مراتب وظيفة: الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
مراتب هذه الوظيفة:
للامر بالمعروف والنهي عن المنكر مراتب :
المرتبة الأولى : وهي أدنى المراتب واقل الإيمان. وهي الإنكار بالقلب, يعني الانزجار عنه نفسيا وكراهته بصفته عاصياً لله سبحانه وتعالى, وهي مرتبة ملازمة مع الايمان، فلو لم توجد في قلب الفرد لم يكن مؤمنا, الا ان في كونها من الامر الفعلي بالمعروف والنهي عن المنكر كذلك تسامح بالتعبير، وإنما هو امر الإنسان لنفسه ونهيه لها عن ان يكون كغيره في العصيان وهذه المرتبة غير مشروطة بالشروط السابقة.
المرتبة الثانية: إظهار الكراهية بعمل من الأعمال. مثل إظهار الانزعاج من الفاعل، أو الأعراض والصد عنه،أو ترك الكلام معه, أو ترك المكان الذي يكون فيه, أو ترك مشاغلته، أو مشاركته بالعمل اقتصاديا كان أو دنيويا أو أخروياً. والمهم هو إظهار ما يدل على كراهة ما وقع منه.
المرتبة الثالثة : الإنكار باللسان. بان يبلغه الحكم الشرعي اولاً. فان كفى في الارتداع لم يجب الزائد, والا وجب نصحه ووعظه, بتذكيره بعذاب الله سبحانه للعاصين وثوابه للمطيعين.
(مسألة 1768) : لا يجب ان يكون الأمر بالمعروف بصيغة الأمر ونحوها, ولا ان يكون النهي عن المنكر بصيغة النهي ونحوها, بل يمكن للفرد ان يختارها، كما يمكن ان يختار تبليغ الحكم الشرعي المنجز في حق الفاعل، فان الأمر والنهي في الحقيقة هما للشريعة وليس الفاعل أكثر من مبلّغ لهما, فاذا بلغ الحكم كفى.
المرتبة الرابعة : الإنكار باليد بالضرب المؤلم الرادع عن المعصية، مع إمكانه واحتمال تأثيره، كما سبق, سواء استعمل آلة في يده أم لم يستعمل.
(مسألة 1769) : المشهور وجوب الترتيب بين هذه المراتب الأربعة، والاقتصار منها على الاقل مع كفايته في التأثير, كما ان لكل مرتبة عدة مراتب فيها، فيجب الاقتصار على الاقل مع كفايته، والا وجب الترقي الى الاكثر وهكذا, وهذا هو الاحوط بل المتعين لان الزائد يكون ظلما حراما وهذا مختص بالمنكرات المتعلقة بالأفراد صدوراً وتأثيراً.
المرتبة الخامسة: إراقة الدم بجرح أو قتل اذا لم تكف المراتب السابقة لارتداع الفاعل وهذا من الاحكام الاجتماعية التي يستأذن فيها الفقيه الجامع لشرائط القيادة الاجتماعية.
المرتبة السادسة: التحرك العام بالاحتجاجات والاضرابات والمظاهرات والعصيان المدني وما يستلزم ذلك من التعرض للضرر في النفس والمال والأهل حينما يتطلب الواجب ذلك، وتشخيصه بيد الفقيه المؤهل للقيادة الإجتماعية.
(مسألة 1770) : قد يرى الفقيه لزوم التغيير باليد قبل اللسان اذا كان الموقف يتطلب ذلك كما لو كان المنكر ذا خطر عام على المجتمع أو على العقيدة، وهذا شأنه وليس شأن الأفراد، وفي ذلك ورد الحديث الشريف (من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده فمن لم يستطع فبلسانه، فمن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) وهذا الترتيب عكس ما ذكره الفقهاء (قدس الله أرواحهم) والفرق ما ذكرناه.
(مسألة 1771) : يتأكد وجوب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في حق المكلف بالنسبة الى اهله, بل هو مأمور به شرعا بعنوانه التفصيلي في نص القرآن الكريم, في قوله تعالى: (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)(التحريم: 6). وكون ذلك مشروطا بالشروط المتقدمة محل اشكال, وان كان غير بعيد, غير ان الغالب توفر تلك الشروط في داخل الأسرة، وان كان قد يوجد فيها من لا يحتمل فيه التأثير, أو من يخاف من ضرره. اذن، فيجب عليه اذا رأى من اهله التهاون في الواجبات، كالصلاة وأجزائها وشرائطها, بان لا يأتون بها على وجهها كعدم صحة القراءة والأذكار الواجبة منهم.أو أنهم لا يتوضؤون وضوءا صحيحا، أو لا يطهرون أبدانهم ولباسهم من النجاسة على الوجه الصحيح. فيجب عليه تعليمهم وامرهم ونهيهم على الترتيب المتقدم, حتى ياتوا بها على وجهها الصحيح. وكذا الحال في بقية الواجبات، وكذلك في المعاملات وسائر الإحكام.
وكذا اذا رأى منهم التهاون في المحرمات, كالغيبة والنميمة والعدوان بين بعضهم على بعض أو على غيرهم أو الزنا، أو شرب الخمر, أو السرقة. فانه يجب عليه ان ينهاهم عن المنكر، حتى يرتدعوا عن المعصية.
(مسألة 1772) : اذا امر الفرد أو نهى بعض اهله فلم يرتدع, وكرر عليه فلم يؤثر فيه , فقد سقط تكليفه مع حسن أدائه للمراتب السابقة للإنكار , ولا يجب عليه بعد ذلك ترك الأسرة أو الانتقال إلى مكان آخر, أو طرد الفاعل ونحو ذلك, ما لم تقتض مصلحة ثانوية مهمة لذلك, وأولى الناس بالسكوت بعد التكرار, الزوجة إذا رأت زوجها عاصيا لا يرتدع, فأنه لا يجوز لها عندئذ حرمانه من حقوقه الواجبة أو الخروج بغير اذنه، بل يبقى (جهاد المرأة حسن التبعل) شاملا لها. وليس الأمر بأشد من فرعون المذكور في القرآن الكريم, وقد صبرت زوجته على مظالمه حتى أصبحت من النساء الأربعة الزاكيات في العالم. وقالت : (رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ)(التحريم: 11). وهذه النجاة تعني النجاة المعنوية أو الأخروية, وليست النجاة الدنيوية, والا لم تكن مكتوبة في المجاهدين.
(مسألة 1773) : اذا صدرت المعصية من شخص من باب الاتفاق, وعلم الآخر ان الفاعل غير مصر عليها, لكنه لم يتب منها, وجب امره بالتوبة. فان التوبة من الواجبات وتركها من المحرمات الكبيرة الموبقة, هذا مع التفات الفاعل الى التوبة وتعمده تركها, اما مع الغفلة ففي وجوب أمره بها إشكال, وان كان هذا هو الاحوط استحبابا بل هو مستحب فعلا.