أحكام الأرباح
فروع في أحكام الأرباح
(مسألة 1551) : إذا عمر بستاناً وغرس فيه نخلاً وشجراً ليس للتجارة بنفس البستان وإنما للاتجار بثمره لم يجب إخراج خمسه، إذا صرف عليه مالاً لم يتعلق به الخمس مما تقدم، أو مالاً قد أخرج خمسه كأرباح السنة السابقة، أو أدّى ثمنه عن ذمته من مالٍ فيه الخمس ـ كأرباح السنة السابقة ولم يخرج خمسه، كأن اشترى ما غرسه فيه في الذمة ووفى ثمنه مما يجب فيه الخمس، نعم يجب عليه حينئذ إخراج خمس المال نفسه، وأما إذا صرف عليه من ربح السنة قبل تمام السنة ـ وجب إخراج خمس نفس ما غرسه وأحدثه بعد استثناء مؤونة السنة، وعلى أي تقدير يجب الخمس في نمائه المنفصل، أو ما بحكمه من الثمر، والسعف، والأغصان اليابسة المعدة للقطع، بل في نمائه المتصل أيضاً إذا عد مصداقاً لزيادة المال على ما عرفت، وكذا يجب تخميس الشجر الذي يغرسه جديداً في السنة الثانية، وإن كان أصله من الشجر المخمس ثمنه مثل: (التال) الذي ينبت فيقلعه ويغرسه، وكذا إذا نبت جديداً لا بفعله، كالفسيل وغيره، إذا كان له مالية، وبالجملة كل ما يحدث جديداً من الأموال التي تدخل في ملكه يجب إخراج خمسه في آخر سنته، بعد استثناء مؤونة سنته، ولايجب الخمس في ارتفاع قيمة البستان في هذه الصورة، نعم إذا باعه بأكثر مما صرفه عليه من ثمن الفسيل، وأجرة الفلاح وغير ذلك وجب الخمس في الزائد، ويكون الزائد من أرباح سنة البيع، وأما إذا كان تعميره بقصد التجارة بنفس البستان وجب الخمس في ارتفاع القيمة الحاصل في آخر السنة وإن لم يبعه كما عرفت .
(مسألة 1552) : إذا اشترى عينا بقصد تجاري، فزادت قيمتها في أثناء السنة، ولكنه لم يبعها غفلة أو طلبا للزيادة أو لغرض آخر، ثم رجعت قيمتها في رأس السنة إلى رأس مالها الأول، فليس عليه خمس تلك الزيادة. نعم، إذا بقيت الزيادة إلى آخر السنة وجب الخمس، وان لم يبعها، بل وان صادف نزول قيمتها بعد ذلك.
(مسألة 1553) : إذا حصل لديه أرباح تدريجية فاشترى في السنة الأولى عرصة لبناء دار، وفي الثانية خشباً وحديداً، وفي الثالثة آجراً مثلاً، وهكذا لا يكون ما اشتراه من المؤن المستثناة لتلك السنة، لأنه مؤونة للسنين الآتية التي يحصل فيها السكنى، فعليه خمس تلك الأعيان، نعم إذا كان المتعارف لمثله تحصيل الدار تدريجاً على النحو المتقدم بحيث يعد تحصيل ما اشتراه في كل سنة من مؤنته فيها لكون تركه منافياً لما يقتضيه شأنه فيها لعدم مناسبة السكن الذي هو فيه الآن مثلاً ولان وضعه الاقتصادي لا يسمح بغير ذلك ونحوه فالظاهر عدم ثبوت الخمس .
(مسألة 1554) : إذا أجر نفسه سنين، كانت الأجرة الواقعة بإزاء عمله في سنة الإجارة من أرباحها، وأما ما يقع بإزاء العمل في السنين الآتية، فان قبضه في هذه السنة كان من أرباحها خاصة فيجب الخمس في الفاضل منها. وان قبض أجرة كل سنة فيها، كانت من أرباح تلك السنين.
(مسألة 1555) : إذا باع ثمرة بستان سنين، وقبض الثمن معجلا، كان الثمن بتمامه من أرباح سنة البيع، ووجب فيه الخمس بعد المؤونة، وبعد استثناء ما يجبر به النقص الوارد على البستان، من جهة كونه مسلوب المنفعة في المدة الباقية خلال هذه السنة وما بعدها، مثلاً إذا كانت له دار بخمسين وأجرها بعشرين لمدة أربع سنوات دفعت له مباشرة وأصبحت قيمة الدار حال كونها مستأجرة مدفوعة الإيجار لمدة أربع سنوات أربعين خُصِم النقص في سعرها وهو عشرة من الأجرة وهي عشرون، وان كان الأحوط وجوبا عدم استثناء خسارات السنين الآتية من أرباح هذه السنة. ومنه يظهر الحال فيما لو أجر داراً أو فندقا لسنين عديدة.
(مسألة 1556) : إذا دفع من السهمين أو احدهما، ثم بعد تمام الحول حسب موجوداته ليخرج خمسها، فان كان ما دفعه من أرباح هذه السنة عدّه منها وحسب خمس الجميع ثم استثنى المدفوع ودفع الباقي.
(مسألة 1557) : أداء الدين من المؤونة، إذا كان مصروفا في المؤونة، سواء أخذه بهذا القصد أم بقصد آخر، وسواء كانت الاستدانة في سنة الربح أم فيما قبلها، تمكن من الأداء قبل ذلك أم لا. نعم، إذا لم يؤد دينه إلى أن انقضت السنة وجب الخمس، من دون استثناء مقدار وفاء الدين، سواء كان معذوراً في التأجيل أو عاصيا، ويلحق بذلك الدين الشرعي كالخمس والزكاة والنذر والكفارات، وكذا مثل اروش الجنايات وقيم الملتقطات والمتلفات، فإنه إن أداها من الربح لم يجب عليه الخمس فيه، وان كان حدوثه في السنة السابقة، وان لم يدفعها وجب الخمس سواء كان معذوراً في التأجيل أم عاصيا.
(مسألة 1558) : ليس من الديون المعدود أداؤها من المؤونة الدين الذي صرف في محرم كالخمر أو لحم الخنزير.
(مسألة 1559) : الديون التجارية، ومنها ما تعارف عليه التجار اليوم من أخذ البضاعة على التصريف، أو دفع بعض ثمنها لتاجر الجملة وإبقاء البعض الآخر إلى حين تسوّقه الآتي تخصم من الأرباح ويجب الخمس في الصافي منها.
(مسألة 1560) : إذا اشترى ما ليس من المؤونة بالذمة، أو استدان شيئاً لإضافته إلى رأس ماله ونحو ذلك، مما يكون بدل دينه موجوداً ولم يكن من المؤونة، جاز له أداء دينه من أرباح السنة اللاحقة، نعم يعد البدل حينئذ من أرباح هذه السنة فيجب تخميسه بعد انقضائها إذا كان زائداً على مؤونتها، ولو فرض إعداده للتجارة في السنة السابقة وارتفاع قيمته فيها بحيث زادت على قيمة الدين كان الزائد من أرباح تلك السنة لا هذه.
(مسألة 1561) : إذا أتجر برأس ماله المخمس مراراً متعددة في السنة، فخسر في بعض المعاملات وربح في البعض الآخر، فان كان الخسران بعد الربح أو مقارنا له، فانه يجبر الخسران بالربح، فان تساوى الخسران والربح فلا خمس، وان زاد الربح وجب الخمس في الزيادة، وان زاد الخسران على الربح فلا خمس عليه، وصار رأس ماله في السنة اللاحقة اقل مما كان عليه في السنة السابقة. وكذا يجبر الربح للخسران حتى ما إذا كان بعده بزمان معتد به، بل حتى إذا وزع رأس ماله على تجارات متعددة عرفا، بل الظاهر الجبران مع اختلاف نوع الكسب، كما إذا اتجر ببعض رأس المال وزرع بالبعض الآخر، فخسر في التجارة وربح في الزراعة إذا لم تكن هذه الأنواع متمايزة في مصاريفها ومدخولاتها ورؤوس أموالها وتفاصيل عملها، وكذا الحكم فيما إذا تلف بعض رأس ماله أو صرفه في نفقاته، بل إذا انفق من مال غير مال التجارة قبل حصول الربح، جاز له أن يجبر تلك من ربحه وليس عليه خمس ما يساوي المؤن التي صرفها، وإنما عليه صرف خمس الزائد لا غير.
(مسألة 1562) : ما قلناه في المسألة السابقة ينطبق على أهل المواشي، فانه إذا باع بعضها لمؤونته أو مات بعضها أو سرق، فانه يجبر جميع ذلك بالنتاج الحاصل له قبل ذلك، فضلا عن الحاصل بعده، ففي آخر السنة يضم السخال إلى أرباحه في تلك السنة من الصوف والسمن واللبن وغير ذلك، فيجبر النقص ويخمس ما زاد عن الجبر، فإذا لم يحصل الجبر إلا بقيمة جميع السخال مع أرباحه الأخرى، لم يكن عليه خمس في تلك السنة.
(مسألة 1563) : في فرض المسألتين السابقتين، إذا تلف بعض أمواله مما ليس من مال التكسب، كما إذا انهدمت دار غلته، ففي الجبر إشكال، وكذا إذا انهدمت دار سكناه إلا أن يعمرها، فيكون تعميرها من المؤن المستثناة، وكما لو تلفت بعض أمواله الأخرى مثل ألبسته أو سيارته.
(مسألة 1564) : الخمس بجميع أقسامه متعلق بالعين بنحو الكلي في المعين، ويتخير المالك بين دفع العين ودفع القيمة، ولا يجوز له التصرف بعد انتهاء السنة قبل أدائه، وإذا ضمنه في ذمته بإذن الحاكم الشرعي أو عزله بإذنه أيضا صح، ويسقط الحق عندئذ من العين فيجوز التصرف فيها.
(مسألة 1565) : إذا أخر دفع الخمس مع وجوبه ترتبت على ذلك آثار باطلة عديدة، منها : حرمة تصرفه في العين أكلا أو لبساً أو سكنى أو غير ذلك. ومنها: انه تشتغل ذمته باجرة المثل لهذا التصرف، فيما يقابل الخمس المستحق لذويه. ومنها: أن المعاملات الجارية على الأعيان أو الأثمان المستحقة تكون نافذة في الأربع أخماس، وباطلة في مقدار الخمس، وليس له أن يأخذ الثمن بإزائها كاملة، كما انه ليس له أن يدفع العين إلى مشتريها قبل التخميس، ما لم يخبره بذلك ويثق بأنه سوف يقوم بهذه الوظيفة الشرعية. ومنها: أن إنتاج الخمس وأرباحه لذوي الخمس وليس للمالك. ومنها : انه اذا مات قبل دفع الخمس وجب على ورثته دفع خمس التركة مع الديون، قبل تقسيمها بينهم.
(مسألة 1566) : تفريعاً على ما قلناه من عدم جواز التصرف في العين بعد انتهاء السنة قبل دفع الخمس، فلو تصرف فيها بالاتجار فإن كان الاتجار بما في الذمة وكان الوفاء بالعين غير المخمسة صحت المعاملة ولكن يلزمه دفع خمس تلك العين ولو من مال آخر، وإن كان الاتجار بعين ما فيه الخمس، فالظاهر صحة المعاملة أيضاً إذا كان طرفها مؤمناً من غير حاجة إلى إجازة الحاكم الشرعي ولكن ينتقل الخمس حينئذ إلى البدل، كما أنه إذا وهبها لمؤمن صحت الهبة، وينتقل الخمس إلى ذمة الواهب الا اذا تعلق الخمس بنفس العين بدوران الحول عليها، وعلى الجملة كل ما ينتقل إلى المؤمن ممن لا يخمس أمواله لأحد الوجوه المتقدمة بمعاملة أو مجاناً يملكه فيجوز له التصرف فيه، وقد أحل الأئمة (سلام الله عليهم ) ذلك لشيعتهم تفضلاً منهم عليهم، وكذلك يجوز التصرف للمؤمن في أموال هؤلاء، فيما إذا أباحوها لهم، من دون تمليك، ففي جميع ذلك يكون المهنأ للمؤمن والوزر على مانع الخمس، إذا كان مقصراً .
(مسألة 1567) : لو اشترى ما فيه ربح بنحو بيع الخيار، فصار البيع لازماً، فاستقاله البائع فأقاله، وكان ذلك بعد رأس السنة لم يسقط الخمس، أما إذا كانت الإقالة خلال السنة فلا خمس على الربح اذا كانت الإقالة لسبب مشروع كاستحباب إقالة المؤمن لا لسبب غير مشروع كالمداهنة.
(مسألة 1568) : إذا اتلف المالك أو غيره المال الذي تعلق به الخمس بتعد أو تفريط، ولو من اجل التسامح بالدفع زمنا معتداً به، ضمن المتلف الخمس ورجع عليه الحاكم. وكذا الحكم إذا دفعه المالك إلى غيره وفاء لدين أو هبة أو عوضاً عن معاملة، فانه ضامن للخمس، وجاز للحاكم الرجوع عليه ولا يجوز له الرجوع على من انتقل إليه المال إذا كان مؤمنا، وان رجع الحاكم على الأخير - في حال جوازه- رجع هو على المالك مع جهله بالحال عند قبضه العين.
(مسألة 1569) : إذا كان ربحه غير المخمس حباً فبذره فصار زرعا، أو إذا كان بيضا فصار دجاجا وجب الخمس في الناتج كله، وإذا كان ربحه أغصانا غرسها فصارت شجراً، وجب عليه خمس الشجر، أو كانت فسيلا فصارت نخلاً، وجب عليه خمس النخل لا خمس الأصل.
(مسألة 1570) : إذا حسب ربحه فدفع خمسه، ثم انكشف أن ما دفعه كان أكثر مما وجب عليه، جاز له استرداده أو بدله مع علم المستحق (الفقير أو الحاكم الشرعي) بالحال، ولم يجز له احتساب الزائد مما يجب عليه في السنة التالية. نعم، يجوز له التسبب إلى حفظ عينها لدى الفقير - في حال إذن الحاكم الشرعي بإعطائه مباشرة-، أو اعتبارها دينا عليه إلى السنة الآتية مع تصرف الفقير بها إذا كان عالماً بالحال، فان وجب عليه الخمس عندئذ وبقي الفقير على وجه الاستحقاق جاز احتسابه عندئذ.
(مسألة 1571) : إذا ربح خلال السنة، فدفع الخمس باعتقاد عدم حصول مؤونة زائدة، فتبين عدم كفاية الربح لتجدد مؤونة لم تكن محتسبة، لم يجز له الرجوع على المستحق مطلقاً لان الخمس يجب بمجرد ظهور الربح وان تأخيره سنة رخصة من الشارع.
(مسألة 1572) : في جواز تصرف المالك ببعض الربح بعد حلول رأس السنة الخمسية إشكال، إن كان مقدار الخمس باقيا، والأحوط عدم الجواز بدون إذن الحاكم.
(مسألة 1573) : إذا جاء رأس الحول، كان ناتج بعض الزرع حاصلا دون بعض، فما حصلت نتيجته يكون من ربح سنته، ويخمس بعد إخراج المؤن، وما لم تحصل نتيجته يكون من أرباح السنة اللاحقة. نعم، إذا كان له أصل موجود له قيمة اخرج خمسه في آخر السنة، ويكون الفرع من أرباح السنة اللاحقة إذا كان له قيمة عرفية معتد بها. فمثلا : في رأس السنة كان بعض الزرع له سنبل وبعضه قصيل لا سنبل له، وجب إخراج خمس الجميع، وإذا ظهر السنبل في السنة الثانية كان من أرباحها لا من أرباح السنة السابقة.
(مسألة 1574) : إذا كان الغوص أو إخراج المعدن مكسبا كفاه إخراج خمسها، ولا يجب عليه إخراج خمس آخر من باب أرباح المكاسب، إلا إذا تجدد له نماء تجاري زائد على ذلك.
(مسألة 1575) : المرأة التي تكتسب يجب عليها الخمس، وان عال بها زوجها، ولا يستثنى من أرباحها ما يصرفه زوجها عليها، بل وكذا الحكم إذا لم تكسب، وكانت لها فوائد من زوجها أو غيره، فانه يجب عليها في آخر السنة إخراج خمسها. وبالجملة يجب على كل مكلف أن يلاحظ ما زاد عنده في آخر السنة من أرباح مكاسبه وغيرها، قليلا كان أو كثيراً ويخرج خمسه، كاسبا كان ام غير كاسب.
(مسألة 1576) : الظاهر عدم اشتراط البلوغ والعقل والحرية في ثبوت الخمس في كل أنواعه، كالكنز والغوص والمال الحلال المختلط بالحرام والأرض التي يشتريها الذمي من المسلم، كل ما في الأمر أن من كان ساقطا عنه التكليف كالطفل والمجنون، يجب على وليه دونه، هذا إن أريد التصرف بالمال في حدود ما تسمح به الولاية، أما إذا كان المال مدخراً فلا يجب إخراجه حتى يبلغ المالك التكليف فيتولى هو إخراج الخمس، لان تعلق الخمس بالأموال له حكمان، احدهما تكليفي وهو وجوب إخراجه والآخر وضعي وهو حرمة التصرف بالمال قبل إخراجه، والأول يسقط عن غير المكلفين دون الثاني.
(مسألة 1577) : إذا اشترى من أرباح سنته ما لم يكن من المؤونة، فارتفعت قيمته كان اللازم إخراج خمسه عيناً أو قيمة فإن المال حينئذ بنفسه من الأرباح، وأما إذا اشترى شيئاً بعد انتهاء سنته ووجوب الخمس في ثمنه، فإن كانت المعاملة شخصية وجب تخميس ذلك المال أيضاً عيناً أو قيمة بعد تصحيحها بإجازة الحاكم الشرعي إذا لم يكن المنتقل إليه مؤمناً، وأما إذا كان الشراء في الذمة، كما هو الغالب، وكان الوفاء به من الربح غير المخمس فلا يجب عليه إلا دفع خمس الثمن الذي اشتراه به، ولا يجب الخمس في ارتفاع قيمته إذا لم يكن معداً للتجارة ما لم يبعه، وإذا علم أنه أدّى الثمن من ربح لم يخمسه، ولكنه شك في أنه كان أثناء السنة ليجب خمس نفسه المرتفع قيمته على الفرض أو كان بعد انتهائها لئلا يجب الخمس إلا في مقدار الثمن الذي اشتراه به فقط، فالأحوط المصالحة مع الحاكم الشرعي.
(مسألة 1578) : إذا كان الشخص لا يخرج الخمس من ماله، وقد وهبه إلى شخص آخر لم يجب على الموهوب له تخميسه إذا كان للموهوب له سنة خمسية ودفعه الواهب من أرباح السنة، أما إذا كان قد تعلق الخمس بالهبة عند المالك لدوران الحول عليها فيجب على الموهوب له تخميسها فوراً إبراءاً لذمة الواهب، وإذا لم يكن للموهوب له سنة خمسية خمّسها مع سائر أمواله إذ يجب الخمس فيها جميعاً على تفصيل قد تقدّم.
(مسألة 1579) : إذا أحب من له رأس سنة أن يغير رأس سنته، فأما أن يريد تقديمها، وأما أن يريد تأخيرها. فان أراد تقديمها أمكنه محاسبة حاله المالي ودفع ما عليه من خمس في الموعد الذي يراه مناسباً، ويكون هو الموعد الجديد لرأس سنته، بدون حاجة إلى مراجعة الحاكم الشرعي. وأما إن أراد تأخيرها احتاج إلى مراجعة الحاكم في تأجيل الدفع إلى ذلك الموعد، فان اجّله ودفع ما في ذمته من خمس بحيث يشمل حتى مدة التأجيل كان الموعد الجديد هو رأس سنته.
(مسألة 1580) : يتعلق الخمس بالربح بمجرد حصوله، أما تأجيل دفع الخمس إلى سنة فهو حكم بالولاية، إرفاقا بحال المكلف، وإلا فيجوز أن يدفع خمس الأرباح فورا، يعني في كل يوم أو في كل أسبوع أو في كل شهر أو في كل ستة أشهر أو عشرة أشهر وهكذا، بعد استثناء مؤونة هذه المدة، وأما جعل الموعد أكثر من سنة، كخمسة عشر شهرا أو عشرون ونحوها، فيحتاج إلى أذن الحاكم الشرعي.
(مسألة 1581) : يجب على كل مكلف في آخر السنة أن يخرج خمس ما زاد من مؤونته، مما ادخره في بيته للمؤونة، من الأرز والدقيق والحنطة والشعير والسكر والشاي والنفط والحطب والفحم والسمن والحلوى، وغير ذلك من أمتعة البيت، مما اعد للمؤونة ولم يستعمل إلى رأس السنة، بما فيها الحلي والكتب الزائدة على حاله الاجتماعي، والثياب والفرش والأواني الزائدة عن حاجته.
(مسألة 1582) : إذا كان عليه دين استدانه لهذا الزائد من المؤونة المذكور في المسالة السابقة، وكان مساوياً له، لم يجب الخمس في الزائد. وكذا إذا كان أكثر، أما إذا كان الدين اقل اخرج خمس مقدار التفاوت لا غير. وإذا بقيت الأعيان المذكورة إلى السنة الآتية، فوفى الدين في أثنائها، لم يجب الخمس إلا على ما يزيد منها على مؤونة تلك السنة.
(مسألة 1583) : إذا اشترى خلال السنة أعيانا لغير المؤونة كبستان وكان عليه دين بازاء ما اشترى يساويها بحيث لا يعد عرفا انه قد ربح شيئاً، فلا يجب إخراج خمسها، فإذا وفى الدين في السنة الثانية، كانت معدودة من أرباحها، ووجب إخراج خمسها آخر السنة. وإذا اشترى بستانا مثلا، بثمن في الذمة مؤجلا، فجاء رأس السنة قبل اجل الدين أو بعده، لم يجب إخراج خمس البستان. فإذا وفى الثمن في السنة الثانية كانت البستان من أرباح السنة الثانية، ووجب إخراج خمسها، وإذا وفى نصف الثمن في السنة الثانية، كان نصف البستان من أرباح تلك السنة، ووجب إخراج خمس النصف، وإذا وفى ربع الثمن في السنة الثانية، كان ربعها من أرباح تلك السنة. وهكذا كلما وفى جزءاً من الثمن، كان ما يقابله من البستان من أرباح تلك السنة، بمعنى انه إذا انتهت هذه السنة الثانية، وجب عليه دفع خمس البستان نفسه، إن كان أعده للتجارة، وخمس الباقي من أرباحه إن كان أعده للمؤونة. هذا إذا بقيت البستان إلى رأس السنة الثانية، أما إذا تلفت قبل ذلك فلا خمس فيها. نعم، إذا بقي من أرباحها شيء وجب تخميسه.
(مسألة 1584) : إذا ربح في سنة مائة دينار مثلا، فلم يدفع منها عشرين ديناراً خمساً حتى جاءت السنة الثانية، فدفع عشرين ديناراً من أرباحها، وجب الخمس في العشرين ديناراً التي هي الخمس مع بقائها لا مع تلفها بدون تفريط، كما هو الغالب، بمعنى انه يعتبر المال المخمس في السنة الاولى ثمانين دينار لا مئة.
(مسألة 1585) : إذا فرض انه اشترى دارا للسكنى فسكنها، وبقيت قيمتها في ذمته، ثم وفى في السنة الثانية ثمنها من مال لا يجب فيه الخمس، لم يجب عليه خمس الدار. وكذا إذا وفى في السنة الثانية بعض أجزاء الثمن، لم يجب الخمس في الحصة من الدار. ويجري هذا الحكم في كل ما اشتراه من المؤن بالدين.
(مسألة 1586) : إذا نذر أن يصرف نصف أرباحه السنوية مثلا، في وجه من وجوه البر، وجب عليه الوفاء بنذره، فان صرف المال المنذور في الجهة المنذور لها قبل انتهاء السنة، لم يجب عليه تخميس ما صرفه، بل لا يجب عليه الخمس فيما صرفه في وجوه البر، وان لم يكن منذورا. وان لم يصرفه حتى انتهت السنة، وجب عليه إخراج خمسه، ضمن مجموع ما يجب عليه من الخمس بعد إخراج المؤن. نعم، لو كان المنذور عينا أو مقداراً موجودا من المال، لم يجب خمسه، ولكن لا يجوز صرفه في غير النذر.
(مسألة 1587) إذا كان رأس ماله ألف دينار مثلا، فاستأجر دكانا بمائة دينار واشترى آلات للدكان بمائة، وفى آخر السنة وجد ماله ألفا فقط، كان عليه خمس الآلات فقط على الأحوط . ولا يجب عليه إخراج خمس أجرة الدكان، لأنها من مؤونة التجارة، وكذا أجرة الحارس والحمال، والضرائب التي يدفعها إلى السلطان والسرقفلية، فان هذه المؤن مستثناة من الربح، مضافا إلى مؤن عياله، والخمس إنما يجب فيما زاد عنها، كما سبق. نعم، إذا كانت السرقفلية التي دفعها إلى المالك أو غيره أوجبت له حقا في أخذها من غيره، أو حق البقاء في المحل أمدا طويلا فان كان اتخاذه للمحل للاتجار فيه خمّس مبلغ السرقفلية فقط، وإن كان اتخاذه للاتجار به وجب تقويم ذلك الحق في آخر السنة وإخراج خمسه، فربما تزيد قيمته على مقدار ما دفعه من السرقفلية، وربما تنقص وربما تساوي فان زادت وجب الخمس.
(مسألة 1588) : إذا حل رأس الحول فلم يدفع خمس الربح، ثم دفعه تدريجياً من ربح السنة الثانية، والدفع التدريجي لا يجوز إلا بإذن الحاكم الشرعي، ولكنه إن دفعه كذلك بإذنه أو بدونه، لم يحتسب من المؤن على الأحوط، بل يجب فيه الخمس. وكذا لو صالحه الحاكم على مبلغ في الذمة، فان وفاءه من أرباح السنة الثانية لا يكون من المؤن، بل يجب فيه الخمس على الأحوط، إذا كان مال المصالحة عوضا عن خمس عين موجودة. وكذا إذا كانت تالفة في غير المؤونة. أما إذا كانت تالفة في المؤونة فوفاؤه يحسب من المؤن ولا خمس فيه.
(مسألة 1589) : إذا حل رأس السنة فوجد بعض أرباحه أو كلها ديناً في ذمم الناس، فان أمكن استيفاؤه بدون مشقة أو حرج بحيث كانت بحكم أمواله الموجودة تحت يده وجب دفع خمسه على الأحوط وان لم يستوف، وان لم يمكن استيفاؤه تخير بين أن ينتظر استيفاءه في السنة اللاحقة، فإذا استوفاه اخرج خمسه، وكان من أرباح السنة السابقة لا من أرباح سنة الاستيفاء، يعني يجب تخميس ما استوفاه فوراً لأنه من أرباح السنة السابقة، وبين أن يقدر مالية الديون فعلا، فيدفع خمسها، فإذا استوفاها في السنة الآتية كان الزائد على ما قدر من أرباح سنة الاستيفاء.
(مسألة 1590) : إذا أتلف ربح السنة خلالها بشكل غير عقلائي ضمن خمسه، وكذا إذا أهمل الحفاظ عليه فتلف. وكذا إذا أسرف في صرفه زائداً على حاله الاجتماعي، أو وهبه كذلك، وكذا إذا باع أو اشترى على نحو المحاباة، إذا كانت الهبة أو الشراء أو البيع غير لائقة بشأنه. وإذا علم أن الربح ليس من المؤونة إلى آخر السنة، يعني لا يحتمل صرفه فيها، فالأحوط استحباباً، أن يبادر إلى دفع الخمس ولا يؤخره إلى نهاية السنة.
(مسألة 1591) : إذا مات المكتسب خلال السنة بعد حصول الربح، فالمستثنى هو المؤونة إلى حين الموت لا إلى تمام السنة، كما أنه يجب المبادرة إلى دفع خمسه من قبل الولي أو الورثة، ولا يجوز تأجيله إلى رأس السنة، بمعنى أن هذا التأجيل يكون ساري المفعول مادام المالك حياً ولكنه يسقط عن المشروعية والاعتبار إذا مات.
(مسألة 1592) : إذا علم الوارث أن مورثه لم يؤد خمس ما تركه وجب عليه أداؤه عن ذمة الميّت، فإن كان الميراث غير محتسب وجب تخميس الباقي مرة أخرى فوراً على الأحوط لأنه من الغنيمة، وإن كان محتسباً عمل بمقتضى التردد الذي ذكرناه في الأمر السابع ص452.
(مسألة 1593) : إذا علم أن مورِّثه أتلف مالا له قد تعلق به الخمس، وجب إخراج خمسه من تركته كغيره من الديون.