شرائط الوضوء
في شرائط الوضوء
وهي أمور:
منها: طهارة الماء وإطلاقه وإباحته وعدم استعماله في التطهير من الخبث. بل ولا من رفع الحدث الأكبر لاستعماله في الأغسال الواجبة بأصل الشرع إذا تمكّن من ماء آخر على الأحوط استحباباً كما تقدم في المسألة (37) .
(مسألة 144) : إذا وُجِد عند المكلَّف ماءان، أحدهما مطلق والآخر مضاف وكلاهما طاهر ولكنهما تشابها ولم يميز بينهما، فعليه أن يتوضأ بكليهما معاً حتى يحصل له العلم بصحة وضوئه، وأمّا إذا كان أحدهما نجساً والآخر طاهراً، أو أحدهما مباحاً والآخر مغصوباً، فوظيفته التيمم، ووجب الاجتناب عن كلا الماءين معاً، إلا إذا علم المكلف بنجاسة أحدهما المعلوم لديه بالخصوص أو بغصبية أحدهما كذلك، فعندئذٍ لا مانع من استعمال الآخر.
ومنها: طهارة المحل المغسول والممسوح ورفع الحاجب عنه.
ومنها: إباحة الفضاء الذي يقع فيه الغسل والمسح على الأحوط وجوباً. والأظهر عدم اعتبار إباحة الإناء الذي يتوضأ منه مع الانحصار به فضلاً عن عدمه، فإنّه وإن كانت وظيفته مع الانحصار التيمم، لكنه لو خالف وتوضأ بماء مباح في إناء مغصوب أثم وصح وضوؤه من دون فرق بين الاغتراف منه دفعة أو تدريجاً والصب منه، نعم، لا يصح الوضوء الارتماسي في الإناء المغصوب إذا صدق التصرف فيه، وأمّا حكم مصب الماء الذي يسقط عليه ماء الوضوء، فان كان غسل العضو بالماء مقدمة لوصوله اليه فهو كحكم الاناء فيصح الوضوء وإن أثم.
(مسألة 145) : يكفي طهارة كل عضو قبل غسله أو مسحه، ولا يجب أن تكون كل الأعضاء قبل الشروع طاهرة، في الوضوء فضلاً عن الغسل، وأمّا تطهيره بنفس الغسل الوضوئي فهو مشكل لا يترك معه الاحتياط بالترك، ولا يضر تنجيس عضو بعد تمام غسله أو مسحه وإن لم يتم الوضوء وإن كان الأحوط استحباباً خلافه.
(مسألة 146) : إذا توضأ في إناء الذهب أو الفضة صح وضوؤه من دون فرق بين صورة الانحصار وعدمه، ولو توضأ بالارتماس فيه فالصحة مشكلة.
ومنها: عدم المانع من استعمال الماء لمرض أو عطش يخاف منه على نفسه أو على نفس محترمة، بل على حيوان غير مضر مما له مالية عرفاً سواء كان له أو لغيره ممن تصان ملكيته، وإذا خالف وتوضأ في حالة الخوف على الغير صح وضوؤه مطلقاً، وإن كان الخوف على نفسه فإن كان الضرر خطيراً بدرجة يحرم على المكلف إيقاع نفسه فيه فإذا توضأ في هذه الحالة بطل وضوؤه، وإن كان الضرر دون هذه الدرجة فخالف وتوضأ صح وضوؤه.
(مسألة 147) : إذا توضأ في حال ضيق الوقت عن الوضوء، فإن قصد به المقدمية لهذه الصلاة التي ضاق وقتها رغم علمه بأنّ وظيفته التيمم لضيق الوقت بطل وضوؤه لعدم وجود النية المخلصة في طاعة الله تعالى، وإن كان جاهلاً بضيق الوقت أو قصد غاية أخرى كالكون على الطهارة أو استحباب الوضوء على كل حال صح حتى مع العلم بضيق الوقت.
(مسألة 148) : لا فرق في عدم صحة الوضوء بالماء المضاف أو المتنجس أو مع الحائل بين صورة العلم والعمد أو الجهل أو النسيان، وكذلك الحال إذا كان الماء مغصوباً، فإنّه يحكم ببطلان الوضوء حتى مع الجهل أو النسيان إن كان هو الغاصب حقيقة. وأمّا لو كان الغاصب غيره فالأقوى عدم صحة وضوئه عندئذٍ إلا مع عدم نهي المالك. ولا يفرق في كل ذلك بين ما إذا كان المغصوب الماء أو الإناء أو المكان أو الفضاء أو المصب.
(مسألة 149) : بناءً على صحة وضوء غير الغاصب في المسألة السابقة فإذا التفت غير الغاصب إلى الغصبية أثناء وضوئه صح ما مضى منه، ويجب تحصيل الماء المباح للباقي على وجه لا تفوت معه الموالاة. ولكن إذا التفت إلى الغصبية بعد الغسلات وقبل المسح أو خلال المسحات، فيجوز له المسح بما بقي من الرطوبة، وإن كان الأحوط استحباباً له إعادة الوضوء.
(مسألة 150) : اذا دخل المكان الغصبي غفلة أو نسياناً ثم التفت ولكنه توضا حال خروجه، بحيث لا ينافي الفورية، فالظاهر صحة وضوئه، وكذلك لو دخل عصياناً ثم تاب وتوضا حال الخروج.
(مسألة 151) : مع الشك في رضا المالك لا يجوز التصرف ويجري عليه حكم الغصب، فلا بد من تحصيل العلم العرفي برضا المالك أو إذنه ولو بالفحوى أو شاهد الحال.
(مسألة 152) : يجوز الوضوء والشرب والاغتسال من الأنهار الكبار المملوكة لأشخاص معينين، سواء كانت قنوات أو منشقة من نهر وإن لم يعلم رضا المالكين، بل وإن علم منعهم لأنّه ليس لأصحاب مثل هذه القنوات منع الآخرين من ذلك، وكذلك الحال في الأراضي المتسعة اتساعاً عظيماً فإنّه يجوز الوضوء والجلوس والصلاة والنوم ونحوها فيها، ولا يناط ذلك برضا مالكيها، نعم، في غيرها من الأراضي غير المحجبة كالبساتين التي لا سور لها ولا حجاب فيجب الاجتناب عن التصرف فيها بمثل ما ذُكر إن ظن كراهة المالك أو كان قاصراً.
(مسألة 153) : الحياض الواقعة في المساجد أو المدارس أو الحنفيات المستعملة فيها إذا لم يعلم كيفية وقفها واختصاصها بمن يصلي فيها أو على الطلاب الساكنين فيها أو عدم اختصاصها، فالأقرب جواز الوضوء ونحوه مما يعد مقدمة بسيطة للصلاة. أو ما كان بمقداره، نعم، لو كان التصرف أكثر كالغسل أو غسل الثياب لم يجُز إلا مع جريان العادة به بحيث يكشف عن عموم الإذن.
(مسألة 154) : إذا علم أو احتمل أنّ الماء في حوض المسجد وقف على المصلين فيه لا يجوز الوضوء منه بقصد الصلاة في مكان آخر، ولو توضأ بقصد الصلاة فيه ثم بدا له أن يصلي في مكان آخر بطل وضوؤه لانكشاف عدم الإذن فيه، وكذلك إذا توضأ بقصد الصلاة في ذلك المسجد ولكنه لم يتمكن من ذلك أو توضأ منه غفلةً أو باعتقاد عدم الاشتراط.
ومنها: النية، وهي أن يقصد الوضوء بهذه الأفعال وليس التنظيف أو التبريد أو اللهو والعبث أو غيرها ولابد أن يكون الدافع للفعل هو ابتغاء وجه الله تعالى بأي نحو من الأنحاء كطلب الثواب أو دفع العقاب أو امتثال أوامره حباً له، ويعتبر في هذا الدافع أن يكون كافياً لتحريكه إلى الوضوء من دون أن ينضم إليه حافز آخر كالذي ذكرنا، وحينئذ لا باس أن تنقدح في نفسه رغبات أُخر إضافة إلى نيته المخلصة كالتنظيف وإزالة العرق وتخفيف الحر ونحوها.
(مسألة 155) : على الإنسان أن يهذب نفسه ويطهر قلبه من أية نيةٍ لغير الله تبارك وتعالى فإنّ كل شيء ما خلا الله باطل. و(إنّما الأعمال بالنيات)، و(لكل امرئ ما نوى)، ومن الحماقة أن يقوم الإنسان بأفعال يستحق بها المقامات الرفيعة لكنه يضيعها بأن يقصد بعمله غير الله تبارك وتعالى فترمى هذه الأعمال في وجهه والعياذ بالله تعالى.
(مسألة 156) : يكفي في النية وجود القصد إلى الفعل في أعماق النفس بحيث لو سئل عما يفعل لأجاب بلا تردد أنّني أتوضأ، ولا يجب فيها قصد تفاصيلها كالوجوب والاستحباب أو كونه وضوءاً تجديدياً على وضوء سابق أو ابتدائياً رافعاً للحدث ولا أي شيء آخر، ويعتبر فيها استمرار القصد إلى نهاية الأفعال.
(مسألة 157) : لو اجتمعت أسباب متعددة للوضوء كفى وضوء واحد، ولو اجتمعت أسباب متعددة للغسل أجزأ غسل واحد بقصد الجميع، بل بقصد واحد منها ولو كان غير الجنابة، ولو قصد الغسل قربة من دون نية الجميع ولا واحد بعينه فالظاهر الصحة لأنه يرجع ذلك إلى نية الجميع إجمالاً.
(مسألة 158) : الظاهر كفاية الأغسال الواجبة عن المستحبة مع قصدها، وكفاية المستحبة عن الواجبة مع قصدها عدا غسل الجمعة كما سيأتي في المسالة 390 في الاغسال المندوبة، وكون المستحب وارداً بدليل معتبر . كما أنّ الظاهر كفاية الأغسال الواجبة والمستحبة المشار إليها عن الوضوء.
ومنها: مباشرة المتوضئ للغسل والمسح. فلو وضّأه غيره، على نحو لا يستند الفعل إليه، بطل إلا مع الاضطرار أو العجز كما لو لم يتمكن من إيصال يديه إلى رجليه فيوضئه غيره نيابة ولكن بأعضاء المتوضئ الذي يتولى النية كما ينوي الموضِّئ احتياطاً فإن لم يتمكن الموضّئ من أداء الفعل بأعضاء المتوضئ باشرها الموضّئ بيده، والأحوط ضم التيمم إليه.
ومنها: الموالاة، وهي التتابع في الغسل والمسح عرفاً بحيث تبدو أفعال الوضوء وكأنها عملية واحدة وقد ذكر الفقهاء (قدس الله أرواحهم) معايير لذلك كعدم جفاف تمام السابق في الحال المتعارفة فلا يقدح الجفاف لأجل حرارة الهواء أو البدن الخارجة عن المتعارف وعلى العكس من ذلك فإنهم لم يعتدّوا ببقاء الرطوبة في مسترسل اللحية الخارج عن الوجه، بل أي شيء خارج عن حد أعضاء الوضوء من البدن أو الثياب، وكذلك ما كان غسله من باب المقدمة العلمية، والمهم ما ذكرناه من معنى التتابع فلو انقطع التتابع العرفي بطل وإن لم يحصل الجفاف.
ومنها: الترتيب بين الأعضاء بتقديم الوجه ثم اليد اليمنى ثم اليسرى ثم مسح الرأس ثم مسح الرجل اليمنى ثم اليسرى وقد تقدم امكان مسحهما سوية، ويجب الترتيب في أجزاء كل عضو ولو عكس الترتيب عمداً بطل، ولو كان سهواً أعاد على ما يحصل به الترتيب مع عدم فوات الموالاة وإلا استأنف أي أعاد العمل من جديد.