ماذا بعد الانتخابات (خطاب المرحلة/71)
خطابات المرحلة/71
ماذا بعد الانتخابات
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والحمد حقه كما يستحقه حمداً كثيراً واعوذ به من شر نفسي ان النفس لامارة بالسوء الا ما رحم ربي.
يتصارع على ارض العراق معسكران:
الأول: قوى الاحتلال التي جاءت لتحقق مصالح ستراتيجية لها حسبتها وفق المعلومات الاستخباراتية التي وصلتها وأعدت لذلك مشروعاً ذا حلقات ومراحل يولد السابق منها اللاحق ويبقى الأصل واحداً.
الثاني: خليط غير متجانس ايدلوجياً ضم الصداميين والمنتفعين من وجودهم الذين يحلمون بالعودة إلى التسلط واستعباد الشعب والاستئثار بثرواته وسوقه إلى الحروب والمقابر الجماعية والمعتقلات والتخلف والجهل وضم التكفيريين والطائفيين الذين غاظهم واشعل نار حقدهم ارتفاع صوت الحق على ارض المقدسات وهم الذين حاولوا كبته وخنقه قروناً ويخافون ظهوره لانه يهدد كياناتهم المبنية على الخداع والتضليل والتشويه وتحمس لدعم هؤلاء عدد من الدول الاقليمية الشقيقة للعراق في الدين والعروبة خافوا انبعاث الشعب العراقي وانطلاقته نحو الحرية مما سيدفع شعوبهم إلى التأسي به فسعت إلى افشال حركته أو انهم ارادوا حماية بلدانهم وشعوبهم من جرائم الارهابيين فزينوا لهم (الجهاد) على ارض الرافدين رغم امتلاء بلدانهم بالقوات الامريكية أو انهم ارادوا ان يصنعوا من اشلاء اطفال العراق ونسائه الابرياء وحلاً يعرقل العجلة الامريكية عن الوصول اليهم فاجتمع كل هؤلاء على الاستخفاف بدماء العراقيين وحقوقهم الانسانية في الحياة الآمنة المستقرة.
في هذه الحرب الظالمة كان تكليف الشعب العراقي شرعاً وعقلاً هو الاحتفاظ بقوتهم البشرية والمادية وعدم زجها في هذه المحرقة واستثمار اجواء هذه المواجهة وتداعياتها لنشر الوعي وتوسيع مساحة العمل الاسلامي المبارك ومداواة جراح العراقيين واعادة بناء البلد واصلاح بنيته الفكرية والاخلاقية والاجتماعية والاقتصادية ومعالجة الفساد الضارب باطنابه، وهو الموقف الذي نبهنا الامة اليه قبل ان تطأ اقدام المحتل ارض العراق حينما تصاعدت حمى التهديدات بغزو العراق وانقسمت القيادات العراقية بين من يدعو إلى مقاومة المحتل الكافر وان كان في ذلك نصرة لصدام المجرم واطالة لعمره وبين من يدعو إلى التعاون مع المحتل الكافر الذي اعلنها حرباً صليبية على الاسلام من باب دفع الافسد بالفاسد ونبهنا إلى خطأ كلا الموقفين رغم ان مثل هذا الحياد الايجابي كان يكلفنا حياتنا في ظل النظام الجائر الذي اعلن (لا حياد في الحرب فمن لم يكن معنا فهو ضدنا) والكل يعرف ما هو تصرف جلاوزة صدام فيمن يحسبونه ضدهم لكننا اتخذنا ذلك الموقف واعلناه حماية للمؤمنين وحرصاً عليهم وهم الثلة المؤمنة خلاصة جهاد وجهود ودماء وتضحيات علمائنا الابرار وشبابنا الرسالي.
لذلك ما اسرع ما تهاوى الطاغوت بالشكل المذل المهين الذي فاجأ العالم وهذا الموقف مأخوذ من سيرة أئمتنا الطاهرين وعلمائنا الصالحين فقد مر مثله في عهد الامام الصادق (عليه السلام) خلال الصراع بين العباسيين والامويين وفي عهد الامام الرضا (عليه السلام) حين تنازع الاخوان المأمون والأمين على الملك وفي عهد الفيلسوف الفقيه الخواجه نصير الدين الطوسي والمحقق الحلي حين اسقط المغول الخلافة العباسية المتهرئة.
وظل ذلك هو الموقف من مواجهة هذين المعسكرين التي امتدت بصيغ جديدة واعطت لنفسها صيغاً من المشروعية لايهام السذج ودفعهم وقوداً للمعركة ولكن الحرب هي هي لم تتغير اهدافها وان اختلفت آلياتها فاصبحت سيارات مفخخة تستهدف المساجد والشعائر الحسينية وتجمعات الاطفال وحزاماً ناسفاً يتفجر وسط طابور الناخبين الذين اصطفوا ليصوتوا للحرية والانعتاق من عبودية الطواغيت واغتيالات طالت علماء الدين ورموز الفكر والاساتذة الجامعيين والادارات الكفوءة ويسمون كل ذلك (مقاومة) تتبجح بها وسائل الاعلام المأجورة والحاقدة.
وبقيت المرجعية الرشيدة على موقفها الحكيم ففي الوقت الذي استمرت فيه بمطالبتها باحترام ارادة الشعب العراقي واعادة سيادته اليه وتمكينه من ممارسته لحقوقه المشروعة عبر الاليات المتنوعة لم تنجر إلى المحرقة التي يريد ان يؤججها المعسكر المقابل الذي لا يقل جريمة ووحشية وغدراً عن قوات الاحتلال.
وتوج هذا العمل المبارك بهزيمة المعسكرين حيث انصاع المعسكر الأول لمطلب المرجعية في اجراء انتخابات عامة حرة نزيهة يتمكن فيها الشعب من اختيار ممثليه الذين يعبرون عن ارادته بالرغم من مماطلة هذا المعسكر وتسويفه تحت ذرائع امنية وتقنية لانه كان يريد للعراق ان يخضع لمشروعه الذي جاء به اما الانتخابات فانها ستظهر انتماء هذا الشعب للاسلام وللمرجعية الرشيدة وسيحول العلاقة من تبعية مذلة إلى علاقة ندية تقوم على اساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة بعد ان اثبت الشعب وعيه وقدرته على التكيف على احدث التجارب السياسية وانضجها وابداها بالشكل الذي اذهل العالم وهزم المعسكر الثاني حيث كشف زيف مقاومته المزعومة وظهر انه عدو الشعب وانه لا يريد الخير له مما جعل اركانه يتبرأون علناً من هذه المقاومة المزيفة ويطالبون باشراكهم بالعملية السياسية التي لم يمنعهم منها احد بل حرموا انفسهم عتواً ومكابرة. وثبت ان هؤلاء (المقاومين) بجهلهم وسوء تصرفهم يديمون الاحتلال ويطيلون عمره لانهم يخلقون المبررات لوجوده بسوء الاوضاع الامنية ونحوها كما كان يفعل صدام المجرم حينما وفر فرصة لم تكن تهتدي اليها قوى الاستكبار بالتواجد في المنطقة بخلقه الازمات والحروب والعدوان على الدول الجارة وتهديد امن واستقرار المنطقة.
بعكس المقاومة السلمية الحكيمة للمرجعية الرشيدة والحضور الفاعل المستمر للجماهير الواعية في الساحة فانها سحبت كل المبررات لتسلط القوى الاجنبية هذا التلاحم العتيد بين المرجعية والامة الرسالية هو الذي حقق ذلك الانتصار وبقيت نشوته حتى ايام عاشوراء حين عززته الجماهير بنصر آخر لا يقل عنه عظمه وزهواً بتلك المشاركة المنقطعة النظير في الشعائر الحسينية في كربلاء وسائر المدن العراقية حيث بدا للعالم الانتماء الحقيقي لهذا الشعب من خلال تلك السيول العارمة التي انطلقت في موكب النصرة (عزاء طويريج) مهرولة لتلبي صرخة ابي عبد الله الحسين (هل من ناصر) المدوية منذ اربعة عشر قرناً وستبقى ما بقيت امة جده محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد خرج للاصلاح فيها وليأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويسير بسيرة جده وابيه صلوات الله عليهما فاهدافه (عليه السلام) باقية وحركته مستمرة ما دام موضوعها قائماً وكان اكثر المشاركين من الشباب الذين راهن الغرب على انسياقهم في اطروحاته البعيدة عن الاسلام فوجدهم في طليعة المتبنين للمشروع الاسلامي المبارك والمتحمس للدفاع عنه وتفاجأ الاعداء اكثر حين رأى تلك المشاركة المهيبة لطلاب وطالبات جامعات بغداد والمستنصرية في مواكب الوعي الطلابي حيث ازدهت بجلالهم شوارع بغداد عاصمة الحضارة الاسلامية.
ايها العراقيون الاحبة: لقد شاء قدركم ان تكونوا مؤسسي الحضارة وصناع التاريخ الذي بدأ على ارضكم منذ الالاف السنين وفي ثرى هذه التربة الطيبة يرقد الانبياء والائمة والعلماء الذين يلهمون الاجيال ويمدونهم بدفق الحياة الحرة الكريمة وعلى هذه الارض سطر الامام الحسين (عليه السلام) ملحمته الخالدة حتى فاقت في شرفها ارض الكعبة كما نطقت به الروايات وعلى هذا البلد الكريم سيقيم الامام المنتظر دولته المباركة وينطلق منها لنشر العدل في ربوع العالم وها انتم هذا الجيل اختاركم الله تعالى لتأسسوا نموذجاً حضارياً جديداً تتطلع اليه كل شعوب المنطقة لا مكانة فيه للاستبداد ولا للاستئثار ولا للتسلط وللاستعباد ولا للظلم والعدوان فلا يثنين عزمكم هذه الحفنة من الارهابيين الاراذل الذي يريدون ان يعيقوا حركتكم المباركة وثقوا بان من ساندوهم على البغي والعدوان سيذوقون عاقبة بغيهم عاجلاً (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ )(فاطر: من الآية43) (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)(الأنفال: من الآية30) وقد اكدت الاحاديث الشريفة ان عاقبة البغي وخيمة (لو بغى جبل على جبل لتدكدك) (من سل سيف البغي قتل به).
وقد وعظت وقدمت النصائح في البيان (69) الى كل ذوي العلاقة بالقضية العراقية وبينت لهم الدروس والعبر المستفادة من ملحمة الانتخابات والاستحقاقات المترتبة عليها وخصصت بالخطاب: السادة المنتخبين للجمعية الوطنية الانتقالية والقوات الاجنبية المتواجدة على ارض العراق والدول الجارة للعراق التي تدعم الارهاب وتغذيه مادياً ومعنوياً وارجوا ان ينتفعوا بالنصائح قبل فوات الاوان والآن اتوجه بكلامي اليكم ايها الاحبة ان تحافظوا على عناصر قوتكم ومكاسبكم التي حققتموها بالحضور الفاعل المستمر على الساحة والالتفاف الواعي حول المرجعية الرشيدة والارتباط الوثيق بالله تبارك وتعالى وشريعته العظيمة وزيادة وعيكم وثقافتكم حتى تكونوا اهلاً لنصرة الحق (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ)(الصف: من الآية14) ولا تفتر عزائمكم وجددوا في اساليب عملكم فان ذلك كله بعين الله تبارك وتعالى (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى)(آل عمران: من الآية195).
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على حبيبه محمد وآله الطيبين الطاهرين.
محمد اليعقوبي
12 محرم 1426
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كلمة اعدت لالقائها في الحفل الذي يقيمه فرع حزب الفضيلة الاسلامي في البصرة يوم الخميس 15 محرم 1426 - 24/2/2005 بمناسبة مرور عام على افتتاحه