ثقافة دستورية (الحلقة الأولى)
ثقافة دستورية (الحلقة الأولى)
بسم الله الرحمن الرحيم
قسّمت لجنة صياغة الدستور فصوله على لجان: فواحدة للمبادئ الاساسية، وأخرى للحريات والحقوق العامة، وثالثة لمؤسسات الحكومة المركزية، ورابعة لمؤسسات حكومات المحافظات، وخامسة لاختصاصات كل منها، وسادسة للضمانات الدستورية، وسابعة للأحكام الختامية.
وتقوم هذه اللجان بإعداد مسودّة هذه الفصول وتبنّي الآراء المتوافقة. اما المختلفة فترفع إلى لجنة صياغة الدستور للبت فيها حيث تذكر فيها الخيارات المعروضة.
وقد عرضت على سماحته مسودات هذه الفصول وكتب عليها عدة هوامش وتعليقات نذكر بعضها للاستفادة.
1- (السيادة للشعب وهو مصدر السلطات ويمارسها ويصونها بواسطة أنظمته الدستورية). ليس الشعب مصدراً لكل السلطات، فالسلطة التشريعية بمعنى مرجعية القوانين ليست له وإنما للإسلام. فلو أجمع البرلمان - من باب فرض المثال - على إباحة زواج المثليين أو تشريع العلاقات الجنسية خارج العلاقة الزوجية، أو تسوية الولد والبنت بالميراث، أو إلغاء عقوبة الاعدام للقصاص من القتلة والمفسدين، فلا قيمة لهذا الاجماع.
2- (الإسلام دين الدولة الرسمي ومصدر اساسي للتشريع، ولا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابته المجمع عليها، ولا مع مبادئ الديمقراطية والحقوق الواردة في الباب الثاني من هذا الدستور، ويحترم هذا الدستور الهوية الإسلامية لأغلبية الشعب العراقي، ويضمن كامل الحقوق الدينية لجميع الأفراد في حرية العقيدة والممارسة الدستورية).
والتعليق هنا من جهتين:
أ- لا ينبغي ان يكون قيد (ثوابته المجمع عليها) للدخول إلى مخالفة الشريعة باللعب على الاختلافات الاجتهادية لأن هذا الاختلافات مهما كثرت فتبقى صورة واضحة المعالم للمجتمع المسلم لا يمكن تشويهها لأن كل فقيه قد تكون نسبة الخطأ عنده (20٪) فالمتلاعب بالأحكام يستطيع ان يأخذ من كل فقيه هذه الـ (20٪) الشاذة فيجمع نظاماً لا يمتّ إلى الإسلام بصلة فلابد من تعديل القيد إلى (المشهورة لدى الفقهاء) لكيلا تكون الآراء الشاذة منفذاً للتلاعب بالأحكام.
ب - إن إدخال جملة (ولا مع مبادئ الديمقراطية) في هذه الفقرة بالذات تثير شكوكاً ومخاوف من أن يكون المراد من ذكرها جعل هذه المبادئ حاكمة على التشريعات الإسلامية، بمعنى أن القانون المطابق للشريعة يمكن ان يلغى لأنه مخالف للديمقراطية من وجهة نظرهم، وبتعبير آخر: أنه يعطي الفرصة لسنّ قوانين مخالفة للشريعة بالاستناد إلى هذا القيد باعتبارها من حرية الأفراد. فمثلاً لا نستطيع ان نمنع العري وممارسة الفاحشة علناً رغم أنها مخالفة للإسلام باعتبار ان المنع منها مخالف لمبادئ الديمقراطية. فلابد أن تكون فقرة استناد التشريعات إلى الإسلام والمنع من سنّ أي قانون مخالف للثوابت المشهورة بين فقهاء المسلمين مطلقة وليست محكومة لأي فقرة أخرى.
3- في باب الحقوق والواجبات والحريات العامة والخاصة وردت المادة (5) ونصها: (يتمتع أولاد المرأة العراقية الجنسية العراقية وفقاً للقانون) وهي مرفوضة بإطلاقها ومخالفة لقوله تعالى: (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ)(الأحزاب: من الآية5)، فالذرية تنتسب - في سائر ألقابها وأسمائها - إلى الأب، وورد في الفقرة (7) ما نصه: (تمنح غير العراقية المتزوجة من العراقي الجنسية العراقية بعد مرور خمس سنوات من زواجها) وهو مما لا داعي له فإن العراقي له هوية خاصة من الانتماء الوطني والاعراف والتقاليد والأخلاق وهي لا تتحقق بمجرد السكن خمس سنين في العراق ولسنا نحن كدول الغرب حتى نستنسخ قوانينهم في التجنّس فإنهم لا يمتلكون مثل تركيبتنا الاجتماعية وتماسكنا وعلاقاتنا الاجتماعية.
ويمكن التعويض عن الفقرتين (5) و (7) بمادة جامعة نعرضها كأطروحة (تمنح الجنسية العراقية لمن ولد في العراق وعاش فيه حتى سن الرشد وكان أحد والديه عراقياً والآخر قد سكن العراق خمس سنوات على الأقل قبل الزواج).
وورد في المادة (4) من نفس الباب: (يحق للعراقي ان يحمل أكثر من جنسية) فلابد ان تقتصر على العراقي الذي يعيش الانتماء للوطن فنسمح له بحمل جنسية أخرى ولا تشمل الذي يحمل جنسية أخرى ويعيش الولاء لها ثم يمنح الجنسية العراقية إما ابتداءً وفقاً لبعض المواد في الدستور أو إعادةً بعد سحبها منه لسبب أو لآخر.
4- وورد في المادة العاشرة من نفس الباب، الفقرة (ب) ما نصّه: (الملكية الخاصة مصونة فلا يمنع أحد من التصرف في ملكه إلاّ في حدود القانون، ولا ينتزع عن احد ملكه إلاّ لأغراض المنفعة العامة) وهذا مبرر غير كافٍ، فإن وجود منفعة عامة لا تبرر انتزاع الملك الشخصي إلاّ بإذنه. نعم، لو توقف دفع ضرر عام على ذلك جاز فلابد من تغيير الفقرة إلى (إلاّ لأغراض دفع الضرر العام) مع اشتراط التعويض العادل طبعاً كما نصّت الفقرة.
15 /ج2/ 1426