الفقه والمجتمع (فقه التعامل بالدولار)
الفقه والمجتمع
فقه التعامل بالدولار
س1: هل يجوز بيع الدولار بالآجل؟
ج: بسمه تعالى: يجوز بيع الدولار بالدينار بالآجل سواء كان المعجل هو النقد الوطني والمؤجل هو الدولار أو بالعكس بشرط ان لا يزيد الفرق عن 5 % لكل شهر من القيمة الفعلية لهما حين العقد فلو كان ثمن الورقة من فئة (100 دولار) مائتي ألف دينار بالسعر الحالي وأراد أن يبيعها بثمن مؤجل بعد شهر فيجوز له ذلك بشرط أن لا يزيد الثمن المؤجل عن (210) ألف؛ لأن الفرق المسموح أخذه هو (5%) أي : (10 بالمئتين) والعكس ممكن بأن يشتري منه ورقة ويسلمها بعد شهر بمبلغ محلي مقداره (190) ألف دينار يسلمه نقداً باعتبار أن سعرها الحالي هو (200 )ألف، فيمكنه أخذ فرق لا يزيد عن (10) آلاف دينار، ولا يجوز أخذ الزائد لمصالح اقتصادية واجتماعية وأخلاقية ملزمة ولا يجوز التفريط بها:
فالآثار السيئة من الناحية الاقتصادية : إن عدم جعل حد الربح في المعاملات النقدية يؤدي الى تكديس الثروة عند أصحاب رؤوس الأموال وسلبها من العاملين فينتفع واحد على حساب شريحة كاملة.
ومن الناحية الأخلاقية: يوشك أن يوقع في الربا وتؤدي الى الجشع والحرص، ويقطع سبيل المعروف ولا يبقى أحد يقرض قرضاً حسناً رغم ما فيه من الأجر حيث ان الصدقة بحسنة والقرض بثماني عشرة حسنة.
ومن الناحية الاجتماعية: فإنه يؤدي الى ضياع التكافل الاجتماعي والتعاون.
وهذه كلها ملاكات ضرورية للمجتمع يجب التصدي لدفعها انطلاقاً من قاعدة: (لا ضرر) وهي أولى من مراعاة قاعدة: (الناس مسلطون على أموالهم) و (حلّية التجارة عن تراض) بل هي عناوين ثانوية حاكمة على هذه الاحكام الأولية.
س2: لو حل الأجل ولم يقدر المدين على تسديد المبلغ وهو (210) آلاف دينار، فهل يجوز له تأجيله شهراً ثانياً ويدفع الفرق وهو (10) آلاف؟
ج: بسمه تعالى: لا يصح ذلك بنفس المعاملة الأولى بل لا بد من إنشاء معاملة ثانية بأن يقترض المدين مبلغ (210) ألف ويسلمه الى البائع الأول لينهي العقد الأول، ثم يشتري منه ورقة جديدة بالآجل بـ(210) آلاف دينار فيبيعها نقداً بـ(200) ألف ويضيف إليها (10) آلاف دينار من جيبه الخاص ويعيدها الى المقرض فتكون النتيجة انه دفع الفرق وهو (10) آلاف الى البائع الأصلي وبقيت ذمته مشغولة بورقة له، ولا تستغرق العملية أكثر من دقيقتين ينتقل الانسان بها من جهنم الى الجنة، لأنه يحول الحرام الى حلال.
س3: يدعي بعضهم أنه يؤجر ورقة فئة (100) دولار بكذا مبلغ شهرياً فهل تصح هذه المعاملة؟
ج: بسمه تعالى: لا يصح مثل هذا العقد، لأنه من شروط الإجارة بقاء العين المستأجرة والاستفادة من منافعها: كالدار يستفاد من سكنه مع بقاء الدار، أما الموارد التي لا يستفاد منها الا بذهاب العين واتلافها: كالطعام فلا يمكن استئجاره لأن الانتفاع به هو الأكل ومعه لا تبقى العين ومن ذلك ورقة الدولار فإنه لا ينتفع بالعين إلا بذهابها بالبيع والشراء والإقراض ونحوه، فالمال المأخوذ بهذا العقد لا مشروعية له.
س4: لو أخذ شخص مقدار أزيد من (5%) فما هو حكم هذه الزيادة؟
ج: بسمه تعالى: إذا كان آخذ الزيادة يعرف أصحابها الذين أخذها منهم فليسترضهم أو يعيدها إليهم، وإن لم يعرفهم فليدفعها بعنوان رد مظالم الى الحاكم الشرعي أو يوزعها على الفقراء المؤمنين.
س5: هل يمكن تشغيل ورقة أو أكثر من عملة الدولار مقابل مبلغ مقطوع يدفعه العامل بهذه الاوراق في السوق ويشترط صاحب المال عدم دخول الخسارة على ماله؟
ج: بسمه تعالى: هذه المعاملة ليست مضاربة بالصيغة الشرعية الكاملة التي تفترض على العامل أن يتاجر بالمال، ويتفقان على تقاسم الربح بنسب معينة بين العامل وصاحب رأس المال كالنصف والثلث والربع، وهي الصيغة الأمثل للعمل التجاري، لكن أصحاب السوق لا يفضلونها لتداخل رؤوس الأموال و صعوبة فرزها وحساب أرباحها، ويلجأون الى إعطاء الربح المقطوع وهي عملية صحيحة وفق الشروط التالية:
1- أن يبقى المال على ملك مالكه الأصلي ولا ينتقل الى العامل كما لو أقرضه إياه فإن آخذ المال يملكه بلا اقتراض فلا يحق للمقرض أن يأخذ شيئاً زائداً، أما في الصيغة الصحيحة للمعاملة المذكورة في السؤال فإن المال يبقى على ملك مالكه بحيث أن العامل لو سئل عنه يجيب: هذا مال فلان وأنا أعمل به.
2- لا بد أن يتّجر العامل به ويشغله فلا يجوز مثلا أن يشتري بهذا المال حاجة للاقتناء كإطارات لسيارته أو آلات أو معدات ويدفع مبلغاً شهرياً لصاحب المال بل لا بد أن يستربح به بالتداول.
3- أن يكون المبلغ المتفق على إعطائه شهرياً مضمون الحصول عليه كربح شهري لهذا المبلغ غالباً، أي ان المبلغ المسلم يربح بحسب المعتاد أزيد من المقدار المتفق على إعطائه شهرياً.
4- أن يتم دفع المبلغ بعد ظهور الربح فلو لم يظهر الربح لا يحق لصاحب المال أن يطالب بشيء وحينئذٍ يمكن توجيه صحة هذه المعاملة بعدة أشكال (أحدها) : أن يتفق صاحب رأس المال والعامل على توزيع الربح بينهما بالمناصفة ونحوها ثم بعد ظهور الربح في رأس كل شهر يتصالحان بأن يدفع العامل الى صاحب المال إزاء حصته من الربح.
س6: هل يمكن إجراء عقود البيع على البضائع كالسكائر والاقمشة والأدوات الاحتياطية بسعرين فيقول له: ان هذه العلبة بكذا دولار موديل 1996 وكذا دولار موديل 1988؟
ج: بسمه تعالى: لا بأس به بشرط حسم المعاملة بأحد الشكلين وعدم ترك الثمن مردداً بينهما، لأن التردد يبطل المعاملة.
س7: هل يجوز بيع الدولار بالآجل بزيادة وقبض الزيادة فوراً حين العقد وتأجيل دفع الباقي عند حلول الأجل؟
ج: بسمه تعالى: لا بأس به ويكون دفع المقدار حين العقد من باب تقديم جزء الثمن أي: ما يسمى بـ(المقدمة) أو (العربون) ويكون دفع هذا المقدار حين العقد من باب المقدمة وجزء الثمن.
س8: هل يمكن لصاحب رأس المال في السؤال رقم (5) أن يشترط على العامل عدم تحمل الخسارة من رأس المال لو حصل؟
ج: بسمه تعالى: يمكنه ذلك وإذا رضي به العامل وجب عليه تدارك الخسارة من جيبه الخاص.
س9: هل يصح ما يسمى في السوق بـ(بيع الهواء) بأن يشتري شخص مقداراً من الدولارات بمقدار من الدنانير من دون أن يسلم أحدهما الآخر حقه وإنما يملك المبلغ على ذمة الآخر ثم يبيع أو يشتري كل منهما حقه في ذمة الآخر الى طرف ثالث، فمن اشترى (100) دولار من شخص بـ(180) الف دينار وهو لم يسلم الدنانير ولا تسلم الدولارات ثم يبيع ما استحق من الدولارات الى ثالث فإذا صعدت قيمة الورقة الى (185) ألف فإنه يقبض الفرق وهو خمسة آلاف دينار من المشتري الجديد ويحيل الطرف الأول وهو مستحق الـ(180) ألف دينار على المشتري الجديد ليقبضها منه، واذا نزلت قيمة الورقة الى (175) ألف مثلاً فإنه يدفع الفرق (5)آلاف الى المشتري الجديد ليكمل المبلغ (180) ألف دينار ويدفعها الى الأول؟
ج: بسمه تعالى: هذا البيع ليس صحيحاً لأن الفقهاء يشترطون في صحة البيع المعاطاتي (وهي البيوع الحاصلة في السوق) أن يقبض أحد العوضين على الاقل كالدنانير او الدولارات ليلزم البيع، اما من دون ذلك فالبيع غير ملزم ويستطيع أي منهما التراجع عنه وعدم الالتزام بدفع ما تحقق بذمته الى الآخر ومثل هذا البيع قد توجد طريقة او اكثر لتصحيحه إلا انني لا اجد مبرراً لذلك، فيجب ترك مثل هذا التعامل.
نصيحة وموعظة:
لا بد للاخوة المؤمنين من التفقه فيما يتعلق بمسائل عملهم، فإنهم إن لم يفعلوا ذلك سقطوا في المخالفة الشرعية من دون أن يشعروا وتورطوا في ظلم الناس وأخذ أموالهم من غير استحقاق، وظلم الناس ذنب لا يتركه الله تبارك وتعالى ولا ينفع الندم ولا الأرصدة الكبيرة حين (يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً* يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً) وهم أصدقاء السوء الذين يزينون فعل المعصية وتزيين الدنيا في عين الشخص حين يقع في حبائل الشيطان، فاتقوا الله وعودوا إليه (يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً). وخصوصاً في بيع العملات فإنه مكروه لأنه يجرّ صاحبه الى الربا وهو ما نجده متحققاً في أرض الواقع كالحالات الواردة في السؤالين الثاني والتاسع، والله المستعان وعليه نتوكل وإليه ننيب.
محمد اليعقوبي
16/ج2/1426