مسوغات التيمم
في مسوغات التيمم
وهي متمثلة في مسوِّغين رئيسيّين: الأول عدم وجود الماء، والآخر عدم التمكن من استعماله لوجود مانع عقلي أو شرعي عند المكلف مع وجود الماء، ويجمعهما عنوان العذر المسقط لوجوب الطهارة المائية.
المسوغ الأول: عدم وجدان الماء الذي يكفي للوضوء أو الغسل أو يصلح للاستعمال فيهما، ويتحقق ضمن إحدى الحالات التالية:
الحالة الأولى: أن لا يجد المكلف الماء في بيته ولا في مكانٍ آخر بوسعه الوصول إليه كحي سكني آخر في نفس المدينة بالنسبة للحاضر، وإن كان مسافراً لا يجد في كل أطرافه من مساحة الأرض التي يقدر على الوصول إليها من دون عائق والتحرك ضمنها ما دام وقت الصلاة باقياً، ولا فرق في ذلك بين أن لا يوجد الماء فيها أصلاً، أو يوجد بمقدار لا يكفي للوضوء أو الغسل، أو يكفي ولكن هناك مانع من استعماله كما إذا كان نجساً أو مغصوباً، ففي هذه الحالة وظيفته التيمم بديلاً عن الوضوء أو الغسل.
(مسألة 398) : إنّ تلك المساحة من الأرض التي يجب على المكلف أن يطلب الماء فيها ليست محدودة بحدود معينة شرعاً طولاً ولا عرضاً.
وما ورد في بعض الروايات من تحديدها بمقدار رمية سهم في الأرض الحزنة وسهمين في الأرض السهلة فهو لو ثبت من باب المثال على حدود إمكانية البحث المبريء للذمة، وهو متغير بحسب الأزمان والأحوال والأشخاص، فقد ينعدم الماء في الحي الذي يسكنه لكنه يستطيع الانتقال بسيارته من دون حرج أو مشقة إلى حي سكني آخر يتوفر فيه الماء، بينما لا يستطيع غيره فعل نفس الشي، فإذن يكون المعيار في وجوب الطلب ضمن تلك المساحة سعة وضيقاً إنّما هو بعدم استلزامه العسر والحرج أو الضرر والخطر الجسدي.
(مسألة 399) : إذا شهد ثقة يحصل الاطمئنان من قوله بعدم وجود الماء في تلك المساحة من الأرض، كفى في عدم وجوب الفحص والطلب.
(مسألة 400) : يجوز الاستنابة في الطلب إذا كان النائب ثقة ويحصل الاطمئنان بقوله.
الحالة الثانية: أنّ الماء موجود في بعض نقاط تلك المساحة ولكن الوصول إليه يستلزم مشقة شديدة وحرجاً كما إذا كان الماء في نقطة بعيدة، أو إنّه كان ملكاً لشخص لا يأذن بالتصرف فيه إلا بالإهانة والتذلل له بما يكون محرجاً، أو أنّ الوصول إليه محفوف بالمخاطر كما إذا كان الطريق إليه غير مأمون أو كان في مقربة من الحيوانات المفترسة، ففي هذه الحالة تكون وظيفته التيمم في كل هذه الفروض عوضاً عن الوضوء أو الغسل.
الحالة الثالثة: أن يكون الماء موجوداً في تلك المساحة ولكنه ملك لغيره وهو لا يأذن بالتصرف فيه إلا بثمن مجحف بحاله، أو أنّ الوصول إليه يتوقف على ارتكاب أمور محرمة كما إذا كان الطريق إليه مغصوباً، أو الآلة التي يستعملها في أخذ ذلك الماء مغصوبة، ففي هذه الحالة تكون وظيفته التيمم.
ونلاحظ أنّ المكلف في الحالة الأولى بما أنّه غير واجد للماء فلا يمكن أن يتحقق منه الوضوء فالواجب عليه التيمم، وفي الحالتين التاليتين وهما الحالة الثانية والثالثة فيمكن للمكلف أن يتوضأ ومرخص بتركه والعدول إلى التيمم، ولكن إذا أصر على الوضوء وحصل على الماء متحملاً كل الصعوبات من الحرج والضرر وجب عليه أن يتوضأ وصح منه.
(مسألة 401) : إذا أخلَّ بالطلب وتيمم برجاء إدراك الواقع صح تيممه إن صادف عدم الماء.
(مسألة 402) : بناءً على تحديد مساحة الفحص فانه إذا علم أو اطمأن بوجود الماء في خارج الحد المذكور وجب عليه السعي إليه وإن بعد، إلا أن يكون السعي إليه حرجياً أو فيه مشقة عظيمة.
(مسألة 403) : إذا طلب الماء قبل دخول الوقت فلم يجده ثم دخل الوقت فلا يجب عليه إعادة الطلب، إلا إذا تجدد عنده احتمال الحصول على الماء.
(مسألة 404) : إذا طلب بعد دخول الوقت لصلاة يكفي لغيرها من الصلوات، فلا تجب إعادة الطلب عند كل صلاة، وأمّا إذا احتمل العثور مع الإعادة لاحتمال تجدد وجوده فعليه إعادة البحث.
(مسألة 405) : يسقط وجوب الطلب في ضيق الوقت، كما يسقط إذا خاف على نفسه أو ماله من لص أو سبع أو نحو ذلك، وكذلك إذا كان في طلبه حرج ومشقة لا تتحمل كما مر.
(مسألة 406) : إذا ترك المكلف طلب الماء في المساحات المذكورة حتى ضاق الوقت استحق العقوبة لعصيانه، لكن صلاته صحيحة وإن حصل العلم له بأنّه لو طلب الماء لوجده، والأحوط استحباباً القضاء في الفرض الثاني.
(مسألة 407) : إذا ترك الطلب عمداً في سعة الوقت وصلى بطلت صلاته وإن تبين عدم وجود الماء، نعم، لو حصل منه قصد القربة مع تبين عدم الماء واقعاً حين الصلاة باعتبار أنّه صلى رجاءً أو نسياناً أو جهلاً فصلاته صحيحة، وصح منه قصد القربة.
(مسألة 408) : إذا اعتقد ضيق الوقت عن الطلب فتركه وتيمم وصلى ثم تبين سعة الوقت فإن كان التبين في الوقت وجب عليه الطلب، فإن طلب وعثر على الماء كشف ذلك عن بطلان تيممه وصلاته ووجوب الإعادة، وإن كان ذلك في خارج الوقت لم يجب القضاء.
(مسألة 409) : إذا طلب الماء فلم يجد فتيمم وصلى ثم تبين وجوده في محل الطلب فعليه وجوب الإعادة في الوقت،نعم، لايجب القضاء إذا تبين ذلك في خارج الوقت.
المسوغ الثاني: عدم تمكن المكلف من استعمال الماء مع وجوده عنده، وهو يتحقق ضمن إحدى الحالات التالية:
الحالة الأولى: خوف الضرر من استعمال الماء بحدوث مرضٍ أو زيادته أو طول أمده، أو على النفس، أو البدن، ومنه الرمد المانع من استعمال الماء، كما أنَّ منه خوف الشين الذي يعسر تحمُّله وهو الخشونة المشوَّهة للخلقة، والمؤدَّية في بعض الأبدان إلى تشقُّق الجلد.
الحالة الثانية: خوف العطش على نفسه، أو على غيره الواجب حفظه عليه، أو على نفس حيوانٍ يكون من شأن المكلَّف الاحتفاظ به، والاهتمام بشأنه،كدابّته وشاته ونحوهما ممَّا يكون تلفه موجباً للحرج أو الضرر.
الحالة الثالثة: أن يكون بدنه أو ثوبه نجساً وكان عنده ماءٌ يكفي لإزالة النجاسة فقط أو للوضوء كذلك، ففي هذه الحالة يجوز للمكلَّف أن يصرف الماء في غسل بدنه أو ثوبه وإزالة النجاسة عنه ويتيمَّم للصلاة.
الحالة الرابعة: ضيق الوقت عن استيعاب الوضوء والصلاة معاً، فحينئذٍ يجوز له أن يتيمَّم من أجل إدراك تمام الصلاة في الوقت.
الحالة الخامسة: أن يكون الشخص مكلفاً بواجب آخر أهم يتعين صرف الماء فيه على نحو لا يقوم غير الماء مقامه مثل إزالة النجاسة عن المسجد.
(مسألة 410) : إذا خالف المكلَّف عمداً فتوضأ في موردٍ يكون الوضوء فيه حرجيَّاً كالوضوء في شدَّة البرد- مثلاً - صح وضوؤه، وإذا خالف في موردٍ يكون الوضوء فيه محرَّماً بطل وضوؤه، كما إذا كان ضرره خطيراً وهو الضرر الذَّي يحرم على المكلَّف أن يوقع نفسه فيه، وإذا خالف في موردٍ يجب فيه حفظ الماء - كما في الحالة الثانية- فالظاهر صحَّة وضوئه، وفي الحالة الرابعة إذا عصى وتوضأ صح شريطة أن لا ينوي بوضوئه المقدمية لهذه الصلاة التي ضاق وقتها لأنّها لا توجب وضوءاً مع ضيق الوقت، لذا لو نوى مطلق الكون على الطهارة أو الاستحباب النفسي للوضوء صح لأنّ هذه النيات غير مرتبطة بالوقت.
(مسألة 411) : إذا خالف فتطهَّر بالماء لعذرٍ من نسيانٍ، أو غفلةٍ صحَّ وضوؤه في جميع الموارد المذكورة، وكذلك مع الجهل إذا كان مركَّباً، ما لم يكن الوضوء محرماً في الواقع.
(مسألة 412) : إذا آوى إلى فراشه لينام ذكر بعض الفقهاء أنَّه إذا لم يكن على وضوءٍ جاز له التيمُّم وإن تمكن من استعمال الماء فلا بأس بالإتيان به رجاءً، كما يجوز التيمم لصلاة الجنازة إذا خاف عدم إدراكها.