كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
كتاب
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
لا شك ان من أعظم الواجبات الدينية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. بحسب ما ورد في القرآن الكريم والسنة الشريفة.
قال الله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران:104) وقال تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)(آل عمران : 110) وغيرها من الآيات.
اما الروايات فتبلغ المئات وصفت الفريضة بانها (غاية الدين) و(قوام الشريعة) و(اسمى الفرائض واشرفها) وان فيه (مصلحة للعوام) و(ردعاً للسفهاء).
وعن الامام الباقر (عليه السلام): (إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيل الانبياء ومنهاج الصلحاء، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض وتأمن المذاهب وتحل المكاسب وتُرَّد المظالم وتعمر الارض وينتصف من الاعداء ويستقيم الامر).
ورد عن امير المؤمنين (عليه السلام) قوله: (ما اعمال البر كلها والجهاد في سبيل الله عند الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الا كنقية في بحر لجي وإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقربان من أجل ولا ينقصان من رزق وأفضل من ذلك كله كلمة عدل عند إمام جائر).
وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: (لا تزال امتي بخير ما امروا بالمعروف ونهوا عن المنكر، وتعاونوا على البر, فاذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم البركات، وسلط بعضهم على بعض، ولم يكن لهم ناصر في الارض ولا في السماء.
ملاحظة: حررنا مسائل هذا الباب بناءً على نمط (الفقه الفردي) الذي جرى عليه السلف الصالح (قدّس الله أرواحهم)، اما على منهج (الفقه الاجتماعي) الذي كتبنا فيه (الأسس العامة للفقه الاجتماعي) فستختلف الرؤية الى بعض المسائل، وقد اضفنا شيئاً منه إلى هذا الكتاب وتمام البحث المفصل في المجلدين الخاصين بهذه الفريضة من كتاب (فقه الخلاف)، والله الهادي الى سواء السبيل.
(مسألة 1760) : يجب الامر بالمعروف الواجب, ويجب النهي عن المنكر الحرام وجوباً كفائياً (أي يجب على مجموع الأمة وليس على كل فرد بعينه) فإن قام به البعض ممن فيه الكفاية واحدا كان ام متعددا، سقط عن غيره, وان لم يقم به المقدار الكافي، بان لم يقم به احد أو قام به مقدار غير كاف، اثم الجميع ممن لم يقم به واستحقوا العقاب إذا كان التكليف منجزاً عليهم.
(مسألة 1761) : اذا كان المعروف مستحبا كان الأمر به مستحبا, واذا كان المنكر مكروها أو مرجوحا كان النهي عنه مستحباً، ولم يكن واجبا. فإذا أمر أو نهى كان مستحقاً للثواب. وان لم يأمر به أو لم ينه عنه لم يكن عليه اثم، ولا عقاب، لكن دعوة الناس الى فعل المستحبات كقراءة القرآن وزيارة الحسين (عليه السلام) وصلاة الليل، وترك المكروهات كالاستزادة من الدنيا واجب على المبلغين والمرشدين والمتعلمين لئلا تضيع معالم الدين.
(مسألة 1762) : اذا كان الفعل مباحاً دينياً، فلا ميزان شرعي للأمر به, وان كان راجحاً دنيوياً, ولا النهي عنه وان كان مرجوحا دنيوياً، نعم، قد يكون الفعل مباحا شرعا في الاصل ولكنه راجح بعنوان ثانوي أو مرجوح كذلك، ككونه موردا لطاعة الوالدين, أو لاحترام المؤمن أو للتقية، ونحو ذلك. فيكون الامر به أو النهي عنه واجباً, ان كان العنوان الثانوي الزاميا، ومستحباً ان لم يكن كذلك.
(مسألة 1763) : يجب ايجاد مقدمات الامر بالمعروف والنهي عن المنكر, وذلك :
اولا: بتعلم الاحكام الشرعية الضرورية في الحياة, ليعرف الفرد المعروف والمنكر من نفسه ومن غيره.
ثانيا: بإيجاد المجتهد المطلق الذي يجوز تقليده, وذلك بتصدي جماعة كافية لتعلم العلوم الدينية ليحصل بعضهم على هذه الدرجة الرفيعة. ولا يجوز لاي مجتمع اهمال ذلك بحيث يحصل في المستقبل زوال المجتهدين كلهم، وعدم تعويضهم بآخرين.
ثالثاً: بايجاد القاضي الشرعي الجامع للشرائط, ليمكنه حل المخاصمات بين الناس, وذلك بتعلم العلوم الدينية كما قلنا, ولا يجوز اهمال ذلك ايضاً، بحيث يعود الامر كله إلى القضاء الدنيوي.