أصناف مستحقي الزكاة
المبحث الأول: أصنافهم
وهم ثمانية:
الأول: الفقير.
الثاني: المسكين.
وكلاهما من لا يجد مؤونة سنته اللائقة بحاله له ولعياله، والمراد بالعيال من يعولهم عادة ولا يقتصر على زوجته وأولاده فيشمل ضيوفه أيضاً. وقيل في الفرق أن الثاني أسوأ حالا من الأول لظهور الذلة والمسكنة عليه بسبب الفقر، وعلى أي حال فالتفريق بينهما هنا غير مُجدٍ، والغني بخلافهما، فإنه من يجد([1]) قوت سنته فعلا نقدا أو جنسا. ويتحقق ذلك بأن يكون له مال يكفي ربحه بمؤنته ومؤنة عياله، أو قوة اكتساب أو يكون له حرفة أو صنعة إذا اشتغل بها كفى مؤنته ومؤنة عياله واستغنى بها، وإذا كان قادرا على الاكتساب وتحصيل المؤنة ولكنه تركه تكاسلا فلا يكون فقيرا ولا يجوز له أخذ الزكاة. نعم، إذا لم يوجد له شغل وعمل يقوم به جاز له أخذ الزكاة مادام كذلك.
(مسألة 1688) : إذا كان له رأس مال لا يكفي ربحه لمؤنة السنة، جاز له أخذ الزكاة لإكمال مؤنته، وكذا إذا كان صاحب صنعة تقوم آلاتها بمؤنته، أو صاحب ضيعة أو دار أو خان أو نحوهما تقوم قيمتها بمؤنته، ولكن لا يكفيه الحاصل منها فإن له إبقاءها وإكمال المؤنة من الزكاة.
(مسألة 1689) : دار السكنى والخادم والسيارة الشخصية المحتاج إليها بحسب حاله ولو لكونه من أهل الشرف لا تمنع من أخذ الزكاة، وكذا ما يحتاج إليه من الثياب، والألبسة الصيفية، والشتوية الحضرية والسفرية ولو كانت للتجمل، شريطة أن تكون لائقة بحاله، وكذلك الكتب العلمية وأثاث البيت من الظروف والفرش والأواني، وسائر ما يحتاج إليه، والضابط في استثناء هذه الأشياء كما وكيفا وعدم منعها عن أخذ الزكاة: أن لا تكون أزيد مما تتطلب مكانة الشخص اجتماعيا وعائليا وعزا وشرفا، وهي تختلف من فرد إلى آخر، وإلا لم يجز أخذ الزكاة إذا كان الزائد وافيا بالمؤنة بالكامل، كما إذا كان عنده من المذكورات أكثر من مقدار الحاجة وكانت كافية في مؤنته، لم يجز له الأخذ منها، بل إذا كان له دار تندفع حاجته شانا بأقل منها قيمة، وكان التفاوت بينهما يكفيه لمؤنته لم يجز له الأخذ من الزكاة، وكذا الحكم في السيارة وغيرها من أعيان المؤنة إذا كانت أكثر مما تتطلب مكانته وشأنه وكان بإمكانه التبديل بالأقل الذي لا يطلب شأنه أكثر من ذلك.
(مسألة 1690) : إذا كان قادرا على التكسب، لكنه ينافي شانه الاجتماعي، جاز له الأخذ، وكذا إذا كان قادرا على الصنعة، لكنه كان فاقدا لآلاتها، فهو بالنتيجة عاجز عن الاشتغال بها.
(مسألة 1691) : إذا كان قادرا على تعلم صنعة أو حرفة يكفي الاشتغال بها لمؤنته وجب عليه ذلك; لأنه يقدر أن يكف نفسه عن الصدقة بتعلم الصنعة أو المهنة فإذاً هو غني. نعم، مادام مشتغلا بالتعلم لا مانع من أخذ الزكاة إذا لم يكن عنده ما يكفي لمؤنته.
(مسألة 1692) : طالب العلم الديني الذي لا يملك فعلا ما يكفيه، يجوز له أخذ الزكاة إذا كان طلب العلم واجبا عليه عينا، وإلا فإن كان قادرا على الإكتساب، وكان يليق بشأنه لم يجز له أخذ الزكاة، وأما إن لم يكن قادرا على الإكتساب لفقد رأس المال، أو غيره من المعدات للكسب، أو كان لا يليق بشأنه - كما هو الغالب في هذا الزمان - جاز له الأخذ، هذا بالنسبة إلى سهم الفقراء، وأما من سهم سبيل الله تعالى فيجوز له الأخذ منه إذا كان يترتب على اشتغاله مصلحة محبوبة لله تعالى وإن لم يكن المشتغل ناويا للقربة. نعم، إذا كان ناويا للحرام كالرياسة المحرمة لم يجز له الأخذ.
(مسألة 1693) : المدعي للفقر إن علم صدقه أو كذبه عومل به، وان جهل ذلك لم يجز إعطاؤه إلا إذا حصل الوثوق بفقره أو كانت حالته السابقة هي الفقر.
(مسألة 1694) : يجوز احتساب الزكاة على الفقير الميت إذا كان له دين عليه مقاصّة مع دينه بشرط أن لا يكون له تركه تفي بدينه وإلا لم يجز، إلا إذا تلفت التركة على نحو لا يكون التالف مضمونا، وإذا امتنع الورثة من الوفاء ففي جواز الاحتساب إشكال وإن كان الجواز أظهر، وكذا إذا غصب التركة غاصب لا يمكن أخذها منه، أو أتلفها متلف لا يمكن استيفاء بدلها منه.
(مسألة 1695) : إذا كان له دين على الفقير الحي جاز احتسابه من الزكاة بمقاصّته مقدارها من الدين إذا كان عند الفقير ما يفي بالدين ولو ببيع دار أو أثاث أو له عمل يُرجى منه استيفاء دينه، أما إذا كان الفقير مما لا يُرجى منه شيء من ذلك فلا يجوز احتساب الدين من الزكاة مقاصّة وإنما يسلّم الفقير الزكاة وهو بالخيار إن شاء سدَّد الدين أو صرفها على احتياجاته.
(مسألة 1696) : لا يجب إعلام الفقير بأن المدفوع إليه زكاة، بل يجوز الإعطاء على نحو يتخيل الفقير أنه هدية، ويجوز صرفها بعينها في مصلحة الفقير كما إذا قدّم إليه تمر الصدقة فأكله.
(مسألة 1697) : إذا دفع المالك مقدارا من النصاب بعنوان الزكاة لشخص، باعتقاده أنه فقير ثم بان أنه غني، وجب عليه استرجاعه منه وصرفه في مصرفها إذا كانت العين الزكوية باقية عنده، وإن كانت تالفة، فإن كان الدفع إليه بعد الفحص والاجتهاد والتأكد أو كان بأمر المجتهد أو المأذون من قبله فلا ضمان عليه، على أساس أنه لا موجب له، فإن الموجب هو التفريط والتقصير فيه، فإذا لم يكن فلا مبرر له، وبكلمة أخرى :أنه إذا دفع الزكاة إلى غير موردها واقعا من دون أن يقوم بعملية الفحص وتحصيل الحجة فهو ضامن إذا تلفت لصدق التفريط والتقصير فيه، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الدفع إلى غير العارف أو إلى العارف غير المستحق، وأما إذا دفعها إليه بعد عملية الفحص وتحصيل الحجة ثم انكشف الخلاف فلا ضمان عليه إذا تلفت، كما أنه لاضمان إذا دفعها إلى المجتهد الجامع للشرائط أو المأذون من قبله وتلفت عنده قبل إيصالها إلى أصحابها، ثم إنه يجوز للدافع أن يرجع إلى القابض إذا كان القابض يعلم بأن ما قبضه زكاة وهي محرمة على الغني، وكذلك إذا كان شاكا في حرمتها عليه ويطالبه ببدلها من المثل أو القيمة في كلا الفرضين، وأما إذا كان جاهلا بها مركبا أو تخيل أن ما دفعه إليه هدية وليس بزكاة فلا يحق للدافع أن يرجع إليه؛ لأن الدافع حينئذٍ إن كان مقصرا في ذلك - بأن دفع الزكاة من دون فحص وتحقيق - فالضمان عليه، وعندئذٍ لو دفع القابض الزكاة فله أن يرجع إلى الدافع ويطالبه بالعوض عنها تطبيقا لقاعدة رجوع المغرور إلى الغار، وإن لم يكن الدافع مقصرا فيه فلا ضمان لا على القابض ولا على الدافع، ولا فرق في ذلك بين أن يكون الدافع هو المالك أو غيره، وكذلك الحكم إذا تبين كون المدفوع إليه ليس مصرفا للزكاة من غير جهة الغنى، مثل أن يكون ممن تجب نفقته، أو هاشميا إذا كان الدافع غير هاشمي أو غير ذلك.
الثالث: العاملون عليها: وهم الموظفون المنصوبون لأخذ الزكاة وضبطها وحسابها وإيصالها إلى الإمام (عليه السلام) أو نائبه العام أو إلى مستحقها. وعملهم يشبه عمل مخمنّي وجباة الضرائب اليوم.
الرابع: المؤلفة قلوبهم: وهم المسلمون الذين يضعف اعتقادهم بالمعارف الدينية، فيعطون من الزكاة ليحسن إسلامهم ويثبتوا على دينهم، أو الكفار الذين يوجب إعطاؤهم الزكاة ميلهم إلى الإسلام، أو معاونة المسلمين في الدفاع أو الجهاد ضد الكفار.
الخامس: الرقاب: وهم العبيد المكاتبون العاجزون عن أداء الكتابة مطلقة أو مشروطة، فيعطون من الزكاة ليؤدوا ما عليهم من المال، والعبيد الذين هم تحت الشدة، فيشترون ويعتقون، بل مطلق عتق العبد إذا لم يوجد المستحق للزكاة، بل مطلقا على الأظهر.
السادس: الغارمون: وهم الذين في ذمتهم ديون للناس وكانوا عاجزين عن أدائها في وقتها، سواء كانوا متمكنين من قوت سنتهم بالفعل أو بالقوة أم لم يكونوا متمكنين من ذلك، هذا شريطة أن لا تكون تلك الديون مصروفة في المعصية.
وعلى ذلك فلو كان على الغارم دين لمن عليه الزكاة جاز له احتسابه عليه زكاة، بل يجوز أن يحتسب ما عنده من الزكاة للمدين، فيكون له ثم يأخذه مقاصة وفاءً عما عليه من الدين وإن لم يقبضها المديون وهو الغارم، ولا يوكله في قبضها ولا يجب إعلام الغارم بذلك.
وأما إذا كان الدين لشخص آخر فيجوز لمن عليه الزكاة أن يؤدي دينه من الزكاة عنده ابتداءً إن كان المدين ميتا، وأما إذا كان حيا فلا يجوز إلا بإذن الحاكم الشرعي ولو من دون إطلاع الغارم، وأما كفاية ذلك من دون الإذن منه منوطة بتوفر أحد أمرين:
الأول: أن تكون لمن عليه الزكاة ولاية على المدين، ويقبض من الزكاة ولاية عنه ثم يفي بها دينه.
الثاني: أن تكون للدائن ولاية على المدين ويقبض الزكاة من قبله ولاية ثم يستملكه وفاءً للدين، ولكن كلا الأمرين غير ثابت، فإذاً الكفاية منوطة بالإذن من الحاكم الشرعي، ولو كان الغارم ممن تجب نفقته على من عليه الزكاة جاز له الإعطاء منها لوفاء دينه، وإن لم يجز إعطاؤه لنفقته أو يفي دينه عنه ابتداءً بإذن الحاكم الشرعي.
السابع: سبيل الله تعالى: وهو جميع سبل الخير كبناء الطرق والجسور، والمدارس والمساجد، وإصلاح ذات البين، ورفع الفساد، ونحوها من الجهات العامة، بل الأظهر شموله لكل عمل قربي، سواء كان من الجهات العامة أم الخاصة كإرسال شخص إلى الحج إذا لم يتمكن منه بغير الزكاة، أو بناء دار لعالم وهكذا.
الثامن: ابن السبيل: الذي نفدت نفقته، بحيث لا يقدر على الذهاب إلى بلده، فيدفع له ما يكفيه لذلك، بشرط أن لا يتمكن من الاستدانة، أو بيع ماله الذي هو في بلده، وإلا فهو متمكن من مواصلة سفره.
(مسألة 1698) : من سافر سفر معصية وبعد الانتهاء منه أراد أن يرجع إلى بلدته، فإذا نفدت نفقته في هذه الحالة ولا يتمكن من الرجوع فلا يجوز إعطاؤه من الزكاة إلا إذا تاب وندم فلا يبعد جواز إعطائه بمقدار الكفاية اللائقة بحاله.
(مسألة 1699) : إذا اعتقد وجوب الزكاة فأعطاها، ثم بان العدم جاز له استرجاعها، وان كانت تالفة استرجع البدل إذا كان الفقير عالما بالحال، وإلا لم يجز الاسترجاع.
(1) وهو معنى أوسع مما يعبر به الفقهاء وهو (يملك) فقد يجد الشخص قوت سنته من دون تمليك كما لو كان مكفول المعيشة أو أن ما يحتاجه متيسّر له متى شاء.