فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ
بسم الله الرحمن الرحيم
(فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ)[1]
(الفرقان:70)
قال الله تبارك وتعالى (إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) (الفرقان:70) .
يحظى التائب بصدق الذي يصحّح إيمانه ويقلع عن الذنوب ويعود إلى الاستقامة ويقوم بالأعمال الصالحة بعدة امتيازات وحوافز تشجّع العصاة والمنحرفين على التوبة والرجوع الى الله تعالى والسير على الطريق الصحيح، وتزيد من محبة العبد لله تعالى وتعميق الأمل بكرمه وهو بحد ذاته مانع قوي عن الوقوع في المعاصي، منها:
1- إنه يحظى بمحبة الله تعالى، قال تعالى (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة:222) وفي الحديث الشريف (من أحبّه الله لم يعذّبه)[2].
2- دعاء الملائكة وحملة العرش لهم ولذويهم ، قال تعالى (الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (غافر:7-9).
3- تبديل السيئات الى حسنات الذي ذكرته الآية محل البحث كنتيجة تفرعت ــ بدلالة الفاء ــ عن توبتهم وصلاحهم وصدق إيمانهم.
وظاهرة تبديل السيئات إلى حسنات موجودة بالاتجاه المعاكس أيضاً أي تبديل الحسنات إلى سيئات وهو المعروف بحبط الأعمال، قال تعالى (وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ) (الحجرات:2) وقال تعالى (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) (محمد:9) وغيرها كثير.
وفي الحديث النبوي الشريف (أتدرون من المفلس: إن المفلس من امتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، فيعطي هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فان فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار)[3].
والسيئات يمكن ان يراد بها طيف واسع فتشمل حتى حالات السوء والضر الماديين بقرينة قوله تعالى (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) (النمل:62) فتكون الحسنة بمعنى النعمة والسراء والعافية كما في قوله تعالى (ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ) (الأعراف:95) (فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) (الأعراف:131).
والسيئات مطلقة فتشمل الصغائر والكبائر فلا يقال ان المراد بها الصغائر فقط بقرينة المقابلة في قوله تعالى (إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ) (النساء:31) لأن هذا الاختصاص عرف بالقرينة اما في الآية محل البحث فأن السيئات مطلقة.
وبالعودة الى بيان معنى التبديل فأن الظاهر من الآية ــ كما افاد بعض المفسرين ــ ان هؤلاء ((كما بدلوا سيئاتهم حسنات كذلك يبدّل الله سيئاتهم حسنات، فسيئة اشراكهم بحسنة التوحيد، وقتلهم النفس بحسنة قتال المشركين، وزناهم بحسنة حل النكاح))[4] وذكر تبعاً للسيد الطباطبائي (قده) شاهداً على ذلك من نفس الآية لأنها تقول (يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) ((لا بحسنات فسيئاتهم هي التي تتبدل بحسنات مكانها كما بيّنا، لا أن الله يكتب بدل سيئاتهم السابقة حسنات وهم لم يعملوها)) ويمكن مناقشة هذا الوجه بأنه يمكن به تصحيح الأفعال الوجودية كالأمثلة المذكورة اما العدمية كترك الصلاة أو الصوم فكيف تصبح أفعالاً حسنة لاحقاً.
وأن التبديل بهذا الشكل حصل منهم فأنهم تركوا الشرك وتابوا واعتنقوا التوحيد وهم الذين تركوا قتل النفس المحترمة وتوجهوا الى قتال المشركين وهم الذين تركوا الزنا وتوجهوا الى الاحصان والعفاف وهكذا فاين التبديل من الله تعالى ويجيب (قده) عن الاشكال بقوله ((ولماذا (يبدّل الله) وصاحب السيئة هو الذي بدَّل؟ لأن الله هو الذي يقبل توبته، وهو الذي يقرّ في قلبه التوحيد، وهو الذي يوفقه لحسنات على غرار التوحيد)).
أقول: هذا خلاف الظاهر لذا فإن هذا التفسير يبقى محتاجاً الى إيضاح فأنه يصعب قبوله لأول وهلة لما قيل من ان الفعل لا ينقلب عمّا وقع عليه ونحو ذلك فكيف يحصل هذا التبديل في الفعل؟
وقد قرّب السيد الطباطبائي (قده) تفسيراً للآية يدفع هذا الاشكال بما ملخصه: ان أفعال الانسان اذا لوحظت كحركات خاصة اي بلحاظ ذات الفعل الخارجي الصادر من فاعله فانها مشتركة بين السيئة والحسنة ولا تتميز فيها الحسنة عن السيئة كحركة الجماع المشتركة بين الزنا والنكاح وكأكل المال المشترك بين الغصب أو باذن صاحبه وانما يتصف بكونه حسنة أو سيئة بلحاظ موافقته أمر الله تعالى ومخالفته وهو الذي يُسجَّل على العبد ويحاسب عليه أما ذات الأفعال فانها لا تتصف بالحسنة أو السيئة وهي مجموعة حركات فانية ومنقضية وآثارها هي التي تبقى وهي التي تتصف بهاتين الصفتين، وهذه الآثار السيئة التي يتبعها العقاب اعني السيئات لازمة للإنسان حتى يؤخذ بها يوم تبلى السرائر.
وصدور هذه المخالفة لأمر الله تعالى نابعة من شقاوة وخبث في ذات الفاعل فاذا تبدلت الى ذات سعيدة وطيبة وتطهرت بالتوبة ، امكن ان تتبدل آثارها اللازمة التي كانت سيئات قبل ذلك فتناسب الاثار للذات بمغفرة من الله ورحمة وكان الله غفوراً رحيماً[5] .
وبتعبير آخر: ان الذي يتبدل ليس نفس الأفعال التي صدرت وانقضت وإنما آثارها السيئة التي انطبعت في نفس الانسان وباطنه، فاذا تاب وآمن وعمل صالحاً يزيل الله تعالى تلك الآثار السيئة من باطنه ويطبعه بآثار طيبة خيّرة فالتبديل يحصل في آثار الأفعال وليس في ذواتها.
لكن هذا التفسير رغم لطافته وقربه يواجه عدة إشكالات:
1- ان مما تسالم عليه المتشرعة ان نفس الأفعال توصف بالحسنة والسيئة، لأن اتصاف الفعل بهذه الصفة أو تلك لا يلحظ فيه ذات الفعل المجرد عن موافقته لأمر الله تعالى ونهيه لذا فالزنا غير النكاح في نظر المتشرعة بهذا اللحاظ .
2- ان الآية صريحة بأن السيئة هي التي تتبدل إلى الحسنة وليس آثارها الباطنية من شقاوة وخبث الى سعادة وطيبة وقد صرّح (قده) بذلك أيضاً في مفاد الآية إذ قال أي ((أن كل سيئة منهم نفسها تتبدل حسنة))[6] .
3- أنه يدلّ على أن هذا الذات الإنسانية بعد أن تحوّلت إلى ذات طيبة فأن الآثار التي ستصدر منها تكون طيبة بعد هذا التغيّر، والآية صريحة بأن الأفعال السابقة على تغيّره تتبدل.
ويمكن ان نصّور كلامه (قده) بما يدفع هذه النقطة بأنه يريد ان الصور السيئة للأفعال التي انطبعت بها ذاته والتي سيعاقب عليه او بها على مبنى تجسّم الأعمال فأنها ستتحول الى صور حسنة في باطنه وسيثاب عليها او بها فهذه النقطة مردودة.
وعلى أي حال فإن هذا التفسير بقي مثيراً للاستفهام لكثيرين إذ كيف يمكن أن يبدل الفعل الذي وقع حراماً كترك الصلاة والصوم والزنا وشرب الخمر وظلم الآخرين وغير ذلك الى حسنات، لذا ذكروا وجوهاً أخرى يستفاد بعضها من الروايات الشريفة، ومنها:
1- ان التبديل يحدثه الله تعالى في سلوك العبد التائب بتوفيق الله تعالى، فمن كان مشركاً وتاب يوفقه الله تعالى للتوحيد وإخلاص العمل لله تبارك وتعالى، ومن زنا يوفقه الله تعالى للسلوك العفيف الطاهر ويحصّنه بالزواج، ومن كان ظالماً للناس يوفقه لخدمتهم وقضاء حوائجهم وإدخال السرور عليهم، وإن هذه السيئات السابقة ستكون ماثلة في ضميره مما يشعره بالندم والأسف فيدفعه إلى مزيد من عمل الحسنات لمحوها وتغطيتها وإزالة تأثيرها وقد وردت أحاديث كثيرة في الحث على استذكار الذنوب لأجل هذا الغرض.
2- ان التبديل يحصل يوم القيامة بأن يضع الله تعالى للعبد التائب في كتابه بدل سيئاته حسنات ولا يكتفي بمحو السيئات ومغفرة الذنوب، وهذا ليس بعيداً عن كرم الله تعالى وفضله وسعة رحمته وهو معنى قريب لما في آية أخرى قال تعالى (إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ) (هود:114) وفي رواية البرقي في المحاسن بسنده عن الامام الصادق (عليه السلام) قال (يؤتى بالمؤمن المذنب يوم القيامة حتى يوقف بين يدي الله عزوجل، فيكون هو الذي يلي حسابه، فيوقفه على سيئاته، شيئاً فشيئاً، فيقول: عملتَ كذا وكذا في يوم كذا في ساعة كذا، فيقول: أعرف يا ربِّ ــ قال عليه السلام ــ حتى يوقفه على سيئاته كلها ، كل ذلك يقول: أعرف، فيقول: سترتها عليك في الدنيا، واغفرها لك اليوم ، أبدلوها لعبدي حسنات ــ قال عليه السلام ــ فترفع صحيفته للناس (وفي رواية محمد بن مسلم عن الامام الباقر (عليه السلام) : قال الله عزوجل للكتبة: بدّلوها حسنات وأظهروها للناس) ، فيقولون: سبحان الله، أما كانت لهذا العبد ولا سيئة واحدة ، فهو قول الله عزوجل (فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) )[7] .
وروى مثلها الشيخ في الامالي وكتاب الحسين بن سعيد في الزهد عن الامام الباقر (عليه السلام) وفيها ان سبب تولي الله تعالى حساب المؤمن بنفسه لكي (لا يطلع على ذلك ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً) (ولا يطلع على حسابه أحداً من الناس)[8] وفي ذيل مثل هذه الرواية عن ابي ذر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال (ورأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ضحك حتى بدت نواجذه ثم تلى (فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ))[9].
3- إن هذا التبديل بلحاظ الدوافع والميول والمحركات نحو الذنوب المؤثرة على نفس الانسان وباطنه وما يحصل بسببها من الخبث والظلمانية وسوء السريرة والميل الى الشهوات ونفور من الطاعات فيبدل الله تعالى باطن التائب إلى نقاء وصفاء وميل إلى الطاعة وتقزّز من المعصية ونحو ذلك.
4- ويمكن ان اضيف وجهاً آخر مبنياً على الحديث (وإنما الأعمال بخواتيهما)[10] فالإنسان العاصي لو مات من دون توبة فانه ستكون عاقبته سيئة فاذا تاب وندم والتزم بالأعمال الصالحة فانه سيسجَّل ضمن الصالحين الطائعين ويجازى على أساس هذه الحالة الجديدة التي انتقل اليها ليس فقط من حين التغيير وإنما في كل حياته، فاذا كان تاركاً للصلاة ثم تاب والتزم بها في اوقاتها وفي المسجد مثلاً فانه يكتب في كل حياته حتى ما قبل التغيير على هذه الحالة الجديدة ، واذا كان زانياً ثم تاب وتزوج وحصَّن نفسه كتب في جميع حياته عفيفاً محصناً وممن عمل بهذه السنة الشريفة ، وهكذا. فالتبديل يكون بلحاظ ما سُجِّل على العبد من صفة افعاله، فالفعل الذي كان موصوفاً بأنه سيئة يزال ويُكفّر ويكتب بدلاً عنه الفعل الحسن الجديد وهو لا يخرج عن ظاهر الآية من تبديل نفس السيئات حسنات، وان تذييل الآية بقوله تعالى (وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً) يدل على ذلك لأنه جعل التبديل من آثار المغفرة.
ومثاله الفقهي ما يحصل من تحوِّل الفعل المحرم إلى محلل بالإجازة اللاحقة، كمن أخذ مال غيره بغير رضاه فأنه فعل محرّم ولكن صاحب المال اذا أجاز الفعل لاحقاً صحّ وانتفت الحرمة وترتبت على البيع آثاره الصحيحة من حين وقوعه وهكذا وهذا الحكم الفقهي نقض على ما قالوه من ان الفعل لا ينقلب عما وقع عليه.
ولتقريب الفكرة نورد مثالاً من حياتنا وهو ما يحصل في الامتحانات المدرسية فقد يحصل الطلبة على نتائج متردية في امتحانٍ ما فيقول لهم الأستاذ انه سيعيد الامتحان فمن جاء بدرجة ناجحة كتبها له والغى السابقة تشجيعاً لهم فيحسب لهم الدرجة العالية وكأنها درجة الامتحانين ولا يخرج المعدل لهما وهذا ليس كثيراً على كرم رب العالمين ولا الأساتذة في المدارس أوسع منه تعالى فضلاً ورحمة بالعباد.
وينبغي الإشارة الى ان الروايات ذكرت موجبات عديدة لهذا التبديل.
(ومنها) ما في روضة الواعظين عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال (ما جلس قوم يذكرون الله الا نادى بهم منادٍ من السماء قوموا فقد بدّل الله سيئاتكم حسنات وغفر لكم جميعاً)[11] .
(ومنها) ما روي عن الامام الرضا (عليه السلام) قال (قيل يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) : هلك فلان، يعمل من الذنوب كيت وكيت ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : بل قد نجا ولا يختم الله تعالى عمله إلا بالحسنى ، وسيمحو الله عنه السيئات ، ويبدلها له حسنات إنه كان مرة يمر في طريق عرض له مؤمن قد انكشف عورته وهو لا يشعر فسترها عليه ولم يخبره بها مخافة أن يخجل ، ثم إن ذلك المؤمن عرفه في مهواه فقال له : أجزل الله لك الثواب ، وأكرم لك المآب ، ولا ناقشك الحساب فاستجاب الله له فيه ، فهذا العبد لا يختم له إلا بخير بدعاء ذلك المؤمن ، فاتصل قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) بهذا الرجل فتاب وأناب وأقبل إلى طاعة الله عزوجل فلم يأت عليه سبعة أيام حتى اغير على سرح المدينة فوجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أثرهم جماعة ذلك الرجل أحدهم فاستشهد فيهم)[12].
(ومنها) ما صرحت به جملة من الروايات من ان الايمان والعمل الصالح الموجبين لتبديل السيئات حسنات بحسب الآية الكريمة هما المتضمنان لولاية أهل البيت (عليهم السلام) والالتزام بهديهم وسنتهم ففي رواية الكافي بسنده عن الحلبي عن الامام الصادق (عليه السلام) قال (إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إن رب وعدني في شيعة علي خصلة ، قيل: يا رسول الله وما هي؟ قال: المغفرة لمن آمن منهم، وإن الله لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ، ولهم تبدل السيئات حسنات)[13] .
وروى الشيخ ابن قولويه في كامل الزيارات بسنده عن صفوان الجمال عن الامام الصادق (عليه السلام) رواية في فضل زوار الامام الحسين (عليه السلام) إلى ان قال (فاذا ارادت الحفظة أن تكتب على زائر الحسين (عليه السلام) سيئة، قالت الملائكة للحفظة : كُفيّ فتكف فاذا عمل حسنة ، قالت لها: اكتبي، أولئك الذين يبدل الله سيئاتهم حسنات)[14] .
وروى الشيخ في اماليه بسنده عن الامام الرضا (عليه السلام) عن آبائه (عليهم السلام) قال (قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : حبُّنا أهل البيت يكفرّ الذنوب ويضاعف الحسنات وان الله ليحتمل عن محبينا أهل البيت ما عليهم من مظالم العباد، الا ما كان منهم فيها إصرار وظلم للمؤمنين: فيقول للسيئات كوني حسنات)[15] .
وهذا الحديث مضافاً الى الآية الكريمة يقيّد الأحاديث المطلقة كالذي رواه الشيخ المفيد في الاختصاص بسنده عن أصبغ بن نباتة، أن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال له في حديث ((يا أصبغ، إن وليّنا لو لقي الله وعليه من الذنوب مثل زبد البحر ومثل عدد الرمل، لغفرها الله له إن شاء الله تعالى))[16].
فأن هذا المزايا تمنح لمن تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً بفضل الله تعالى فأن ولاية أهل البيت (عليهم السلام) لا تتحقق بالعواطف والادعاءات وانما لها حقيقة في عقيدة الانسان وسلوكه.
[1] - محاضرة القيت يوم الجمعة 26 /شوال/1441 الموافق 19/6/2020
[2] - الكافي:2/315 ح 5
[3] - كنز العمال: 4/127 ح 10327
[4] - الفرقان في تفسير القرآن: 21/53
[5] - الميزان في تفسير القرآن: 15/241
[6] - الميزان في تفسير القرآن: 15/241
[7] - المحاسن: 170 ح 136
[8] - الزهد: 91/ح 245 ، امالي الشيخ الطوسي: 1/70
[9] - تفسير نور الثقلين: 4/33 ، البرهان: 7/120 ح 13 عن صحيح مسلم.
[10] - بحار الأنوار: 9/330
[11] - روضة الواعظين للفتال النيسابوري: 391
[12] - بحار الأنوار: 5/155
[13] - الكافي: 1/368 ح 15
[14] - كامل الزيارات: 330 ح 5
[15] - الامالي: 1/166
[16] - البرهان في تفسير القرآن: 7/119 عن الاختصاص: 65