/627
([17]) نهج البلاغة: الخطبة 38
([18]) نهج البلاغة: الخطبة 50
([19]) تحف العقول : 155
([20]) جامع أحاديث الشيعة، ج20، ص309.
([21]) وسائل الشيعة: 1/63 ، باب 10 ح 1
([22]) ميزان الحكمة: 4/361 ح 9293
([23]) نهج البلاغة : الحكمة: 113
([24]) من لا يحضره الفقيه: 4/75 ح 5149
([25]) بحار الأنوار: 76/108
([26]) وسائل الشيعة: 1/60 ، باب 8 ح 6
([27]) تعبيران عن قاعدة فقهية معروفة، قد ذُكرت في أغلب بحوث القواعد الفقهية, وكذلك وردت كثيراً على لسان الفقهاء, ولم يخدش فيها أحد منهم؛ مما يدل على قبولها. اُنظر: البجنوردي، محمد حسن، القواعد الفقهية: ج2، ص345
([28]) وسائل الشيعة: 18/ 38
([29]) الكافي: 6/353