حضور الملايين وطلبة الجامعات في زيارة الأربعين أفضل رد على عرقة العملية السياسية (خطاب المرحلة (73))
المرجعية وخطابات المرحلة (73)
حضور الملايين وطلبة الجامعات في زيارة الأربعين أفضل رد على عرقة العملية السياسية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على اكمال الدين واتمام النعمة بولاية النبي وآله الاطهار صلى الله عليهم اجمعين.
مرَّ الشعب العراقي بتجربتين لتشكيل الحكومة خلال أقل من عام:
الأولى: في حزيران عام 2004 وترأسها الدكتور اياد علاوي وهي التي تعرف بالحكومة المؤقته.
الثانية: افرزتها نتائج الانتخابات العامة التي جرت في الثلاثين من كانون الثاني عام 2005 وهي التي تعرف بالحكومة الانتقالية.
وبالرغم من ان الاولى لم تكن شرعية وفرضتها قوات الاحتلال الا انها مرّت بكل انسيابية ومن دون أي مشكلة وباسرع وقت.
اما التجربة الثانية، فقد كانت شرعية مئة بالمئة لانها استندت إلى اختيار الشعب الذي هبَّ بشكل منقطع النظير وتحدى الارهاب الذي اعلن الحرب العامة ضد من يشارك فيها وانتزعها بجهاده ودمه من المتسلطين الذين لهم مشروعهم المعد سلفا وبالرغم من هذه الشرعية الا ان شهرين مرا ولم تحقق هذه الخطوة الاولى اعني اختيار رئيس للجمعية الوطنية المنتخبة !! الا يوحي ذلك إلى ان مؤامرة كبيرة تحاك ضد هذا الشعب وان صراعاً بين قوى دولية واقليمية تتخذ من هذه الارض المباركة مسرحاً لها من اجل تحقيق مصالحها ومآربها على يد اتباعهم ودماهم المتحركة الذين يستجدون ارزاقهم منهم وعليهم ان ينفذوا بدقة ما يأمرهم به اسيادهم، اما الشعب المضطهد المحروم الذي يريد ان ينهض من جديد فلا أحد يفكر به ويعمل من اجله الا ان يلتفت هو إلى عناصر قوته فيستثيرها ويستجمعها ويوظفها لقول كلمته الفاصلة ووقفته الشجاعة.
إنهم حينما اطالوا امد المفاوضات والمشاركات لتشكيل الحكومة إنما ارادوا ان يهزموا هذه الامة ويسلبوا منها انتصارها ويلووا ذراعها حتى تشعر باليأس والاحباط والاستسلام فحذارِ ان تحقق الامة لهم اهدافهم وقد نبههم الله تعالى إلى قوتهم وسموا مبدأهم فقال عز من قائل (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ )(آل عمران: من الآية139) وانما تكونوا اعلون:
أولاً: باخلاصكم لله تعالى وتطبيقكم الكامل للشريعة قال تعالى (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) (الأعراف من الآية:96).
وثانياً: بوحدتكم وتآلفكم وتعاونكم قال تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا)(آل عمران: من الآية103).
وثالثاً: بتنظيمكم لاموركم وحشد طاقاتكم قال تعالى (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ)(لأنفال: من الآية60) وقال تعالى (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)(آل عمران: من الآية104)، والامة هي الجماعة المنظمة التي تتوحد على هدفٍ معين ومصلحة مشتركة وقال امير المؤمنين (اوصيكم عباد الله بتقوى الله ونظم اموركم).
ورابعاً: بالتفافكم حول قيادتكم الرشيدة وطاعتكم لها قال تعالى (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا)(المائدة: من الآية55) والعلماء الفقهاء العدول هم ورثة المعصومين (عليهم السلام).
وخامساً: بوعيكم وبصيرتكم وحكمتكم قال تعالى (وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ)(الحاقة: من الآية12).
وسادساً: بحضوركم الفاعل والمستمر في الساحة بلا كلل أو ملل قال تعالى (يَا أَيُّهَا الأِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ) (الانشقاق:6) وقال الامام (عليه السلام) (احيوا امرنا رحم الله من احيا امرنا).
انها مواجهة ذات محاور عديدة وخنادق متعددة والعملية السياسية واحدة من تلك المواجهات التي تحتاج إلى وعي عميق وحكمة دقيقة وحضور فاعل ومستمر في الساحة إنهم يشعرون بالخيبة والخسران حين عجزوا عن اختراق الامة وتغيير معالم شخصيتها ويحاولوا بشتى الطرق ان يعيقوا انبعاثها وانطلاقها نحو الحرية والكمال.
ومن هنا كانت الحشود المليونية التي زحفت سيراً على الاقدام إلى كربلاء المقدسة وقطع بعضهم مئات الكيلومترات لم يصحب احدهم طعاماً ولا فراشاً ومع ذلك فلم يحتج إلى شيء لان الشعب بكل فئاته هبَّ لانجاح هذه الفعالية المباركة وحتى ان بعض الاخوة المسيحيين شاركوا في تلك المسيرات لانهم يعلمون ان الامام الحسين (عليه السلام) ليس رمزاً وأسوة للمسلمين فقط وإنما للانسانية جمعاء وسيظل الامام الحسين مدرسة للاجيال ما دام هناك ظلم قائم وفئة مستئثرة وحق مهتظم وتسلط بغير حق وإقصاء لاولياء امر الامة الحقيقيين.
ان هذه المشاركة افضل ردٍ توجهه الامة لهؤلاء الذين يريدون سرقة انتصارها في يوم الانتخابات وليكسروا ارادتها حتى تستسلم لما يريدون ولكنها اثبتت ان ارادتها لا تلين وانها مستعدة لكل التحديات كما واجهت من قبل بطش صدام الذي لم يشهد مثله شعب عبر التاريخ والجغرافيا وانها تبقى تطالب بحقوقها بلا كلل أو ملل.
وكان من اروع ما تضمنته هذه المناسبة الموكب الحاشد المهيب لطلبة الجامعات والمعاهد العراقية الذي قدرت اللجنة المكلفة من رئاسة جامعة بابل بتنظيم المناسبة عددهم بخمسة وثلاثين الفا تجمعوا في مدينة الحلة ليواسوا اهلها وكل الشعب العراقي المفجوع بالابرياء الذين سقطوا شهداء وجرحى نتيجة جرائم الطائفية الحاقدة والتكفير الاعمى وطمع عباد الهوى والشيطان وليوجهوا رسالة إلى الاشقاء من دول الجوار الذين يغذون الارهاب ويوجهونه ويمدونه وليثبتوا انتماءهم إلى الاسلام والى مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) بعد ان حاول الاعداء النفخ في حادثة السفرة الطلابية لكلية الهندسة في جامعة البصرة والتي استدرج فيها الطرفان لتصرفات سيئة كان الهدف منها تسقيط سمعة الاسلام والتنفير من نظامه السامي والايحاء بانه غير حضاري ويستخدم العنف لتطبيق برامجه فجاءت هذه الجموع الهائلة من كل جامعات العراق لتبرز هويتها الاسلامية الاصيلة ولتثبت ان الشعائر الحسينية ليست انفعالات وردود فعل عاطفية هوجاء لا معنى لها وإنما هي مدرسة يستلهم منها العلماء والمفكرون وطالبوا الفضيلة كل معاني السمو والكمال وبهذا وغيره من عناصر القوة اكتسب موكب طلبة الجامعات اهميته لانه منظم اولاً وذو اهداف محددة وواضحة ثانياً ولانه يمثل شريحة علمية ثقافية مهمة في المجتمع وهذه الامور حينما تصدر من مجموعة ولو قليلة فانها اكثر تأثير في قلوب الاعداء من عملية غير منظمة مهما كثر عدد افرادها.
فحق لنا ان نفتخر بكل الذين احيوا زيارة الاربعين وساهموا في اظهارها بهذه العظمة والعزة التي تليق بريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسبطه وسيد شباب اهل الجنة وموقفه الانساني النبيل.
محمد اليعقوبي
النجف الاشرف / 20 صفر 1426