إقامة علاقات مع الطالبات لهدايتهن
إقامة علاقات مع الطالبات لهدايتهن
سماحة الشيخ محمد اليعقوبي (دام عزه)
هل يجوز أقامة علاقة مع الطالبات في الكليات بهدف أمرهن بالمعروف ونهيهن عن المنكر وربطهن بالخط الحوزوي الصحيح وبث الوعي الديني فيهن من خلال إعطائهن الكتب والكراسات التي تفي بهذا الغرض والدافع إلى إقامة هذه العلاقة هو عدم وجود من يقوم بهذا الواجب من المحارم أو النساء الاخريات سواءً من الطالبات في الكلية أو خارجها علماً ان هناك كثيراً من الطلبة الذكور من هم بحاجة ايضاً إلى اقامة مثل هذه العلاقة لنفس الغرض ولا يمكن ان تتحقق هذه الغاية إلاّ باللقاءات في المكتبة أو في ساحة الكلية أو في الممرات مما يترتب على ذلك اساءة الظن من قبل اكثر الطلبة.
ولكننا نعتقد ان فرصة الرجال اكبر من فرصة النساء في هذا الصدد لاستطاعتهم الخروج والاتصال المباشر بالحوزة والحوزويين، ونحن نجد في تلك الطالبات جهل كبير بأمور الشريعة وكذلك في نفس الوقت نجد تقبل كبير منهن ورغبة شديدة في الاستزادة من علوم آل محمد (ص) وقد علق احد فضلاء الحوزة الشريفة على الفكرة المذكورة في أعلاه بانها فكرة جديدة وجديرة بالنظر وانها قد تكون مما يشجع عليه الشيخ اليعقوبي لانها تسير في طريق بث الوعي الديني في المجتمع.
ولدكم محمد العبيدي
بسمه تعالى:
ان مزالق النفس الانسانية مما يخفى حتى على صاحبها لذا شبه الحديث الشريف الرياء بانه اخفى من دبيب النمل بين الصفا اي الصخور في الليلة الظلماء وبين ايدينا قصة ذلك الرجل الذي قضى صلاة ثلاثين سنة لانه كان يصلي طيلة تلك الفترة في الصف الاول وفي يوم جاء متأخراً فصلى في صف متأخر فشعر داخل نفسه بالخجل انه لم يحضر مبكراً فيحصل على مكان في الصف الاول وحينئذٍ تأمل في حاله طول تلك الفترة وانكشف له انه كان راضياً على نفسه معجباً بها اذ كان مواظباً على الصلاة في الصف الاول ولم ينكشف له ذلك إلاّ بهذا الاختبار وقد وضع اهل الاخلاق والمعرفة امتحانات للنفس ليختبر صدقها واخلاصها لله تعالى وعلى الإنسان المطالب للكمال ان يعرض نفسه على هذه الاختبارات ليقومها ويهذبها وينال القرب من الله وأنا عندما اذكر هذه المقدمة لا اريد ان اشكك بإخلاص صاحب هذه الفكرة وغيرته على الدين والمؤمنين وحبه لهداية الناس جميعاً إلى الخير، لكن يا عزيزي ان النفس لأمارة بالسوء إلاّ ما رحم ربي فلا تطمئن إلى مكرها ، فأقول لهذا الشخص الغيور: ان كان مهتماً بأمر المرأة وانها نصف المجتمع فهل فكر بإصلاح اخته وأمه وعمته وخالته وابنة أخيه وابنة أخته وهل فرغ من إصلاحهن حتى يكون متحمساً لهذه الدرجة لتكوين (علاقة) مع الطالبات وهدايتهن وهل فرغ من إصلاح الطلاب الذكور أو سعى في ذلك على الاقل قبل ان يفكر في الطالبات وما عسى ان ينفع كون فرصتهم للاتصال بالحوزة اكثر إذا كانوا منقطعين عملياً عن الحوزة وبعيدين عن سماع كلمة الحق.
وقد اوصف بالتزمت والتشدد حينما ارفض هذه الفكرة لكن هذا هو ادب أهل البيت (ع) الذي ربونا عليه وفيه مصالح نفسية واجتماعية وروحية قد تسنح لنا فرصة اخرى لبيانها لاني اعتقد ان فهم أسرار التشريع عامل مهم للاندفاع نحو التطبيق واذا كان أمير المؤمنين (ع) لا يسلم على الفتاة الشابة خشية ان يدخل في قلبه شيء من سماع صوتها إذا ردت السلام، وذم اهل الكوفة ووبخهم لانه سمع ان نساءهم تخرج إلى الاسواق وتختلط بالرجال وذكر في سيرة العقيلة زينب (ع) إذ كانت تخرج لزيارة امها الزهراء (ع) يسبقها أبوها أمير المؤمنين (ع) فيطفئ قناديل المسجد وتخرج محاطة بأخويها الحسنين (ع)، هذا غير كلمة الزهراء (ع) عندما سألها أبوها (ص) عن افضل خصلة في المرأة فقالت (ع): ان لا ترى رجلاً ولا يراها رجل.
وجرى على هذا ديدن العلماء والمؤمنين المتشرعين ومنه نعرف ان الاصل هو منع الاختلاط إلاّ إذا دعت الضرورة الدينية والاجتماعية أو العقلائية إلى ذلك اما الذكور في السؤال فإنه مرحلة وراء الاختلاط، انه يتحدث عن (علاقة) بين الجنسين بكل ما تعني العلاقة من الانفراد والاسترسال في الاحاديث والانبساط في المشاعر مما يحرك القلوب ويجعلها تخفق (بالحب) و (الانجذاب) قبل ان يحرك العقول لتعي احاديث الهداية التي يريد إيصالها لها، وما الفرق بين حال المؤمنين والفسقة حينئذٍ؟ إن الغاية لا تبرر الوسيلة على عكس ما يقوله الوصوليون والانتفاعيون وانا اضم صوتي إلى كل من يريد الخير والصلاح للمجتمع لكن بالوسائل النظيفة العفيفة الطاهرة التي تسكب الطمأنينة والسعادة على القلب والضمير لا الاساليب الملتوية التي تخسرنا اكثر مما نربح، ومع ذلك فلكي لا اسدّ المنافذ كلها على الطالبات اللواتي يراد هدايتهن فأقدم هنا بعض الوسائل :
1 - ان الدور الرئيسي لهداية الطالبات موكول إلى المؤمنات منهن فإن اتحاد الجنس بينهن يجعل فرص التفاهم بينهن اكبر، ولا اعتقد ان شريحة ما تخلو من وجود مؤمن أو أكثر بينها.
2 - اتخاذ طريق الكتابة فيستطيع ان يوصل أي فكرة أو مسألة شرعية أو توجيه لحالة معينة من خلال كتابة ورقة وتسليمها اليها كما يسلمها المحاضرة أو كتاب مفيد ويتسلم الجواب بنفس الطريق.
3 - عقد ندوات عامة يشترك فيها عدد من الطلاب والطالبات فإن عموميتها تقلل من المحاذير التي ذكرناها، وليعلم أحبائي الطلبة إني شاعر بالصعوبات التي يعانونها لكن ذلك مما يعظم أجرهم عند الله تعالى، فإن الثواب يزداد والدرجة ترتفع كلما كانت الصعوبات أكثر والبلاء أشد والحياة فرصة للازدياد من الطاعة والقرب من الله تعالى وما علينا إلاّ تقوية إرادتنا وعزمنا على الطاعة والباقي على الله تبارك وتعالى فإن معونته للعبد تزداد كلما اشتد البلاء، أسأل الله تعالى ان يوفقنا لطاعته ويجنبنا معصيته انه ولي النعم .
محمد اليعقوبي