خطاب المرحلة (533) موعظة حسنة
بسمه تعالى
موعظة حسنة([1])
روي في كتاب تحف العقول عن الامام الحسن(×) السبط (مر الحسن بن علي (‘) في يوم الفطر بقوم يلعبون ويضحكون ــ كما هو شأن اغلب الناس ــ ، فوقف على رؤوسهم وقال (×) :إنّ الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه ــ أي ميدان سباق للخلق ــ، فيستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته فسبق قوم ــ بأن استثمروا اوقاتهم في الطاعة وتجنب المعصية ــ ففازوا، وقصر آخرون ــ بغفلتهم وجهلهم وعدم شعورهم بالمسؤولية ــ فخابوا، فالعجب كلّ العجب من ضاحكٍ لاعب، في اليوم الذي يثاب فيه المحسنون، ويخسر فيه المبطلون ــ فالإمام (×) يعجب كل العجب ممن يلهو ويلعب ويضحك يوم توزيع النتائج، فهل رأيت طالباً يفعل ذلك في يوم توزيع النتائج المصيرية أم أن انفاسهم محبوسة واعصابهم مشدودة لانهم لا يعلمون ماذا ستكون النتيجة وهل يبلغ بها مناه أم لا ــ وأيم الله ــ وهذا القسم من الامام (×) ــ لو كشف الغطاء ــ غطاء الغفلة والانشغالات الدنيوية ورأوا حقائق الأمور ــ لعلموا: أنّ المحسن مشغول بإحسانه، والمسيء مشغول بإساءته... ثم مضى)([2])
الرواية وان وردت في ميدان سباق شهر رمضان وتوزيع النتائج بعد انقضاء السباق يوم العيد، الا ان الموعظة فيها لا تختص بشهر رمضان لان الحياة كلها مضمار للسباق والتنافس في الاستزادة من فعل الخير وتجنب الشر، قال تعالى (فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ) (البقرة/148)، وكل يوم جديد تشرق شمسه على الانسان انما هو رصيد إضافي يمنحه الله تعالى ليستثمره في هذه التجارة الخالدة في نتائجها فكأن الله تعالى يقول للعبد هذه اربع وعشرون ساعة قد اضفتها الى رصيدك (لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (يونس/14)،( لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) (هود/7)، (وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ) (الحشر/18)، وهكذا كل يوم جديد هو رصيد يضاف الى حسابك من فرص الطاعة وفعل الخيرات لنيل رضا الله تبارك وتعالى، كمن يعمل في السوق والتجارة وتمده جهة ما بالأموال باستمرار لتعزز رصيده وتقّوي امكانياته، فالعاقل لا يضيّع هذه الفرص ولا يبعثرها ويعبث بها، بل يعّد عدم الاستفادة منها وتجميدها بلا اكتسابِ ربحٍ جديدٍ خسارةً لما فوّته من النفع.
واعلم ان اربع وعشرين ساعة تتسع للكثير من الخيرات، بل ان الساعة الواحدة تستوعب الكثير، بل الدقيقة الواحدة لانك تستطيع أن تسبح بها عدة تسبيحات رباعية وقد ورد في الحديث الشريف ان من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة([3]).
والدقيقة قد تكفي لقراءة سورة التوحيد ثلاث مرات، وفي الحديث عن النبي (|) ان من قرأ سورة قل هو الله أحد مرة فكأنما قرأ ثلث القرآن، ومن قرأها مرتين فكأنما قرأ ثلثي القرآن، ومن قرأها ثلاث مرات فكأنما قرأ القرآن([4]). فتصورا كم يمكن استثمار الساعة فضلاً عن اليوم والشهر والسنة وعشرات السنين.
وهذه الساعة أو اقل أو أكثر التي يضيعها الانسان بلا فائدة سيندم عليها في الآخرة لانه سيكون احوج شيء لاي حسنة أو عمل صالح تنجيه من الهلكة (هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) (الصف:10) وكان حاله أفضل بكثير لو استفاد من الدقيقة او الساعة التي أضيفت إلى رصيده وسيشعر بالغبن (ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ ) (التغابن:9) ولذا كان التعبير القرآني دقيقاً (فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ) (البقرة:148) فيكون سباقك مع نفس الخيرات لانها موجودة وتتاح لك وتعطي الفرصة لاقتناصها وهي تمرّ على أي حال وتذهب كما في الحديث (اغتنموا فرص الخير فإنها تمر مر السحاب)([5]).
إن الالتفات إلى هذه الحقائق واستحضارها في وجدان الانسان يساهم بقوة في بناء حياته المعنوية والارتقاء في درجات الكمال والله ولي التوفيق.
([1]) من حديث سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع جمع من الوفود الزائرة يوم السبت 7/صفر/1439 الموافق 28/10/2017
([2]) تحف العقول: 168
([3]) رواه الترمذي من حديث جابر ـ رضي الله عنه ـ وصححها الألباني
([4]) المحاسن: 153 في حديث
([5]) نهج البلاغة قصار الحكم: 21، البحار 71:337