سماحة المرجع اليعقوبي يلقي خطبتي عيد الفطر المبارك

| |عدد القراءات : 4138
سماحة المرجع اليعقوبي يلقي خطبتي عيد الفطر المبارك
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save

 

بسمه تعالى

الاثنين 25/5/2020 م

1/ شوال /1441 هـ

سماحة المرجع اليعقوبي يلقي خطبتي عيد الفطر المبارك

أقام سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) صلاة عيد الفطر المبارك بمكتبه في النجف الاشرف، وألقى سماحته خطبتي صلاة العيد في جمع من كوادر مكتبه وبعض المؤمنين في النجف الاشرف مع مراعاة الضوابط الصحية والتباعد الاحترازي في ظل وباء كورونا.

وتطرق سماحته في الخطبة الأولى الى تفسير قوله تعالى : [أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ] (النمل : 62) مشيراً الى أن الآية تقع ضمن سلسلة من الاستفهامات الاستنكارية والإقرارية، فهي تخاطب مراتب عديدة وواسعة من الناس ابتداءً من المنكرين لوجود الله تبارك وتعالى إلى المتخذين أنداداً وشركاء له سبحانه ويزعمون أن بيدهم تدبير الخلق إلى الذين يؤمنون بالله تعالى ويشهدون له بالوحدانية إلا أنهم معرضون عنه عاصون له متمردون عليه في غفلة لا يستحضرون وجوده تبارك وتعالى .

وقد أوضح سماحته أن الآية تستنطق فطرة كل هؤلاء وتلفت نظرهم إلى هذه الحقيقة التي مهما أنكرها الإنسان بلسانه أو غفل عنها في حياته فإن وجوده وفقره واحتياجه الذاتيين ينطقان بها ، فالآية تقرّرهم بهذه الحقيقة كمقدمة للإيمان بالله تعالى وأنه وحده مدبّر الأمور، وبنفس الوقت تستنكر كفرهم وشركهم وتمردهم وهم بهذه الحاجة الحقيقية إلى الله تعالى، قال سبحانه: [وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ] (يونس : 12) ، وقال تعالى: [وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإِنْسَانُ كَفُوراً] (الإسراء : 67) .

وبينَّ سماحته ان الآية الكريمة تثير هذا الشعور العاطفي الوجداني لتقرّب الإنسان إلى الهداية والصلاح، وهو الأسلوب الذي اعتمده المعصومون (سلام الله عليهم) لإثارة الفطرة السليمة التي تدعو إلى الإيمان بالله تعالى والالتجاء إليه، مشيراً الى ان الإنسان يدرك بفطرته عند وقوعه في الضرّ والبلاء الخانق وتقطّع الأسباب عنه أن قوة غيبية حكيمة رؤوفة حاضرة عنده ومطّلعة على حاله، وهي قادرة على أن تمدّ يد الرحمة إليه وتنقذه ولا يعجزها شيء وتجيبه إذا طلب منها التدخل لإنقاذه ولا تنتظر من أحد جزاءً ولا شكوراً.

وأشار سماحته الى أن الآية الكريمة انما ذكرت مفردة [المُضطَرَّ] لأن الإنسان ينقطع في حال الاضطرار وتقطّع كل الأسباب والوسائل إلا الله تبارك وتعالى فتساعده هذه الحالة على تحقيق شرط إجابة الدعاء وهو التوجه الخالص الصادق إلى مَن بيده مقاليد الأمور فحينئذٍ يتطابق لسان مقاله بالدعاء مع حاله المتوجه فطرياً إلى الله تعالى، أي يتطابق الطلب التكويني بالفطرة مع الطلب التشريعي وهو التوجه بالدعاء حتى تتحقق الإجابة بإذن الله تعالى.

وذكر سماحته (دام ظله) أن الاضطرار حالة تقرّب المسافات في طريق التكامل وتؤهل العبد لمقامات عليا إن أحسن اغتنام هذه الفرصة، فالوقوع في الضرّ والبلاء وإن كان فيه مشقة على النفس وشعور بالضيق، إلا أن حالة الاضطرار الناتجة عنه نعمة على العبد، تعيده إلى الله تبارك وتعالى وتنقذه من الغفلة التي يقع فيها بسبب انهماكه في الأمور الدنيوية وهذا وجه لفهم ما ورد في حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: (الاضطرار عين الدين)" .

أما الخطبة الثانية فقد أشار فيها سماحته الى أحد الوجوه التفسيرية للجزء المتبقي من الآية الكريمة {وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ} ذاكراً ان الله تبارك وتعالى لا يخلّص الناس فقط من الضرّ الاجتماعي كتسلّط الأشرار وفقدان الأمن والعدالة الاجتماعية وانتشار الفوضى والظلم والفساد والخوف وانعدام فرص الحياة الحرة الكريمة، وإنما يجعل من -الثلة الصالحة- خلفاء الأرض وحكّامها ووارثيها كما خلّص بني إسرائيل من طغيان فرعون وأورثهم أرضهم وديارهم.

وفي ذات السياق بينَّ سماحته ان الله تبارك وتعالى جعل الإنسان خليفة له في أرضه [إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً] (البقرة:30) وسخر كل ما في الأرض من موارد وإمكانيات تحت تصرّفه وفي خدمته [وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لَّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ] (الجاثية:13) فكيف يغفل الإنسان عن ربِّه الذي أغدق عليه كل تلك النعم. ولذا يتساءل في نهاية الآية بتعجّب واستنكار من الغفلة عن الله تعالى الذي أفاض كل هذه النعم، قال تعالى: [أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ] (النمل:62).

وربَطَ سماحته بين هذا الوجه التفسيري للآية الكريمة وبين دلالة الرواية الواردة عن عمران بين الحصين[1]، والتي تشير الى الولاية الخاصة لأمير المؤمنين وضمان حكمه العادل الذي لا يبغضه مؤمن ولا يحبه منافق .

وأضاف سماحته " إن خلافة الله تعالى في الأرض التي وعد عباد الله الصالحون الواعون الرساليون بالتمهيد لها وممارستها وحمل لواء التوحيد مهمة عظيمة ومسؤولية شاقة يستشعرها أهلها" مشيراً الى ان الإمام المهدي المنتظر (عجل الله فرجه الشريف) هو المصداق الأكمل للآية الكريمة فهو المضطر الذي يجاب إذا دعا لأنه من (التامين في معرفة الله) وهو مستحضر لحقيقة الاضطرار والانقطاع إلى الله تعالى دائماً ، ولأنه (عليه السلام) واقع في أوسع ضرّ وألم وأذى بسبب ما يطّلع عليه من عصيان وتمرّد الناس وانحرافهم عن الحق والهدى حتى من المحسوبين عليه ، ولانتشار الظلم والفساد في البر والبحر، ولتألمه لما تعانيه البشرية خصوصاً أتباعه ومواليه من الظلم والعدوان والحرمان؛ لذا ورد في دعاء الندبة: (أين المضطر الذي يجاب إذا دعا) .

وفي ختام حديث سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) أكدَّ سماحته على ضرورة أن يعيش المؤمنون بصدق معنى الاضطرار لظهور الإمام (عجل الله فرجه) وإقامة دولته المباركة داعيا الى الدعاء والتوسل الى الله من أجل تعجيل ظهور الإمام (عليه السلام) فإن الآية المباركة ستجري حتماً [وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ] (الروم: 4) .

 



[1] - روى الشيخان المفيد في أماليه والشيخ الطوسي عنه في أماليه بالسند عن عمران بن الحصين قال: ((كنت أنا وعمر بن الخطاب جالسين عند النبي صلى الله عليه وآله وعلي عليه السلام جالس إلى جنبه إذ قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله: [أمن يجيب المضطر لما نزلت الآيات الخمس في طس: [أَمَّنْ جَعَلَ الأرضَ قَرَاراً] انتفض عليّ عليه السلام انتفاض العصفور، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله: ما لك يا علي؟ قال: عجبت -يا رسول الله- من كفرهم وحِلم الله تعالى عنهم. فمسحه رسول الله صلى الله عليه وآله بيده ثم قال: أبشِر فإنه لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق))- البرهان في تفسير القرآن: 7/173، ح4 عن أمالي المفيد: 307، ح5 وأمالي الطوسي: 1/75.