المرجع اليعقوبي يلقي خطبتي عيد الأضحى المبارك

| |عدد القراءات : 2759
المرجع اليعقوبي يلقي خطبتي عيد الأضحى المبارك
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

بسمه تعالى

الجمعة 31/7/2020 م

10/ ذو الحجة /1441 هـ

المرجع اليعقوبي يلقي خطبتي عيد الأضحى المبارك

أقام سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) صلاة عيد الأضحى المبارك بمكتبه في النجف الاشرف، وألقى سماحته خطبتي صلاة العيد في بعض كادر مكتبه في النجف الاشرف مع مراعاة الضوابط الصحية في ظل وباء كورونا.

وتطرق سماحته في الخطبة الأولى:

الى تفسير قوله تعالى في كتابه الكريم : {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} (الشورى:13)، مشيراً الى دلالات عديدة تضمنتها الآية الكريمة منها ان أصحاب الشرائع والأديان هم هؤلاء الأنبياء الخمسة (صلوات الله عليهم) لأن الآية في سياق كونها جامعة لهم ولم تذكر غيرهم وهؤلاء هم اولو العزم ، فضلاً عن الإشارة الى الآية الكريمة الى ان الأديان كلها مصدرها واحد وهو الله تبارك وتعالى وهي الحقيقة التي افتتحت السورة بها، قال تعالى (كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (الشورى:3) .

وقد بين سماحته ان في ذلك لمسة روحية رقيقة تثبّت قلوب المؤمنين وتطمئنهم خصوصاً العاملين الرساليين منهم الذين يتعرضون لضغوط اجتماعية ونفسية عظيمة بسبب حملهم رسالة الإصلاح فيحتاجون إلى تسلية ودعم معنوي (كما يقال) فتأتي هذه الآية وامثالها لتقول لهم: انكم لستم وحدكم على هذا الطريق الإلهي الواضح بل أنتم حلقة في سلسلة طويلة من كرام الخلق وسادتهم عبر التاريخ فيزيدهم ذلك ثباتاً وسروراً بما وفقهم الله تعالى إليه.

كما أشار سماحته الى ان الله سبحانه وتعالى أراد الله تعالى بهذا التنوع في الشرائع ان يختبر طاعة الناس وامتثالهم وعدم تحيّزهم وتحزبهم لشريعتهم السابقة، فالدنيا دار امتحان واختبار وهذا التنوع في الشرائع ضرورة لمواكبة ما يطرأ على البشرية من تغيرات حتى جاء الله سبحانه بالشريعة الكاملة الخاتمة، وكون الشريعة الإسلامية خاصة بالمسلمين وفق الآية الآنفة لا ينافي جامعيتها، فالمطلوب من أهل الكتاب الالتزام بالطاعة والتسليم واستباق الخيرات. وفي ذلك حجة عليهم ورفض لمواقفهم العدوانية تجاه الإسلام لأنها لا مبرر لها بعد أن ثبت ان هذه الأديان كلها من مصدر واحد وبمحتوى واحد وعليهم جميعاً أن يدخلوا في هذا الدين لأنه جامع لكل الأديان السابقة وقيّم عليها (ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) (التوبة:36).

في السياق ذاته أوضح سماحته ان الآية الكريمة تتضمن واجبان عظيمان ورسالتان يجب تأديتهما باعتبارهما خلاصة ما تدعو اليه كل الأديان والشرائع وهما (إقامة الدين) و(الوحدة وعدم التفرّق)  قال تعالى : (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) (المؤمنون:52) فأما إقامة الدين فهو يعني ان يتحول الدين إلى نظام شاخص في حياتنا تكون له الهيمنة و القيمومة على كل القوانين والتشريعات  ، واما وحدة الامة وعدم التفرق تحت أي عنوان كان ولأي سبب كان فذلك لان التفرق من علامات الجاهلية وان اهم علامة لإقامة الدين الاجتماع والوحدة قال تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) (آل عمران:103) فالتفرق ما هو الا نتيجة لاتباع الاهواء والشهوات والابتعاد عن الدين وتزيين المضلّين والمنحرفين.

وفي ختام الخطبة الأولى أكدَّ سماحته على أهمية التصدي لحمل تلك المسؤولية العظيمة اسوة بالأنبياء العظام والأئمة الكرام (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) من خلال إقامة الدين في جميع مفاصل الحياة وتوحيد الأمة على ذلك فهي وصية الله تعالى ، مشيرا الى ان سعة التحديات وخطورة العوائق وصعوبة المشاكل يجب ان لا تثني المؤمنين ، ولا تثبط عزائمهم وساوس شياطين الانس والجن فينحرف مسارهم مثل أحبار وكهنة الديانات السابقة عندما مالوا إلى الدنيا فاضطروا لتقديم التنازلات حفاظاً على مصالحهم واستمالةً لاتباعهم ، فلا يحقّ النزول  بالدين إلى مستوى الناس وانما يجب علينا أن يُرتقى بالناس إلى مستوى الدين من خلال مضاعفة الجهود واخلاص النوايا والتجرد عن الانانيات وتنويع آليات العمل .

 

اما الخطبة الثانية:  

فقد تضمنت بيانا لقوله تعالى: (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) (الفرقان:30) حيث أشار سماحته الى ان الآية تقع ضمن سلسلة من الآيات التي تعرض صوراً من حالات الندم والأسف التي تنتاب الظالمين يوم القيامة بحيث يعضّ أحدهم على كلتا يديه وليس على اصبع واحدة جزاء تفريطهم وتمردهم على ما أمرهم الله تعالى به نتيجة لاتباعهم اهواءهم وعصبيتهم وقرناء سوء غشوّهم (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولا) (الفرقان:27-29).

وأوضح سماحته ان ما يزيد الظالمين ندماً وحسرة ورعباً من مصيرهم ان الرسول الذي بعثه الله تعالى رحمة بهم سيكون حجة عليهم وسيكون خصمهم وهو الذي يرفع الشكوى ضدّهم فتقول الآية التالية : (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) لأن القرآن هو الأصل في السبيل الموصل الى الله تبارك وتعالى فالإعراض عنه إعراض عن الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين ، فقد ورد في الرواية الشريفة عن جابر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (يجئ يوم القيامة ثلاثة يشكون إلى الله عز وجل: المصحف، والمسجد، والعترة. يقول المصحف: يا رب حرقوني ومزقوني، ويقول المسجد: يا رب عطلوني وضيعوني، وتقول العترة: يا رب قتلونا وطردونا وشردونا فأجثوا للركبتين للخصومة، فيقول الله جل جلاله لي: أنا أولى بذلك).

وفي ذات الصدد ذكر سماحته مراتب عديدة تصلح لان تكون مصاديق لهجر القرآن الكريم أولها هم من صمّوا آذانهم عن سماعه خشية ان يدخل قلوبهم فأغلقوها دونه تعصباً وعناداً واستكبروا عن الايمان به قال تعالى: (وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا) (نوح:7) ، وثانيها حال المنافقين الذين أسلموا للقرآن ظاهراً لكنهم خالفوه في واقعهم وحياتهم العملية كحال بنو أمية وبنو العباس الذين يؤمنون بالقرآن وما فيه وفيه قول الله تعالى (قُل لّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) (الشورى:23) الا إنهم امعنوا في قتل أهل البيت (عليهم السلام) وسجنهم واضطهادهم وأمثال ذلك.

ومن الصور الأخرى للهجران ما عليه حال أغلب المجتمعات الإسلامية اليوم التي تستمد أفكارها وثقافتها وأنظمتها وقوانينها وسلوكها من مصادر غير ربانية، فضلا عن الاعراض عن تعاليم القرآن الكريم التي تمثل دستوراً للحياة ومنهجاً للسعادة والكمال، ومن مراتب الهجران الاهتمام بمخارج حروف القرآن وتلحين الصوت فيه ومعرفة قواعد قراءاته وأنواعها من دون التدبر بمعانيه والاستفادة من مضامينه ولطائفه وهؤلاء قال فيهم الامام (عليه السلام) (حفظوا حروفه وضيّعوا حدوده).

من جانبه أكدَّ سماحته على ضرورة ان تقترب الحوزات العلمية ومعاهد العلوم من كنف القرآن الكريم لتحظى بوصل الله سبحانه وتعالى عبر هذا السبيل الأعظم الموصل إلى الله تعالى فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله :(فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنه شافع مشفع وماحل مصدق ومن جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلفه ساقه إلى النار وهو الدليل يدل على خير سبيل وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل)، مستغربا مما يراه البعض من منقصة بعالم الفقه والأصول في حال تصديه لتفسير القرآن الكريم وشرح معانيه والاستفادة من لطائفه ودقائقه حتى اصبح طالب العلم ينهي دراسته دون أن يحظى بدرس في القرآن الكريم، وفي ذات السياق لم ينفِ سماحته التقدم الحاصل في ميدان المعاهد والدراسات القرآنية المتخصصة التي تسعى لزيادة الارتباط بالقرآن وتعزيز الفهم القرآني ونشر ثقافة التلاوة والتدبر لكن ذلك كله يبقى دون ما تقتضيه المسؤولية العظيمة تجاه القرآن الكريم .

وأشار سماحته الى أهمية الرجوع إلى أهل البيت (عليهم السلام) في فهم مرادات القرآن الكريم فأنهم الثقل الآخر وهما متلازمان لا يفترقان بنص الحديث المشهور المتواتر لدى الفريقين (إني تارك فيكم أمرين إن أخذتم بهما لن تضلوا: كتاب الله عز وجل وأهل بيتي عترتي، أيها الناس اسمعوا وقد بلغت، إنكم ستردون علي الحوض فأسألكم عما فعلتم في الثقلين والثقلان: كتاب الله جل ذكره وأهل بيتي، فلا تسبقوهم فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم).

وختم سماحته الخطبة الثانية بجملة من الوصايا والخطوات العملية لتفعيل دور القرآن الكريم في حياة الأمة على الصعيد الفردي والاجتماعي، منها حث الشباب على تلاوة القرآن والتدبر فيه بصورة يومية فقد ورد عن الامام الصادق (عليه السلام) قوله: (من قرأ القرآن وهو شاب مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه، وجعله الله عز وجل مع السفرة الكرام البررة).

وأيضا حث أئمة المساجد على الالتزام بقراءة صفحتين من القرآن الكريم مع المصلين بعد الانتهاء من صلاة الجماعة يومياً، ثم شرح احد المواضيع الواردة في الصفحتين بصورة مختصرة كأهمية الصلاة أو بر الوالدين أو حرمة الغيبة أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو ولاية أهل البيت (عليهم السلام)، لافتاً الى وجود بعض الكتب المفيدة في هذا المجال كتفسير المعين الذي يتضمن في حاشية كل صفحة من القرآن تفسيراً لمفرداتها ويشرح باختصار في أسفل الصفحة عنواناً، ورد فيها وبذلك يحصل كل فرد على ثقافة قرآنية واسعة خلال مدة قصيرة بلطف الله تعالى وحسن توفيقه.