خطاب المرحلة (543) (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)

| |عدد القراءات : 896
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save
 

بسم الله الرحمن الرحيم

 (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ)([1])

(البقرة:152)

تشريف وتكريم من الخالق العظيم لعباده بأن يقرن ذكره بذكرهم ويبادلهم الذكر فيذكرهم اذا ذكروه ومن دعاء للإمام السجاد (×) (إلهي انت قلت وقولك الحق (فاذكروني اذكركم) فأمرتنا بذكرك ووعدتنا عليه أن تذكرنا تشريفاً لنا وتفخيماً واعظاماً، وها نحن ذاكروك كما أمرتنا فأنجز لنا ما وعدتنا يا ذاكر الذاكرين)([2]) ، بينما لا يطمع الانسان في ان يذكره إنسان ضعيف عاجز مثله وهو يعشقه ويصفّق له ويلهج باسمه ويلهث وراءه ويدافع عنه وربما يضحي من اجله والآخر لا يعرفه ولا يقيم له وزناً فشتّان بين المعبودين!.

          والمراد بذكر الله تعالى عبده اذا ذكره منحه العطاء الخاص وترتيب الأثر المناسب والا فان الله تعالى لا يغفل عن عباده ولا يهملهم وهم يتقلبون بنعمه دوماً (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ) (الحديد:4) وهذا العطاء الخاص له اشكال عديدة ويتناسب مع نوع الذكر لان ذكره لله تعالى يجعله مؤهلاً لنزول البركات والمنن والعطايا، ففي حديث نبوي شريف في تفسير الآية (اذكروني يا معاشر العباد بطاعتي اذكركم بمغفرتي)([3]) والطاعة تشمل الواجب والمستحب، والمغفرة تشمل محو الذنوب المقترفة أو عصمة العبد ووقايته من الوقوع في غيرها.

أو يذكره الله تعالى بالرحمة اذا ذكر ربّه بالطاعة قال تعالى (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (آل عمران:132).

وفي حديث آخر عن النبي (|) (اذكروني بالطاعة والعبادة اذكركم بالنعم والإحسان والراحة والرضوان )([4])  أو يذكر ربّه بالشكر فيذكره بزيادة النعم (لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) (إبراهيم:7) او اذكروني بالدعاء لأذكركم بالإجابة (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) (غافر:60) او اذكروني في الدنيا لأذكركم في الآخرة، او اذكروني في عالمكم الصغير لأذكركم في العالم الكبير ونحو ذلك مما ورد في الاحاديث الشريفة، ففي الحديث النبوي الشريف قال الله تعالى (انا عند ظن عبد بي وانا معه اذا ذكرني، فان ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وان ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وإن تقرّب اليّ شبراً تقربتُ إليه ذراعاً)([5]).

وفي الحديث الآخر عن النبي (|) قال (قال الله عز وجل ذكره: لا يذكرني أحد في نفسه الا ذكرته في ملأ من ملائكتي ولا يذكرني في ملأ الا ذكرته في الرفيق الأعلى)([6]).

ولذا يحظى ذكر الله تعالى بأهمية كبيرة ومن الأسباب القوية لبلوغ الكمالات، وفي الحديث الشريف (أحب الاعمال الى الله أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله) أي يكون الانسان في ذكر مستمر حتى اذا فاجأه الموت كان لسانه رطباً بذكر الله تعالى وفي حديث آخر عنه (|) (ليس يتحسّر أهل الجنة الا على ساعة مرّت بهم لم يذكروا الله تعالى فيها) وروى عنهم (^) (إن في الجنة قيعاناً، فاذا أخذ الذاكر في الذكر أخذت الملائكة في غرس الأشجار فربما وقف بعض الملائكة فيقال له: لم وقفت؟ فيقول: إن صاحبي قد فتر، يعني عن الذكر)([7]).

وروى في عدة الداعي ان رسول الله (|) خرج على أصحابه فقال (ارتعوا في رياض الجنة، قالوا: يا رسول الله (|) وما رياض الجنة، قال مجالس الذكر اغدوا وروحوا واذكروا، ومن كان يحب ان يعلم منزلته عند الله فلينظر كيف منزلة الله عنده، فان الله تعالى ينزل العبد حيث انزل العبد الله من نفسه، واعلموا أن خير اعمالكم عند ملكيكم وازكاها وارفعها في درجاتكم وخير ما طلعت عليه الشمس ذكر الله تعالى فإنه أخبر عن نفسه فقال: انا جليس من ذكرني).

وفيه ايضاً عن النبي (|) قال (قال سبحانه اذا علمت أن الغالب على عبدي الاشتغال بي نقلت شهوته في مسألتي ومناجاتي، فاذا كان عبدي كذلك وأراد أن يسهو حلت بينه وبين ان يسهو، اولئك اوليائي حقا، أولئك الابطال حقاً، أولئك الذين اذا اردت أن أهلك اهل الأرض عقوبةً ذويتها عنهم من أجل أولئك الابطال).

والأصل في الذكر حضور المعنى في القلب وتأثيره في الجوارح وليس مجرد تحريك اللسان به وإن كان هذا لا يخلو من ثمرة طيبة، لكن المطلوب حصول تلك المراتب روى في كتاب المعاني عن ابي عبد الله الصادق (×) قال (الا أحدثك بأشد ما فرض الله تعالى على خلقه؟ قلت: بلى، قال: انصاف الناس من نفسك ومواساتك لأخيك وذكر الله في كل موطن، اما اني لا أقول: سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر، وإن كان هذا من ذاك، ولكن ذكر الله في كل موطن اذا هجمت على طاعته او معصيته). فتتخذ الموقف الذي يرضي الله تعالى في كل تلك المواطن.

وفي الحديث النبوي الشريف (من اطاع الله فقد ذكر الله وإن قلّت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن، ومن عصى الله فقد نسي الله وان كثرت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن)([8]). وهذا يبين لنا بوضوح المقياس الذي يعرف به الذكر والذاكر وعدم الاكتفاء بالحركات الخارجية، وعلى هذا فالذكر له مصاديق واسعة تشمل كل الطاعات، ومنها طلب العلم والحضور في مجالس الوعظ والإرشاد وحلقات العلم.

هذا الرصيد الضخم الذي يكتسبه الانسان بالذكر يمكن ان يفرط به ويضيعه بسبب ارتكابه بعض الحماقات غفلة او انسياقاً وراء اهواء النفس ففي الحديث الشريف (من قال سبحان الله غرس الله له بها شجره في الجنة و من قال الحمد لله غرس الله له بها شجره في الجنة و من قال لا اله الا الله غرس الله له بها شجره في الجنة و من قال الله اكبر غرس الله له بها شجره في الجنة فقال رجل من قريشيا رسول الله إن شجرنا في الجنة لكثير قال نعم و لكن إياكم أن ترسلوا عليها نيرانا فتحرقوها و ذلك إن الله عز وجل يقول يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (محمد/33) )([9]). وهذه النيران يمكن أن تكون الغيبة أو الحسد أو الظلم أو انتقاص وإهانة الآخرين أو التقصير في القيام بعمل إنساني كان قادراً عليه.

وعلى الانسان ان يتجنب كل ما يلهيه  عن ذكر الله تعالى ويشغله عنه من أمور الدنيا واتباع الشهوات والاهواء قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (المنافقون:9) وهو ما يبتغيه شياطين الانس والجن (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ) (المائدة:91) فيقع الانسان في الغفلة الموجبة للبعد عن الله تعالى والوقوع في المعاصي، روي عن أمير المؤمنين (×) قوله (ليس في المعاصي أشدُّ من اتباع الشهوة فلا تطيعوها فتشغلكم عن الله)([10]) وعنه (×) قال (كل ما الهى عن ذكر الله فهو من ابليس)([11])  ).

وينبغي الالتفات إلى ان هذه الملازمة بين ذكر الله تعالى وذكر العبد قد تكون سلاحاً ذا حديّن فتكون العقوبة على من يعصي الله تعالى وهو ملتفت وذاكر مضاعفة، ففي الدر المنثور عن النبي (|) قال (فمن ذكرني وهو مطيع فحقَّ عليّ أن اذكره بمغفرتي، ومن ذكرني وهو لي عاصٍ فحقَّ عليّ ان أذكره بمقت).

وفي نفس المصدر (أوحى الله تعالى داود قل للظلمة لا يذكروني فان حقاً عليَّ اذكر من ذكرني وإن ذكري إياهم أن العنهم).


 



([1]) الكلمة التي القاها سماحة المرجع الشيخ اليعقوبي (دام ظله) على طلبة جامعة الامام الباقر (×) في النجف الأشرف بحضور ادارتها وأساتذتها يوم الجمعة 12 رجب 1439 المصادف 30 / 3 / 2018.

([2]) بحار الانوار: 94/ 151 / ح 21

([3]) الدر المنثور: 1 / 148

([4]) عدة الداعي

([5]) اخرجه في الدر المنثور عن أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة والبيهقي في شعب الايمان.

([6]) نفس المصدر عن الطبراني.

([7]) بحار الانوار:93 / 63 ح 42

([8]) الدر المنثور: 1/149

([9])  بحار الأنوار: 93/  168 ح3.

([10]) غرر الحكم:7520

([11]) ميزان الحكمة: 3 / 356 عن تنبيه الخواطر: 2/ 170