ايقاظٌ وتذكيرٌ
ايقاظٌ وتذكيرٌ
قال الله تعالى: (قَدْ أفْلَحَ المُؤمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) وقال النبي والأئمَّة عليهم أفضل الصلاة والسلام كما ورد في أخبارٍ كثيرةٍ: أنـَّه لا يحسب للعبد من صلاته إلاَّ ما يُقبل عليه منها، وأنـَّه لا يقدمنَّ أحدكم على الصلاة متكاسلا، ولا ناعسا، ولا يفكرنَّ في نفسه، ويقبل بقلبه على ربه، ولا يشغله بأمر الدنيا، وأنَّ الصلاة وفادةٌ على الله تعالى، وأنَّ العبد قائمٌ فيها بين يدي الله تعالى، فينبغي أن يكون قائما مقام العبد الذليل، الراغب الراهب، الخائف الراجي المسكين المتضرع، وأن يصلي صلاة مودعٍ، يرى أن لا يعود إليها أبدا، وكان علي بن الحسين (عليه السلام) إذا قام في الصلاة كأنـَّه ساق شجرةٍ، لا يتحرَّك منه إلاَّ ما حرَّكت الريح منه، وكان أبو جعفر وأبو عبد الله (عليهما السلام) إذا قاما إلى الصلاة تغيَّرت ألوانهما مرَّة حمرة ومرَّة صفرة، وكأنـَّهما يناجيان شيئا يريانه، وينبغي أن يكون صادقا في قوله: (إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعِينُ) فلا يكون عابدا لهواه، ولا مستعينا بغير مولاه. وينبغي إذا أراد الصلاة أو غيرها من الطاعات أن يستغفر الله تعالى، ويندم على ما فرَّط في جنب الله، ليكون معدودا في عداد المتَّقين الَّذين قال الله تعالى في حقهم: (إنَّما يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ المُتَّقِينَ).
وما توفيقي إلاَّ بالله عليه توكلَّت وإليه أنيب، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوَّة إلاَّ بالله العلي العظيم.
(مسألة 717) : لا يجب التلفظ بالنية، كما لا يجب اخطار تفاصيل النية في الذهن. بل يكفي ان يعرف ماذا يفعل كأي عمل عرفي آخر، بحيث لو سئل لتذكره تفصيلا. كما لا تجب النية في الاجزاء الواجبة ولا المستحبة. نعم الأحوط فيه عدم قصد المنافي، ولو أخل إخطار النية بالذكر القلبي أو بقصد التكبير كان مرجوحا أمّا لو نوى بالتلفظ بعد تكبيرة الاحرام بطلت صلاته.
(مسألة 718) : لابد من استمرار النية إلى النهاية بمعنى عدم قصد المنافي أو المبطل وسيأتي تفصيله.
(مسألة 719) : عناصر النية الارتكازية تتكون بحسب القاعدة من امور عديدة:
اولا : الوجوب أو الاستحباب.
ثانيا : قصد القربة بالمعنى الذي اسلفناه.
ثالثاً : اسم الصلاة كالصبح والظهر مثلا.
رابعاً : الاداء أو القضاء.
خامساً : الاتمام أو القصر.
سادساً : الجزم بالنية أو الرجاء.
وقد قلنا ان المقصود بالنية وضوح الهدف من الفعل بحيث لو سئل عما يفعل فانه يجيب بلا تردد بأنه يصلي فريضة الظهر مثلاً اداءً في وقتها تماماً.
(مسألة 720) : يعتبر في النية الاخلاص، فإذا انضم إلى امر الله تعالى الرياء بطلت الصلاة، وكذا غيرها من العبادات الواجبة والمستحبة. سواء كان الرياء في الابتداء ام في الاثناء ام في تمام الاجزاء، ام في بعضها الواجب، وفي ذات الفعل ام في بعض قيوده الواجبة. وما كان ببطلانه مخلا بالواجب، مثل ان يرائي في صلاته جماعة، فانه إذا بطلت الجماعة بطلت الصلاة أصلا بخلاف القيود الاخرى كالصلاة في المسجد أو في اول الوقت، فان ذات الصلاة بأجزائها وشرائطها تكون عن اخلاص، وهو يكفي في الصحة.
نعم، في بطلانها بالرياء في الاجزاء المستحبة مثل القنوت أو زيادة التسبيح أو نحو ذلك إشكال اظهره الصحة. بل الظاهر عدم البطلان بالرياء بما هو خارج عن الصلاة، مثل ازالة الخبث قبل الصلاة والتصدق في اثنائها أو الامر بالمعروف بالاشارة أو بالتسبيح خلالها.
(مسألة 721) : قصد الرياء في القواطع والموانع للصلاة لا يكون مبطلا لها، كترك الضحك أو البكاء أو الالتفات إلى الخلف أو ترك الحدث أو الكلام ونحو ذلك، ولكن في الرياء في الطمأنينة والموالاة إشكال احوطه البطلان.
(مسألة 722) : ليس من الرياء المبطل ما لو اتى بالعمل خالصا لله سبحانه ولكنه كان يعجبه ان يراه الناس، كما ان الخطور القلبي لا يبطل الصلاة، خصوصا إذا كان يتأذى بهذا الخطور أو يعلم كونه باطلا، ولو كان المقصود من العبادة امام الناس رفع الذم عن نفسه أو رفع ضرر آخر غيره، لم يكن رياء ولا مفسدا.
(مسألة 723) : الرياء المتاخر عن العبادة لا يبطلها، كما لو كان قاصدا خلالها الاخلاص. ثم بعد إتمام العمل بدا له ان يذكر عمله للناس.
(مسألة 724) : العجب لا يبطل العبادة، سواء كان متأخرا ام مقارنا. بمعنى انها تكون مجزية على الاقوى لكنها لاتصل مرتبة القبول. ونعني بالعجب شعور الانسان بالزهو والمنّ على الله تبارك وتعالى بصلاته له.
(مسألة 725) : الضمائم الاخرى غير الرياء ان كانت محرمة وموجبة لحرمة العبادة أبطلتها، والا فان كانت راجحة أو مباحة فالظاهر صحة العبادة إذا كان داعي القربة صالحا للاستقلال في البعث إلى الفعل بحيث يفعل للامر به، ولو لم يكن صالحا للاستقلال فالظاهرالبطلان.
(مسألة 726) : يعتبر تعيين الصلاة التي يريد الاتيان بها إذا كانت صالحة لان تكون على أحد وجهين متميزين، ويكفي التعيين الاجمالي مثل عنوان ما اشتغلت به الذمة - إذا كان متحدا- أو ما اشتغلت به اولاً - إذا كان متعدداً- أو نحو ذلك، فإذا صلى صلاة مردده بين الفجر ونافلتها لم تصح كل منهما. نعم إذا لم تصلح لان تكون على أحد وجهين متميزين كما إذا نذر نافلتين لم يجب التعيين لعدم تميز احداهما مقابل الاخرى.
(مسألة 727) : لا تجب نية القضاء ولا الاداء فإذا استيقظ لصلاة الصبح في وقت شروق الشمس ولا يعلم انها قضاءً أو أداءً صحت إذا قصد الاتيان بما اشتغلت به الذمة فعلا، وإذا اعتقد انها اداء فنواها اداء صحت ايضا إذا قصد امتثال الامر الفعلي المتوجه اليه وان كانت في الواقع قضاءً وكذا الحكم في العكس.
(مسألة 728) : لا يجب الجزم بالنية في صحة العبادة إلا إذا اصبحت نية الرجاء سفها عرفا. فلو صلى في ثوب مشتبه بالنجس لاحتمال طهارته وبعد الفراغ تبينت طهارته صحت الصلاة وان كان عنده ثوب معلوم الطهارة. وكذا إذا صلى في موضع الزحام لاحتمال التمكن من الاتمام واتفق تمكنه صحت صلاته وان كان يمكنه الصلاة في غير موضع الزحام، لكنه مع وجود المندوحة لا يخلو عن اشكال.
(مسألة 729) : نية الرجاء أو قصد الرجاء لا تكون إلا لاحتمال الطرف المقابل، فمع احتمال عدم التكليف يسمى رجاء المطلوبية، ومع احتمال القضاء يسمى رجاء الاداء والقضاء أو قصد ما في الذمة، ومع احتمال انقطاع العمل يكون رجاء الاستمرار، ومع احتمال دخول الوقت أو خروجه يكون رجاء حصول الوقت دخولا أو بقاءً وهكذا مثله قصد الاحتياط وقصد الواقع وقصد ما في الذمة، واما مع تعين العمل من جميع الجهات فقصد الرجاء والاحتياط له لا يكون معقولا لكن مع قصده جهلا أو غفلة امكن انطباقه على ما هو الواقع وصح العمل.
(مسألة 730) : توجد نية (جامع المطلوبية) وتقصد في حالة يكون الفاعل جازماً بمطلوبية الفعل لكنه لا يعلم ان كان على نحو الوجوب او الاستحباب كصوم يوم الشك المردد بين كونه الثلاثين من شعبان او الاول من رمضان.
(مسألة 731) : قد عرفت انه لا يجب حين العمل الالتفات اليه تفصيلا وتعلق القصد به، بل يكفي الالتفات اليه وتعلق القصد به قبل الشروع فيه وبقاء ذلك القصد اجمالا على نحو يستوعب وقوع الفعل من اوله إلى آخره عن داعي الامر، بحيث لو التفت إلى نفسه لرأى انه يفعل من قصد الامر وإذا سئل اجاب بذلك، ولا فرق بين أول الفعل وآخره، وهذا المعنى هو المراد من الاستدامة الحكمية بلحاظ النية التفصيلية حال حدوثها. اما بلحاظ نفس النية فهي استدامة حقيقية.
(مسألة 732) : إذا كان في اثناء الصلاة فنوى قطعها أو نوى الاتيان بالقاطع ولو بعد ذلك فان استمر بصلاته بحيث اتى بجزء واجب منها على هذا الحال بطلت فضلا عما إذا اتمها فيه، واما إذا عاد إلى النية الاولى قبل ان يأتي بشيء منها صحت صلاته واتمها ما لم يكن قد جزم بقطعها الفعلي أو اتى بالقاطع.
(مسألة 733) : إذا شك بالصلاة التي بيده انه عينها ظهرا أو عصرا ونحو ذلك فان لم يأت بالظهر قبل ذلك نواها ظهرا وأتمها، وان أتى بالظهر نواها عصرا وصحت وان تردد في ذلك بطلت.
(مسألة 734) : إذا رأى نفسه في صلاة العصر وشك في انه نواها عصرا من أول الأمر أو انه نواها ظهرا فإن له ان يتمها عصرا. وكذلك إذا علم انه نواها عصرا وشك في انه بقي على ذلك أو عدل إلى صلاة اخرى.
(مسألة 735) : إذا دخل في فريضة فأتمها بزعم انها نافلة غفلة صحت فريضة وفي العكس تصح نافلة.
(مسألة 736):إذا قام لصلاة ثم دخل في الصلاة وشك في انه نوى ما قام اليها أو غيرها، ، فلا شيء عليه لإنه من شك بعد تجاوز المحل فلا يلتفت اليه.
(مسألة 737) : ما يخطر على القلب من وساوس خلال الصلاة لا اثر له في بطلانها ما لم يكن عن قناعة حاصلة بعد التروي أو ان ينطق بها، والا فلا اثر لها وخاصة إذا كان متأذيا منها أو عالما على انها خلاف القواعد الشرعية التي يؤمن بها حتى لو كانت تلك الافكار كفرا أو اعتراضا أو تمنيا لبعض المحرمات أو غير ذلك.
(مسألة 738) : لا يجوز العدول عن صلاة إلى اخرى بالنية إلا في موارد:
منها : ما اذا كانت الصلاتان ادائيتين مترتبتين -كالظهرين والعشائين- وقد دخل في الثانية قبل الاولى فانه يجب ان يعدل إلى الاولى إذا تذكر في الاثناء.
ومنها : إذا كانت الصلاتان قضائيتين فدخل في اللاحقة ثم تذكر ان عليه سابقة فانه يجب ان يعدل إلى السابقة في المترتبتين ويجوز العدول في غيرهما والعدول احوط إذا كانا لنفس اليوم.
ومنها : ما اذا دخل في الحاضرة فتذكر ان عليه فائتة فانه يجوز العدول إلى الفائتة، وقد يجب، فيما إذا كانت الصلاة السابقة لنفس اليوم أو لوقت قبل وقتها مباشرة على الأحوط.
(مسألة 739) : انما يجوز العدول في الموارد المذكورة إذا ذكر قبل ان يتجاوز محله، واما إذا ذكر بعد تجاوز المحل بطلت الصلاة إذا كان العدول واجبا، كما إذا ذكر في ركوع رابعة العشاء انه لم يصلِّ المغرب فانها تبطل ولابد ان يأتي بها بعد ان يأتي بالمغرب.
ومنها: ما اذا نسي فقرأ في الركعة الاولى من فريضة يوم الجمعة سورة التوحيد او الكافرون وتذكر فانه يستحب له العدول إلى النافلة ويقرأ سورتها، اما اذا قرأ غيرها ، فيعدل بالسورة نفسها، وإذا كان قد قرأها عمدا يعني مع الالتفات إلى استحباب سورة الجمعة لم يكن الحكم الذي اشرنا اليه ثابتا بل يجب الاستمرار بالفريضة على الأحوط.
ومنها : ما اذا دخل في فريضة منفردا ثم اقيمت الجماعة استحب العدول بها إلى النافلة مع بقاء محله ثم يتمها أو يقطعها ويدخل في الجماعة.
ومنها : ما اذا دخل المسافر في القصر ثم نوى الاقامة قبل التسليم فانه يعدل الى التمام، واذا دخل المقيم في التمام فعدل عن الاقامة قبل ركوع الثالثة من اول صلاة رباعية في سفره عدل إلى القصر، وإذا كان بعد الركوع بطلت صلاته.
(مسألة 740) : إذا عدل في غير محل العدول، فان لم يفعل شيئا جاز له العود إلى ما نواه اولا وان فعل شيئا عامدا بطلت الصلاتان وان كان ساهيا ثم التفت اتم الاولى ان لم يزد ركنا.
(مسألة 741) : الأظهر جواز ترامي العدول فإذا كان في فائتة فذكر ان عليه فائتة سابقة فعدل اليها فذكر ان عليه فائتة اخرى سابقة عليها فعدل اليها ايضا صح.
(مسألة 742) : كما يمكن تعدد العدول يمكن تعدد العود إلى النية الاولى كما لو عدل إلى صلاة سابقة ثم تذكر انه اتى بها فانه يعود بنيته إلى الاولى، وكذا يمكن تعدد العدول والعود معا ولا يجب ان يكون العدول المتأخر أو العود المتأخر إلى نفس النية السابقة بل يمكن ان يكون غيرها بل قد يجب.