خطاب المرحلة (591) وجوب العمل لإنقاذ المجتمع من الظلم والجهل والتخلف والحرمان

| |عدد القراءات : 3073
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save
 

بسم الله الرحمن الرحيم

وجوب العمل لإنقاذ المجتمع من الظلم والجهل والتخلف والحرمان([1])

(وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ) (النساء:75)

قال الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً).

في الآية استنكار واستهجان لحالة التقاعس والقعود عن أداء المسؤولية لدى البعض، وحث وتحريض واستنهاض المؤمنين للقتال في سبيل الله تعالى وتحرير المستضعفين رجالاً ونساءاً وصبياناً الذين يتحكم فيهم المستكبرون والطغاة المتفرعنون ويضغطون عليهم بمختلف الأساليب الوحشية ليتركوا دينهم الإسلامي، وهم ليسوا في أنفسهم ضعفاء وانما استضعفهم المستكبرون بأدوات الظلم والبطش التي يمتلكونها فسلبتهم القدرة على التغيير ولم يعودوا يمتلكون الا الدعاء من ربهم ان ينقذهم من هؤلاء الظلمة، وقد عبّر عن ذلك بألطف تعبير وانسبه للإخلاص فلم يقولوا يالقومنا أو ياللعرب أو وامعتصماه كما في بعض الحوادث، وإنما قالوا (رَبَّنَا) فهم يستغيثون بالله تعالى ويطلبون منه تعالى أن ينجدهم بإخوانهم المؤمنين (وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً).

فيدعوهم الله تعالى إلى القتال في سبيله ويستغرب من تقاعس البعض ويتساءل مستنكراً (وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ) وأنتم تطلبون احدى الحسنين النصر أو الشهادة وكلها في عين الله تعالى وفيها أجر عظيم، وقد أضاف اليها الجانب العاطفي بأن هؤلاء اخوانكم في الدين أونظراؤكم في الإنسانية فكيف تسمحون ببقائهم تحت الظلم والقهر والتعذيب والحرمان وأنتم قادرون على تحريرهم واستعادة كرامتهم.

وقد رفع الله تعالى من شأن هؤلاء العاملين الرساليين بأن جعلهم هم الولي والنصير من قبله تبارك وتعالى لتحرير الناس الذين يستجيب بهم دعاء المؤمنين وفي ذلك تحفيز عظيم للنهوض والتحرك حتى يفوزوا بهذه المنزلة العظيمة.

 والآية الكريمة ككثير من الآيات غيرها تكشف عن كون الجهاد هو عمل في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى وتحرير الانسان من الظلم والفساد والضلال وليس لجني مصالح اقتصادية أو توسيع نفوذ وهيمنة أو تصفية حسابات سياسية ونحو ذلك خلافاً للأمم المادية التي تدّعي التحضّر والتقدم فان حروبها جميعا للحصول على مصالح مادية ضيقة او الحفاظ عليها.

ويستفاد من الآية أهمية وجود النخبة الرسالية الصالحة المؤهلة لقيادة الأمة وتهّب لنجدتها وتحمل هم الامة جميعا والتي تعزّز اقتدارها بالقوى المعنوية والمادية لتحقيق الأهداف المرجوّه.

فالآية لا تختص بذوي المهاجرين من مكة إلى المدينة الذين بقوا في مكة وعانوا من اضطهاد قريش بل تشمل كل بلد يعاني فيه المجتمع من الاستضعاف العقائدي او الأخلاقي او الاقتصادي او السياسي او الفكري وقد أطلق القرآن الكريم عنواناً عاماً لهذه البلدان بقوله تعالى (هَـذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا) (النساء:75).

والآية وإن ذكرت القتال باعتباره الأسلوب المناسب يومئذ لردع مشركي مكة اللذين حشدوا الجيوش لمحاربة الإسلام وأهله، لكن الآية لا تختص بالقتال لان مورد النزول لا يخصص الآية، وانما تشمل قبل ذلك أي أسلوب من أساليب التي يستطيع بها المؤمنون انقاذ المستضعفين من مشاكلهم وحرمانهم واضطهادهم وتخلفهم، وآخر الدواء الكي كما قيل في المثل وهو القتال والمواجهة المسلحة، والا فالمطلوب هو العمل لاستعادة كرامة الإنسان وحريته وحقوقه، من خلال الدعوة إلى الله تعالى وتطبيق النظام الإلهي بالحكمة والموعظة الحسنة قال تعالى (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) (النحل:125).

ويمكن استفادة هذا التعميم بتقريبين:

ما ذكرناه آنفا من عدم خصوصية لذكر القتال فنجّرد الآية عن الخصوصية ونعمّم الخطاب الى كل أساليب الإنقاذ بحسب حالات الاستضعاف، وتدل على هذه المعنى روايات كثيرة إلى ان القتل يمكن ان يكون معنوياً ومادياً والحياة كذلك.

ان لفظ القتال لا يختص بالعمل المسلح فيمكن ان يشمل الخطاب والبيان والموقف والمقاطعة وحتى الصمت أحياناً لذا يصح ان يقال ان السيدة الزهراء (÷) وابنتها العقيلة زينب (÷) قاتلتا ايما قتال اقضّ مضاجع الظلمة ولكنه لم يكن بالسيف وانما بالكلمة والموقف والرفض والمقاطعة.

والمستضعفون عرفتهم آية أخرى قال تعالى (إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً * فَأُوْلَـئِكَ عَسَى اللّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللّهُ عَفُوّاً غَفُوراً) (النساء:98-99) فهم عاجزون فكرياً أو بدنياً أو اجتماعياً أو مالياً أو كبلّتهم ظروف خارجة عن القدرة على التغيير ، روى الشيخ الكليني في الكافي بسنده عن زرارة قال (سألت أبا جعفر (×) عن المستضعف فقال: هو الذي لا يستطيع حيلة يدفع بها عنه الكفر، ولا يهتدي بها إلى سبيل الايمان)([2]) وروى الشيخ الصدوق بسنده عن عمر بن إسحاق قال: سئل أبو عبدالله (×): ما حدُّ المستضعف الذي ذكره الله عز وجل، قال: من لا يُحسن سورة من سور القرآن، وقد خلقه الله عز وجل خَلقة ما ينبغي له ان لا يحسن)([3]).

فهؤلاء المستضعفون لهم حق على القادرين على إخراجهم من حالة الاستضعاف هذه بالأدوات المتاحة وأولها والشيء الرئيسي فيها إخراجهم من حالة الجهل والعمى الفكري الذي ضرب عليهم بطرق شتى كحرمانهم من أدوات المعرفة الصحيحة أو تقديس أفكار ورموز وسلوكيات موروثة وتجعل خطوط حمراء لا يجوز الاقتراب منها والتفكير فيها فضلاً عن مناقشتها وتقييمها.

فكان واجباً على من يمتلك العلوم والثقافة الصحيحة أن يأخذ بأيديهم ويصحح أفكارهم ويبصرهم ويعلمهم ما ينفعهم وفي ذلك ثواب عظيم. ففي الاحتجاج وتفسير العسكري (×) عن أمير المؤمنين (×) قال ( من كان من شيعتنا عالما بشريعتنا فأخرج ضعفاء شيعتنا من ظلمة جهلهم إلى نور العلم الذي حبوناه به جاء يوم القيامة وعلى رأسه تاج من نور يضيئ لأهل جميع العرصات، وعليه حلة لا يقوم لأقل سلك منها الدنيا بحذافيرها ، ثم ينادي مناد يا عباد الله هذا عالم من تلامذة بعض علماء آل محمد ألا فمن أخرجه في الدنيا من حيرة جهله فليتشبث بنوره ليخرجه من حيرة ظلمة هذه العرصات إلى نزه الجنان فيخرج كل من كان علمه في الدنيا خيرا أو فتح عن قلبه من الجهل قفلا، أو أوضح له عن شبهة)([4]) .

وفي نفس المصدر عن الامام الصادق (×) قال (علماء شيعتنا مرابطون بالثغر الذي يلي إبليس وعفاريته، يمنعونهم عن الخروج على ضعفاء شيعتنا، وعن أن يتسلط عليهم إبليس وشيعته النواصب، ألا فمن انتصب لذلك من شيعتنا كان أفضل ممن جاهد الروم والترك والخزر ألف ألف مرة لأنه يدفع عن أديان محبينا، وذلك يدفع عن أبدانهم)([5]) .

إن الله تعالى يريد من عباده الذين يمتلكون ما يساعدون به هؤلاء المستضعفين ان يعيدوا إليهم دينهم وكرامتهم وحريتهم وعزتهم، وما كان القيام الفاطمي ولا القيام الحسيني الا غضباً لله تعالى ولرسوله ولأداء هذه المسؤولية تجاه عباد الله تعالى كما ورد في زيارة الامام الحسين (×) (وبَذَلَ مُهجَتَهُ فيكَ لِيَستَنقِذَ عِبادَكَ مِنَ الجَهالَةِ وحَيرَةِ الضَّلالَةِ)([6]) وفي زيارة أخرى (وَبَذَلَ مُهْجَتَهُ فيكَ حَتَّى اسْتَنْقَذَ عِبادَكَ مِنَ الْجَهالَةِ وَحَيْرَةِ الضَّلالَةِ)([7]) .

وهذا الغضب لله تعالى خصلة كريمة يحبها الله تعالى ويبغض من لا يتصف بها، في كتاب الكافي بسنده عن الامام الصادق (×) قال (إن الله عز وجل بعث ملكين إلى أهل مدينة ليقلباها على أهلها([8]) فلما انتهيا إلى المدينة وجدا رجلا يدعو الله ويتضرع فقال: أحد الملكين لصاحبه: أما ترى هذا الداعي؟ فقال: قد رأيته ولكن أمضي لما أمر به ربي، فقال: لا ولكن لا أحدت شيئا حتى أراجع ربي فعاد إلى الله تبارك وتعالى فقاليا رب إني انتهيت إلى المدينة فوجدت عبدك فلانا يدعوك ويتضرع إليك، فقال: امض لما أمرتك به فإن ذا رجل لم يتمعر([9]) وجهه غيظا لي قط)([10]).

وفي الكافي والتهذيب عن الامام الباقر (×) قال: (أوحى الله تعالى الى شعيب النبي (×): اني معّذب من قومك مائة الف، أربعين الفاً من شرارهم وستين الفاً من خيارهم، فقال (×): يا رب هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟ فأوحى الله عز وجل اليه: داهنو اهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي)([11]).

فنؤكد هنا من جديد الحاجة إلى استشعار هذه المسؤولية والقيام غضباً لله تعالى لإنقاذ عباد الله من الانحراف والفساد والانحلال والظلم والأخذ بأيديهم إلى حياة حرة كريمة عزيزة والخطاب موجه الى الجميع ولكل منكم دوره سواء كان من الحوزة العلمية أو الجامعيين وعموم الواعين بل الناس جميعاً، ولا تستغرب هذا فان أي مواطن يكون مسؤولاً عن اختيار الكفوء المخلص الشجاع في قول الحق الأمين على دين الناس وحقوقهم كالموقف الأخير في تصحيح قانون العنف الأسري الذي قُدِّم للبرلمان مؤخراً لإقراره وقد تضمن مواد تضاهي النمط الغربي في السلوك وتسلب حق الآباء في تربية ابنائهم على السلوك الصحيح وضبط تصرفاتهم بحجة الحرية الشخصية ونحو ذلك والجميع ــ والاسلاميون منهم ــ بين موافق أو ساكت، ويكون التكليف أأكد في الشرائح المستهدفة بالتخريب أكثر كالنساء والشباب.

وشهر رمضان المبارك الذي تقترب منّا أيامه فرصة ثمينة للقيام بهذه المسؤولية ونفض غبار التقصير والتقاعس.



([1]) كلمة القاها سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) على طلبة البحث الخارج يوم الاثنين 23/شعبان/1440 الموافق 29/4/2019 بمناسبة قرب حلول موسم التبليغ في شهر رمضان المبارك

([2]) الكافي:2/297 ح 3

([3]) معاني الأخبار: 202 ح 7

([4]) بحار الأنوار: 2/2 ح 2

([5]) بحار الأنوار: 2/5 ح 8

([6]) مفاتيح الجنان، زيارة الاربعين

([7]) مفاتيح الجنان، زيارة العيدين

([8]) حيث كانت الأمم السابقة تعاقب بعقوبات جماعية كما يحكي القرآن الكريم عن عدة حالات منها واعفيت الامة الخاتمة من ذلك.

([9]) لم يتمّعر وجهه: أي لم يتغير الى الصفرة

([10]) الكافي: باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ح 8، (الغضب لله تعالى شرط صدق الايمان: خطاب المرحلة ج 10 ص 339)

([11]) الوسائل: 16/146 ح 1، (الغضب لله تعالى شرط صدق الايمان: خطاب المرحلة ج 10 ص 339)