زكاة الغلات
المبحث الثالث : زكاة الغلات
وقد قلنا في بداية المقصد الثاني أنها تجب في كل ما يكال أو يوزن من الحبوب خلافا للمشهور الذي خصّ الوجوب بالحنطة والشعير والتمر والزبيب.
(مسالة 1654) : يشترط في وجوب الزكاة فيها - مضافا إلى الشروط العامة المتقدمة - أمران:
الأول: بلوغ النصاب، وهو بالأوزان المتعارفة اليوم ثمانمائة وسبعة وأربعين كيلوا تقريباً، أما وزنه بالمقادير القديمة فقد ذكرنا تفصيلها في كتابنا (فقه الخلاف/ الجزء الثاني).
الثاني : الملك في وقت تعلق الوجوب، سواء أكان بالزراعة أم بشراء الزرع قبل أوان تعلق الوجوب أم بالإرث كذلك أم بغيرها من أسباب الملك .
(مسألة 1655) : المشهور أن وقت تعلق الزكاة عند اشتداد الحب في الحنطة والشعير، وعند الاحمرار والاصفرار في ثمر النخيل، وعند انعقاده حِصرما في ثمر الكرم، لكن الظاهر أن وقته إذا صدق أنه حنطة أو شعير أو تمر أو عنب.
(مسالة 1656) : المشهور أن المدار في قدر النصاب من الغلات اليابس منها مطلقاً، فلو كان الرطب منها بقدر النصاب لكن ينقص عنه بعد الجفاف لم تجب الزكاة، لكن الظاهر هو التفصيل، فالمدار في قدر النصاب هو الرطب, عند انتهاء القطف والتصفية, في الأجناس الثلاثة التمر والحنطة والشعير. فلو كان عندئذ نصاباً. ونقص مع الجفاف بقي وجوب الزكاة. وهذا بخلاف العنب، فانه لا يجب دفع الزكاة في العنب, بل في الزبيب وهو العنب الجاف, ويمكن حسابه على انه جاف ولو خرصاً أو تقديراً.
(مسالة 1657) : لا يجوز للمالك تأخير إخراج الزكاة بعد وقت وجوب الإخراج حين تصفية الحنطة والشعير واجتذاذ التمر واقتطاف الزبيب، فإذا أخر الإخراج بغير عذر وعامدا وملتفتا ضمن مع وجود المستحق، ويجوز للساعي من قبل الحاكم الشرعي أن يطالب المالك بالزكاة من حين التعلق، فإذا طلب ذلك منه وجب على المالك القبول والقيام بإفراز حصة الزكاة وتعيينها وتسليمها إلى الساعي أو إلى الفقراء، كما يجوز للمالك أن يقوم بذلك بنفسه بعد تعلق الوجوب من دون الطلب من قبل الحاكم الشرعي، إذ لا يجب عليه أن يتحفظ على الزكاة إلى وقت التصفية بل له تسليمها إلى الحاكم الشرعي أو إلى الفقراء، وليس للحاكم الشرعي أو الفقراء الامتناع عن القبول.
(مسالة 1658) : لا تتكرر الزكاة في الغلات بتكرر السنين، فإذا أعطى زكاة الحنطة ثم بقيت العين عنده سنين متعددة لم يجب فيها شيء، وهكذا غير الحنطة من الغلات الزكوية.
(مسالة 1659) : يجب على المالك في زكاة الغلات الأربع العُشر إذا سقت الزروع والأشجار والنخيل بالماء الجاري كالعيون والأنهار التي لا يتوقف سقيها بها على مؤنة زائدة، مثل سحب الماء بالآلات كالمكائن ونحوها أو بماء المطر النازل من السماء أو الماء الناضب في الأرض بامتصاص عروقها منه كما في بعض الأراضي والبلدان، ونصف العشر إذا سقيت بالمكائن والدوالي أو غيرهما من الوسائل والعلاجات الحديثة.
وببيان آخر: أن السقي لا يخلو إما أن يكون طبيعيا أو يكون بالآلات كالمكائن ونحوها، فعلى الأول لا فرق بين أن يكون السقي بالأمطار النازلة من السماء أو بالمياه النضبة في الأرض أو بالعيون والأنهار، ولا فرق في العيون بين أن تكون عامرة طبيعية أو عامرة بشرية، وأما إذا كان السقي بكلا الطريقين بنحو الاشتراك، فتكون الزكاة النصف، والنصف بمعنى: أن زكاة نصف الحاصل نصف العُشر وزكاة نصفه الآخر العشر، والضابط في الاشتراك هو: أنه لا يمكن الاستغناء عن أحدهما بالآخر في الوصول إلى النتيجة وهي الحاصل وإن كان السقي بأحدهما أكثر من الآخر كما أو كيفا.
(مسألة 1660) : المدار في التفصيل المتقدم على الثمر لا على الشجر. فإذا كان الشجر حين غرسه يسقى بالدلاء، ولكنه عند أول ثمره يسقى سيحاً, وجب فيه العشر. ولو كان بالعكس، وجب فيه نصف العشر.
(مسألة 1661) : الأمطار المعتادة في السنة لا تخرج ما يسقى بالدوالي عن حكمه، إلا إذا كثرت بحيث يستغنى عن الدوالي, فيجب حينئذ العشر. أو كانت بحيث توجب صدق الاشتراك في السقي فيجب التوزيع بالنسبة.
(مسألة 1662) : المهم في طريقة سقي الغلات, هو دفع الأجور وعدمه. سواء اتحد شكل السقي ام اختلف, ما دام متحداً في إحدى الصفتين. فلو كان سقيه بدون أجور, ولكنه تارة على المطر, وأخرى على السيح, وثالثة على المياه الباطنية، وجب دفع العشر ولو كان سقيه بأجور لكنها تارة في حفر ساقية, وأخرى في حفر بئر, وثالثة في أجور ناعورة أو مضخة ماء, ورابعة لنقل الماء إلى المزرعة عن طريق السيارات أو الحيوانات، وجب نصف العشر.
(مسألة 1663) : إذا أخرج شخص الماء بالدوالي عبثا أو لغرض, فسقى به آخر زرعه, فالظاهر وجوب العشر إن بقي الماء بعد إخراجه, من المباحات العامة ووصل الى الزرع بنفسه بدون تعمل, وإلا وجب نصف العشر. وكذا إذا أخرجه هو عبثا أو لغرض آخر، ثم بدا له فسقى به زرعه. وأما إذا أخرجه لزرع, فبدا له فيه وسقى به زرعا آخر أو زاد الماء به غيره، فالظاهر وجوب نصف العشر.
(مسألة 1664) : أن ما يأخذه السلطان على ثلاثة أنواع:
1- ما يأخذه بعنوان المقاسمة، وهي الحصة من نفس الزرع .
2- ما يأخذه بعنوان الخراج والضريبة.
3- ما يأخذه بعنوان الزكاة.
أما الأول: فلا يجب إخراج زكاته، ويعتبر حصول النصاب بعد دفعه، فلو كان نصاباً ولكنه أصبح أقل بعد دفع هذه الحصة، لم تجب الزكاة فيه.
وأما الثاني: فلا يكون مستثنى منه فحاله حال سائر المؤن.
وأما الثالث: فهو يحسب من الزكاة شريطة توفر أمرين فيه:
أحدهما: أن يكون ذلك قهرا وجبرا.
وثانيهما: أن يكون من قبل ولاة الأمر، فإذا توفر الأمران أجزء ذلك عن الزكاة.
(مسألة 1665) : المشهور بين الفقهاء استثناء المؤن التي يحتاج إليها الزرع في بلوغه إلى حد الثمر والإنتاج من النصاب، وإخراج الزكاة من الباقي كأجرة الفلاح والحارث والساقي والعوامل التي يستأجرها للزرع وأجرة الأرض ونحو ذلك مما يحتاج إليه الزرع أو الثمر، ومنها ما يأخذه السلطان من النقد المضروب على الزرع المسمى بالخراج، والاحوط الاقتصار على المؤن التي تكون على نحو النسبة في الحاصل والحصة منه كما يقتضيه عقد المزارعة والمساقاة من أجل احتساب النصاب لأنهم شركاء مع المالك فيحتسب حصته الخالصة، دون ما اذاكانت هذه المؤن على نحو أموال أو أعيان يدفعها المالك من غير الحاصل نعم تستثنى هذه عند أخراج الزكاة فلا تجب الا على الصافي ما يجنيه بعد استثناء كل المؤن.
وهذا كله في المؤن التي تصرف قبل تعلق الزكاة، أما المؤن التي تصرف على الزرع أو الثمر بعد تعلق الزكاة به فبإمكان المالك احتسابها على الزكاة وعدم تحملها، على أساس أن له الحق في تسليمها إلى أهلها كالفقراء أو الحاكم الشرعي، إذ لا يجب عليه الحفاظ عليها إلى زمان التصفية في الغلات والاجتذاذ في الثمر والاقتطاف في الزبيب، وعليه فيجوز له احتساب المؤونة اللاحقة على الزكاة بالنسبة مع الإذن من الحاكم الشرعي وإلا فليس له ذلك.
(مسألة 1666) : إذا كانت النخيل أو الأشجار في أماكن متباعدة، وتفاوتت في إدراك الأثمار زمانا وكانت الأثمار جميعا لعام واحد، وجب ضم بعضها مع بعضها الآخر، فإذا بلغ المجموع حد النصاب وجب إخراج الزكاة منه، فإن المعيار إنما هو ببلوغ ثمرة سنة واحدة هي سنة النصاب، سواء كانت في زمن واحد أم كانت في أزمنة متعددة، مادام يصدق عليها أنها ثمرة في عام واحد وبلغت النصاب كاملا. وكذلك الحكم في الزروع المتباعدة فيلحظ النصاب في المجموع وان كان زمان الإدراك فيها متفاوتا بعد كون الجميع ثمرة عام واحد، فإذا بلغ المجموع النصاب وجبت الزكاة وإن لم يبلغه كل واحد منها، وأما إذا كان نخل يثمر في العام مرتين ففي الضم فيه إشكال وإن كان الضم أحوط وجوبا، بل هو الأقرب.
(مسألة 1667) : يجوز دفع القيمة عن الزكاة من النقدين وما بحكمهما من الأثمان كالأوراق النقدية.
(مسألة 1668) : إذا مات المالك بعد تعلق الوجوب وجب على الوارث إخراج الزكاة، أما لو مات قبله وانتقل إلى الوارث، فإن بلغ نصيب كل واحد النصاب وجبت على كل واحد منهم زكاة نصيبه، وإن بلغ نصيب بعضهم دون نصيب الآخر وجبت على من بلغ نصيبه دون الآخر، وإن لم يبلغ نصيب أي واحد منهم النصاب لم تجب على أي واحد منهم، وكذا الحكم فيما إذا كان الانتقال بغير الإرث كالشراء أو الهبة.
(مسألة 1669) : إذا ملك النبات الزكوي بإرث أو هبة، وجبت الحصة، باعتبار السقي الذي فعله المالك السابق. فان كان بأجور دفع المالك الثاني نصف العشر، وان كان بدونها دفع العشر.
(مسألة 1670) : إذا اختلفت أنواع الغلة الواحدة كأنواع التمر، بأن كان بعضها جيداً وبعضها الآخر أجود والثالث رديء والرابع أردأ جاز دفع الأجود عن الجيد والرديء عن الأردأ، وإلا فالأظهر أن يخرج زكاة كل نوع من نفس ذلك النوع، على أساس أن تعلق الزكاة بالغلات الأربع يكون بنفس العين على نحو الإشاعة. ولا يجوز دفع الرديء عن الجيد.
(مسألة 1671) : لا يضم بعض النبات الزكوي الى بعض, وإنما يعتبر النصاب في كل منها مستقلا. فلو كان التمر والعنب معا نصابا, أو الحنطة والشعير, لم تجب الزكاة في أي منها.
(مسألة 1672) : المدار هو صدق العنوان عرفا, وهي التسميات الأربعة: التمر والزبيب والحنطة والشعير. وهذا له عدة نتائج:
اولاً : ما قلناه من عدم وجوب الزكاة قبل صدقها على النبات حال تكونه.
ثانياً : عدم وجوب الزكاة على ما يشك في إلحاقه بذلك من النبات.
ثالثاً : عدم وجوب الزكاة على ما خالط هذه النباتات من الأدغال, وان كانت مشابهة لها, كالدنان والسلت والعلس.
رابعاً : وجوب الزكاة على الأنواع المختلفة من أي قسم، فيضم أقسام الحنطة الى بعضها البعض، وتعتبر نصابا واحدا، وكذا النباتات الثلاثة الأخرى.
خامساً : انه لا فرق في وجوب الزكاة في عمر الثمرة أو الغلة، ما دام العنوان صادقا. فمثلا تجب في ثمرة النخل سواء كانت بسرا (خلالاً) أم منصّفاً أم رطباً أم جافاً أم مكبوساً أم غيره. وإذا لم يدفع في حال وجب عليه الدفع في الحال الأخرى. وكذا الحال في الحنطة والشعير. ويستثنى من ذلك ثمرة الكرم, فان العنوان المأخوذ في وجوب الزكاة هو الزبيب لا العنب كما سبق.
(مسألة 1673) : الأقوى أن الزكاة في الغلات الأربع متعلقة بالعين على وجه الإشاعة، وفي الغنم والنقدين متعلقة بالعين على وجه الكلي في المعين، وفي الإبل والبقر متعلقة بالعين على نحو الشركة في المالية المتمثلة في مال خاص في كل مرتبة من مراتب نصابهما، وتظهر الثمرة بين هذه الوجوه، فعلى الأول لا يجوز تصرف المالك في النصاب قبل أن يخرج زكاته، وعلى الثاني والثالث يجوز للمالك أن يتصرف فيه مادام يبقى منه مقدار الزكاة عينا، كما في القسم الثاني، ومالا كما في القسم الثالث. نعم، لا يجوز له التصرف في تمام النصاب، فإذا باعه لم يصح البيع في حصة الزكاة إلا أن يدفعها البائع بإذن من الحاكم الشرعي في القسم الثاني، على أساس أن إجزاء غير الزكاة عوضا عن الزكاة يتوقف على الإذن. نعم، في القسم الثالث يصح بلا حاجة إلى الإذن باعتبار أن الزكاة متمثلة في مال خاص كشاة وشاتين مثلا، فإذا دفع المالك الشاة فقد دفع عين الزكاة لا عوضها أو يدفعها المشتري من نفس النصاب في القسم الثاني أو مع الإذن إذا كان من غيره فيصح أيضا، ويرجع بها على البائع وإن أجاز الحاكم البيع قبل دفع البائع أو المشتري صح البيع، وكان الثمن زكاة فيرجع الحاكم به على المشتري إن لم يدفعه إلى البائع، وإلا فله الرجوع على أيهما شاء.
(مسألة 1674) : لا يجوز التأخير في دفع الزكاة من دون عذر، فإن أخره لطلب المستحق فتلف المال قبل الوصول إليه لم يضمن، وإن أخره مع العلم بوجود المستحق ضمن.
(مسألة 1675) : لا حجية في عزل المالك للحصة الزكوية، بل يبقى حكم النصاب وحكمها واحداً, ما لم يقبضها المستحق. نعم، لا يبعد أن يكون العزل في طريق الدفع حجة, فيشمله حكم المعزول من عدم الضمان مع التلف بدون تأخير ولا تفريط , سواء كان المال المعزول من العين أم من مال آخر، وجد المستحق أم لم يوجد، تأخر الدفع أم تنجز. والمهم أن يكون العزل في طريق الدفع عرفاً. ولو اقتضى الحال التأخير الزائد لغير ضرورة أو حرج, كشهر أو شهرين, لم يجز إلا بإذن الحاكم الشرعي.
(مسألة 1676) : نماء الزكاة تابع لها في المصرف، قل أو كثر, ولا يجوز للمالك إبدالها بعد العزل، إلا بإذن الحاكم الشرعي.
(مسألة 1677) : إذا باع الزرع أو الثمر، وشك في أن البيع كان بعد تعلق الزكاة حتى تكون عليه، أو قبله حتى تكون على المشتري، لم يجب عليه شيء، حتى إذا علم زمان التعلق وشك في زمان البيع.
وإن كان الشاك هو المشتري، فإن علم أداء البائع للزكاة على تقدير كون البيع بعد التعلق، لم يجب عليه إخراجها، وإلا وجب عليه إخراجها، لعلمه إجمالا إما ببطلان البيع بالنسبة إلى مقدار الزكاة إذا كان تعلقها في ملك البائع، أو بوجوب إخراجها عليه إذا كان تعلقها في ملكه، فبالنتيجة هو يعلم تفصيلا أن تصرفه في مقدار الزكاة محرم. وإذا دفع المشتري الزكاة فليس له أن يرجع إلى البائع ويطالب عوضها عنه لعدم العلم بضمانه لها، ولا فرق في ذلك بين أن يكون زمان كل من الشراء والتعلق مجهولا أو زمان الشراء معلوما وزمان التعلق مجهولا أو بالعكس.
(مسألة 1678) : يجوز للحاكم الشرعي أو وكيله خرص ثمر النخل والكرم على المالك، شريطة أن تكون فيه مصلحة للفقراء، وإلا فلا مقتضى له، وأما عملية الخرص من قبل المالك فهي منوطة بقبول الحاكم الشرعي أو وكيله، وهو مرتبط بما إذا كانت في تلك العملية مصلحة للفقراء، وإلا فهو لا يخلو عن إشكال بل منع، وفائدته جواز الاعتماد عليه، بلا حاجة إلى الكيل والوزن.
(مسألة 1679) : أن وقت إخراج الزكاة يبدأ من حين تعلقها بالمال، لا أنه متأخر عنه، غاية الأمر يجوز للمالك التأخر إلى وقت التصفية والاجتذاذ.
(مسألة 1680) : أن الزكاة في الغلات الأربع بما أنها جزء مشاع لنفس النصاب في الخارج، فلا يجوز إعطاؤها من مال آخر غير النقدين وإن كان من جنسها، كإعطاء زكاة الحنطة من حنطة أخرى من نوعها.