مقدمة كتاب الزكاة

| |عدد القراءات : 574
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

مقدمة:

الزكاة: أحد الأركان التي بني عليها الإسلام، ووجوبها من ضروريات الدين، ومنكر وجوبها كافر لأنه يعني تكذيب الرسالة.

ومنشأ اللفظ أحد معنيين:

الأول: الطهارة والتطهير، قال تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا) (الشمس:9)، أي طهّرها وهذّبها من الرذائل الخلقية والانسياق وراء الأهواء والشهوات في إشارة إلى النفس. وقال تعالى (مَا زَكَى مِنكُم) (النور:21) أي ما طهر، وقال تعالى (وَمَا عَلَيْكَ أَلاّ يَزَّكَّى) (عبس: 7) أي يتطهر من الشرك.

الثاني: النمو والبركة.

وانطباق المعنيين على الزكاة واضح قال تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلواتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(التوبة103)، وقال تعالى (ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ)( البقرة:232)، لأنها كما دلت الآيات والروايات تنمي المال وتخلف على صاحبها وتوجب البركة فيه، قال تعالى (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)(سبأ:39) وقال تعالى (مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)(البقرة:261).

وأما التطهير بها، فلأن إخراج الزكاة يكبح في النفس الطمع وحب المال ويحررّها من أسر الشهوات ويزرع فيها حب الخير ومساعدة الآخرين، ومواساة المحرومين والفقراء، والمساهمة في إنشاء مشاريع الخير ورعاية المصالح العامة، وغيرها من وجوه البر والإحسان. ولان إخراج الحقوق الشرعية من المال يجعل الباقي حلالا طيّبا طاهراً لصاحبه .

فما أعظمها من آثار مباركة تلك التي يمّن الله تبارك وتعالى بها على عباده بهذا التشريع العظيم، وهو المتفضّل المنّان حين رزقهم  ما ينفقون وأبقى لهم أكثر مما يحتاجون وهداهم إلى ما يصلحهم، وجزاهم على استجابتهم، فالحمد لله أولاً وآخراً.

والزكاة بهذا المعنى الواسع لا تختص بالمال، وإنما تتحقق هذه الآثار في كل المجالات، فزكاة العلم إنفاقه وبذله لمستحقيه من الطلبة والمتعلمين، وزكاة البدن تعرضه للصعوبات والإزعاجات ولو كانت يسيرة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يَوْماً لأصْحَابِهِ: (مَلْعُونٌ كُلُّ مَالٍ لا يُزَكَّى مَلْعُونٌ كُلُّ جَسَدٍ لا يُزَكَّى وَلَوْ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ يَوْماً مَرَّةً فَقِيلَ يَا رَسُولَ الله أَمَّا زَكَاةُ الْمَالِ فَقَدْ عَرَفْنَاهَا فَمَا زَكَاةُ الأجْسَادِ فَقَالَ لَهُمْ أَنْ تُصَابَ بآفَةٍ قَالَ فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْهُ فَلَمَّا رَآهُمْ قَدْ تَغَيَّرَتْ أَلْوَانُهُمْ قَالَ لَهُمْ أَتَدْرُونَ مَا عَنَيْتُ بِقَوْلِي قَالُوا لا يَا رَسُولَ الله قَالَ بَلَى الرَّجُلُ يُخْدَشُ الْخَدْشَةَ وَيُنْكَبُ النَّكْبَةَ وَيَعْثُرُ الْعَثْرَةَ وَيُمْرَضُ الْمَرْضَةَ وَيُشَاكُ الشَّوْكَةَ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا حَتَّى ذَكَرَ فِي حَدِيثِهِ اخْتِلاجَ الْعَيْنِ)([1]).

وما هدف الشرائع السماوية إلا تطهير الإنسان وتزكيته وتحريره من أسر الشهوات وأغلال  العقائد الفاسدة وتوحيد العبادة لله الواحد الأحد وتخليصه من طاعة ما سوى الله تبارك وتعالى.

ومما يشير إلى عظمة الزكاة قرنها مع الصلاة عمود الدين في الآيات المباركة.

ووردت أحاديث كثيرة في تشديد العقوبة على مانعها، ففي صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر الباقر(عليه السلام) أنه قال: (ما من عبد منع من زكاة  ماله شيئاً إلا جعل الله ذلك يوم القيامة ثعباناً من نار مطوّقاً في عنقه ينهش من لحمه حتى إذا يفرغ من الحساب، وهو قول الله عز وجل (سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) يعني ما بخلوا به من الزكاة)([2])، وقد ذكرنا غيرها في مقدمة كتاب الخمس وشرحنا الآثار الاقتصادية والاجتماعية والمعنوية للإنفاق، وقرّبنا أن الزكاة في الآيات الشريفة تشمل كل الإنفاق الواجب المعيّن شرعاً فتشمل الخمس وغيره. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

 



(1) أصول الكافي المجلد 2 باب شدة ابتلاء المؤمن.

(2) وسائل الشيعة، كتاب الزكاة،ابواب ما تجب فيه الزكاة، باب 3ح3.