نور القرآن

| |عدد القراءات : 927
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسمه تعالى

نور القرآن[1]

وصف القرآن الكريم نفسه بأنه (نور) في آيات عديدة كقوله تعالى (قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ) (المائدة:15) وقوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا) (النساء:174) وقال تعالى (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا) (التغابن:8) وقال تعالى (مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا) (الشورى:52) وغيرها من الآيات.

وهكذا وُصِف في الأحاديث الشريفة كقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) (القرآن هو النور المبين والذكر الحكيم والصراط المستقيم)[2] .

ومن كلام لأمير المؤمنين (عليه السلام) في صفة رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال (حتى أكرمه الله عزوجل بالروح الأمين والنور المبين والكتاب المستبين)[3] وقال الامام الحسن (عليه السلام) (إن هذا القرآن فيه مصابيح النور وشفاء الصدور، فليجلُ جالٍ بصره، فان التفكر حياة قلب البصير، كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور)[4].

ومن دعاء الامام زين العابدين (عليه السلام) عند ختم القرآن (وجعلته نوراً نهتدي من ظلم الضلالة والجهالة باتباعه... ونور هدى لا يُطفأ عن الشاهدين برهانه، وعلم نجاة لا يضِلُّ من أمَّ قصد سُنّته، ولا تنال أيدي الهلكات من تعلق بعروة عصمته)[5].

والنور هو الظاهر في نفسه المظهر لغيره بما يلقي على الأشياء من الضوء فيجعلها قابلة للإبصار، فالقرآن نور لأنه المصباح الذي يستضيئ به طالبو الكمال والسائرون على طريق الهداية والصلاح والسعادة في الدنيا والآخرة وهذه هي وظيفة القرآن والغرض من نزوله (قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) (المائدة:15-16) .

وقد تسأل بأن القرآن اذا كان بيِّناً في نفسه مبيِّناً لغيره فما الحاجة الى التفسير الذي يعني كشف معنى اللفظ واظهاره وبيان مراد المتكلم ومدلولات كلامه. ويُجاب بأن القرآن كما وصف بيِّن ظاهر لذا يستفيد منه كل من يقرأه بحسب مؤهلاته (فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا) (الرعد:17) وان الحاجة الى التفسير بلحاظ قصورنا عن ادراك معانيه لما ران على قلوبنا وعقولنا من رين الجهل والشك والسطحية في التفكير والنظر فالتفسير يزيل هذه الحجب ويقرّبنا الى القرآن الذي هو قريب منا الا اننا بعيدون عنه، مضافاً الى وجود تفاصيل لم تذكرها الآيات الكريمة فوظيفة الرسول (صلى الله عليه وآله) بيانها (وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ) (الجمعة:2).

وإنّ للقرآن بطوناً من التفسير والحقائق المكنونة في طياته لا يتيسّر معرفتها الا لأهلها وهم يبيّنون لغيرهم.

والقرآن من أعظم أسباب تحصيل النور فهو ثقل الله الأكبر استمد نوره من مرسله ومنزله وهو (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) (النور:35) لا يضِل من تمسك به، والقرآن يجلي البصيرة ويكشف عنها فيتمكن الإنسان من النظر بها، ويفجّر في القلب والعقل نور الفرقان الذي يميّز للإنسان الحق من الباطل ويأخذ بيده على الصراط المستقيم.

فمن لم يتمسك بالقرآن ولم يأخذ بعروته الوثقى يسير كالأعمى على غير بصيرة (وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) (الإسراء:72) وسيتميز الفريقان يوم القيامة (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (الحديد:12) اما المعرضون عن القرآن فيتوسلون اليهم لعلهم يشفقون على حالهم ويمدّونهم ببعض النور الذي اكسبوه، وينقذونهم من حالهم  وهم يتخبّطون في الظلمات ويحيط بهم العذاب (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ) ويأتيهم الجواب (قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا) (الحديد:13) لأن هذا النور في الآخرة هو حصيلة التعلق بالقرآن والعمل به في الدنيا وكان عليكم اكتساب النور فيها لينير لكم في الآخرة.

وهكذا فالقرآن نور في الحياة الدنيا وفي الآخرة وما بينهما في البرزخ والقبر حيث الوحدة والوحشة والضيق وروي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله (عليك بتلاوة القرآن فأنه نور لك في الأرض، وذخرٌ لك في السماء)[6] ومن دعاء الامام السجاد (عليه السلام) (اللهم وما أجريت على ألسنتنا من نور البيان، وايضاح البرهان، فاجعله نوراً لنا في قبورنا ومبعثنا، ومحيانا ومماتنا، وعزّاً لنا لا ذلاً علينا، وامناً لنا من محذور الدنيا والآخرة)[7] .

فهذا التفسير محاولة للاقتباس من نور القرآن ما نُحيي قلوبنا وتطهر به نفوسنا وتستقيم به حياتنا وتنتظم به أمورنا ويفتح عقولنا على ما لم نكن نعلم مما به صلاحنا وفلاحنا (أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا) (اأنعام:122) (فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الأعراف:157) وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) (تعلموا القرآن فأنه أحسن الحديث، وتفقهوا فيه فأنه ربيع القلوب، واستشفوا بنوره فأنه شفاء الصدور)[8] .

وقد ذكرنا تفاصيل أوفى عن سببية القرآن لتحصيل النور، والعمى والضلالة بهجرانه والحاجة إلى نور القرآن في الدنيا والآخرة في تفسير عدة اقباس موجودة في مواضعها كقوله تعالى (قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ) (المائدة:15) وقوله (وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً) (الإسراء:72) وقوله تعالى (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم) (الحديد:12) وغيرها.



[1] - من مقدمة الطبعة الجديدة من تفسير (من نور القرآن) لسماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله).

[2] - كنز العمال: 1/517 ح 2309

[3] - التوحيد: 72 ح 26 ، عيون أخبار الرضا (عليه السلام): 1/124 ح 15

[4] - نزهة الناظر: 73 ح 18، كشف الغمة: 2/199 بواسطة معرفة القرآن على ضوء الكتاب والسنة للريشهري: 1/52

[5] - الصحيفة السجادية: 157 الدعاء 42.

[6] - ميزان الحكمة: 9/182

[7] - بحار الأنوار: 94/126 ح 19

[8] - نهج البلاغة: خطبة 110