خطاب المرحلة (531) (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ )

| |عدد القراءات : 952
  • Post on Facebook
  • Share on WhatsApp
  • Share on Telegram
  • Twitter
  • Tumblr
  • Share on Pinterest
  • Share on Instagram
  • pdf
  • نسخة للطباعة
  • save
 

بسم الله الرحمن الرحيم

(وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ )([1])

(المطففين:26)

جاءت الآية بعد سلسلة من الآيات التي تصف العاقبة الحسنة للأبرار (إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ) (المطففين:22-25). ففي مثل هذا النعيم يجب أن يكون التنافس على السبق والتحصيل، وقد دّلت لام الامر على الطلب والدعوة.

ولعل في تقديم (وفي ذلك) بدل تأخيرها كما هو مقتضى القاعدة نكتة إفادةَ الحصر أي ان التنافس لا يكون الا في مثل هذا النعيم، وإن هذا وحده يستحق التنافس دون غيره مهما كان ذلك الغير عظيماً في نظر الناس كالمال أو الجاه أو السلطة ونحو ذلك، وهو معنى يقتضيه لفظ التنافس، الذي هو بذل الجهد وإتعاب النفس وسبق الغير لتحصيل النفيس من دون إضرار بذلك الغير ولا كيد له ولا حرمان منه. ولا نفيس الا في ما يرضي الله تبارك وتعالى والفوز في الآخرة اما ما سواها فهي لذة ومتعة آنية فانية ولا قيمة لما في الدنيا الا بمقدار ما يقدّم للآخرة، فتكون الآية بمعنى قوله تعالى (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ) (الحديد:21) وقوله (فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ) (البقرة:148) وقوله (يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) (الأنبياء:90).

وعليه فما يرد في الكلام المتداول من تقسيم التنافس إلى شريف وغير شريف هو تعبير غير دقيق لان التنافس لا يكون الا شريفاً، أما التنافس غير الشريف لكون أغراضه كذلك أو ان وسائله  كذلك فانه ليس تنافساً أصلاً لأنه ليس مسابقة على أمر نفيس بل على أمر وضيع فيخرج من موضوع التنافس، ولعل هذا التقسيم مبني على فهم التنافس بمعنى التغالب بشكل عام فيشمل القسمين، قال السيد الطباطبائي + ((التنافس: التغالب على الشيء)) وقال الشهيد السيد الصدر الثاني + (( التنافس: التغالب على هدف معين، كل واحد منهم يجب أن يكون أسرع من صاحبه في الوصول إليه))([2]).

أقول: تضمين التنافس معنى التغالب مأخوذ من تداول استعمال اللفظ بهذا المعنى وشهرته والا فأنه لا يقتضي ذلك كما قدمّنا ولعلهم أخذوا المعنى من كون المرتكز في ذهن المشهور أن صيغة (تفاعل) تدل على الفعل المتبادل بين أثنين أو أكثر وهو غير لازم لورود الصيغة في معنى الثلاثي نحو (تعالى الله) أي علا وقد يستعمل للوقوع التدريجي نحو (تقاطر المطر) أو للدلالة على خلاف الواقع نحو (تظاهر وتمارض) وغير ذلك.

فالتنافس لا يعني المغالبة بل ما ذكرنا من المسارعة والاستباق لتحصيل الامر النفيس من نعيم الآخرة وهو لا حدود له ولا نفاد ولا اختصاص لاحد دون آخر (إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِن نَّفَادٍ) (ص:54) أما المغالبة فأنما تحصل في الأمور الدنيوية لمحدودية موجوداتها فيحرص كل واحد أن يغلب الآخر للحصول عليه دونه، والآخرة ليست كذلك فلا تحتاج إلى المغالبة، قال في مجمع البيان (("التنافس": تمنّى كل واحد من النفسين مثل الشيء النفيس الذي للنفس الأخرى أن يكون له)).

ولذا فان التنافس الحقيقي لبلوغ نعيم الآخرة يرتقي ويسمو بجميع المتنافسين إلى اعلى الدرجات،اما التنافس على أمور الدنيا كالسلطة او المال او الأرض وفي غير ذلك، فانه يجعل المتنافسين في صراع قد يحرق الأخضر واليابس كما هو المشاهد عبر التاريخ.

ومما تقدم تلخّص لدينا عدة وجوه لحصر الآية استحقاق التنافس في أمر الآخرة فقط، وهي تظهر الفوارق بين التنافس الدنيوي والآخروي:

1- لان نعيم الآخرة دائم وحقيقي (هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) بينما لذات الدنيا ومغانمها فانية زائلة ومحدودة.

2- ان التنافس على نعيم الآخرة يؤدي إلى إعمار الحياة بالخير والعدل والإحسان والرحمة بينما التنافس على الدنيا يدع الأرض بلاقع ويهلك الحرث والنسل.

3- ان المتنافسين على الآخرة يسمون بتنافسهم ويزدّادون مودة ومحبة بينما يمتلئ المتنافسون على الدنيا ضغينة وحقداً وحسداً.

4- ان المتنافسين على الدنيا يبقون في دائرة ضيقة هابطة لان همهم إرضاء انانّياتهم واشباع نزواتهم وتلبية شهواتهم بينما يتسع أفق المتنافسين على الآخرة وترنو ابصارهم الى ما وراء هذا الكون العظيم.

والاتيان بهذا المشهد من جنة الابرار ونعيمهم في سورة المطففين ثم التعقيب بالآية محل البحث يلفت النظر ويفتح الذهن على هذه المقارنة لإدراك ما يستحق المنافسة فالمطففون لا يتورعون ولا يخافون سوء الحساب فيظلمون الناس ويأكلون أموالهم بالباطل ويمضون حياتهم في التكالب على هذه الدنيا الدنية ومتاعها الرخيص ويتباهون بما يحصلون عليه منها ويزيد بذلك الاوزار والتبعات على ظهره فتذكر السورة مصيرهم (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ) (المطففين:1) إلى ان يقول سبحانه (كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ) (المطففين:7) (ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ) (المطففين:16) إلى آخر الآيات.

والدعوة في الآية الكريمة عامة لكل الناس ولا يضّر بعمومها إنها موجّهة للمتنافسين فان هذا ليس من باب التخصيص لان كل الناس داخلون في عنوان المتنافسين بعد ملاحظة ما هو مغروس في فطرة الانسان من حب التنافس والحرص على تحصيل النفيس لكنها توجّه هذه النزعة الإنسانية نحو حب الخير والازدياد منه فوجّهت تنافسهم إلى الهدف الصحيح الذي ربما كانوا غافلين عنه حتى المتدينون منهم ومن هنا يظهر أحد وجوه أهمية الدين في حياة الانسان بتوجيه تنافسه نحو الخير والعدل والإحسان (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) (النحل: 90) بينما الماديون يتوجه تنافسهم على المصالح الدنيوية فتحصل الحروب والمنازعات وما يتبعها من دمار وخراب فلينتبه المنادون بإقصاء الدين عن الحياة إلى الكارثة التي يريدون جر المجتمع اليها.

واروع ما في هذه المنافسة أن فاعل الخير والحسن يُعطى أجره وإن لم يقصد بعمله نيل ما عند الله تعالى، ففي كتاب الكافي: ان من وصية النبي (|) لأمير المؤمنين (×) ( يا علي من ترك الخمر لغير الله سقاه الله من الرحيق المختوم، فقال علي (×) : لغير الله؟ قال (|) : نعم والله صيانة لنفسه يشكره الله على ذلك)([3]).

والآية تدعو الى التنافس و المسابقة والمسارعة الى فعل الخير والطاعة مطلقاً سواء كان على نحو الواجب او المستحب ، وقد استعمل فيها لفظ (في) وليس على ولعله لبيان ان التنافس والتسابق الى الخير هو بنفسه خير ، وهذا واضح لان في الاحاديث: ان من نوى حسنةً او همَّ بها ولم يفعلها كتبت له حسنة([4]) .

واثار السيد الشهيد الصدر الثاني+ سؤالاً هنا يناسب ذوقه العرفاني قال فيه ((ان السياق السابق للآيات هو وصف ثواب الابرار، وهو ليس هدفاً حقيقياً، وإنما حال المقرّبين هو الهدف الحقيقي([5]) فلماذا امر بالتنافس على حال الابرار؟)) ثم ذكر عدة وجوه في الجواب قال منها:

1- انه هدف في الجملة جيد جداً لمن يكون دون ذلك.

2- انه هو الهدف الغالبي؛ لأن الأعمّ ألأغلب من الناس هم دون ذلك لا محالة، فالمنظور هو الغالبية.

3- ان التنافس يصحّ فقط على هذا الهدف، واما هدف المقربين فلا يصح فيه التنافس، لأنه مما لا يتحمله الناس ولا يقيمونه، فلا ينبغي ان يؤمروا بالتسبيب اليه.

4- ان التنافس انما يكون في هذا الهدف فقط، اما هدف المقربين فلا يمكن التنافس فيه، لأنه انما هو عطاء محض من قبل الله سبحانه، وليس بيد العبد التسبيب إليه، كما قال في الدعاء: (بخدمةٍ توصلني إليك) وقال: (يامن دلّ على ذاته بذاته).

5- ان التنافس انما يمكن في هذا الهدف فقط دون هدف المقرّبين؛ لأن المقرّبين في حالة فناءٍ، فلا يصلحون للتنافس، وانما التنافس يكون في عالم الأسباب والنظر الاستقلالي إلى الأشياء، وهو مناسب مع نظر الابرار لا مع نظر المقرّبين. والا فهذا التنافس هو عين الشرك بالنسبة إلى المقرّبين، ومن هنا لزم ان يكون هذا خطاباً للمستويات التي تناسبه، والتي يكون هذا التنافس نافعاً لها ومنتجاً لنتائجه الحسنة فيها.))([6])

أقول: بغضّ النظر عن المناقشة في بعض تعبيراته + فان هذا السؤال واجوبته تناسب ذقوه ومستواه العرفاني (قدس الله سره)، ويمكن ان نضيف أجوبة أخرى:

1- ان السؤال لا موضوع له اصلاً لانه مبني على التقسيم المصطلح لدى اهل الفن من تقسيم المقامات كالموجود في سورة الواقعة إلى المقرّبين وأصحاب اليمين، والا فلا مانع من دخول المقرّبين في عنوان الابرار وقد دلّت عليه الروايات الشريفة فقد روى القمي في تفسيره بسنده عن جعفر بن محمد (‘) في المراد من الابرار قوله (وهم رسول الله (|) وأمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والائمة (^) )([7]) ، وهم سادة المقرّبين والخلق جميعاً.

ويمكن ان يستظهر ذلك من صريح الآيتين التاليتين (وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ * عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ) (المطففين:27-28) لكن التدقيق فيهما يؤيد التقسيم الذي ذكره السيد الشهيد لأن الآية تشير إلى ان المقربين يشربون من عين تسنيم صافياً اما الابرار فيخرج شرابهم منها.

2- ان الآية تراعي المرحلية والتدريج فان المتنافسين اذا بلغوا مرتبة الابرار لم يقفوا عندها لطموحهم المستمر إلى التكامل فيتنافسون للوصول إلى مقام المقربين فتكون نظير قوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) (التغابن:16) للوصول إلى مقام آية (اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) (آل عمران:102) ولو طلب منهم مقام الثانية رأساً لعجزوا ويأسوا.

ويوجد هنا اشكال نقله السيد الطباطبائي + قال فيه: ((واستشكل في الآية بأن فيها دخول العاطف على العاطف اذ التقدير : فليتنافس في ذلك الخ))([8]).

أقول: وبيانه : ان حق العبارة ان يؤخرّ الظرف (في ذلك) فتصبح الجملة وفليتنافس المتنافسون في ذلك فجيئ بعاطفين متتالين وهم الواو والفاء وهو مخلّ  بالبلاغة ومستهجن وحكى السيد + جواباً وأضاف جواباً ثانياً وكلاهما بعيدان ومبنيان على تقديرات غير عرفية لا نحتاج إلى بيان تفاصيلهما.

والجواب الصحيح ان الاشكال لا موضوع له لانه مبني على افتراض وتقدير وليس على واقع الجملة للفصل بين العاطفين بالظرف وقد علمنا في بداية الكلام وجه تقديم الظرف بل ان هذه الصياغة ابلغ التعابير فلو حذف أحد العاطفين او حصل تقديم وتأخير فانها سوف لا تؤدي الغرض المطلوب.

وخير مثال على المتنافسين في هذا النعيم والمسارعين عليه أصحاب الامام الحسين (×) وأهل بيته حيث وصفهم الامام بذلك، فقد روى بعض ارباب المقاتل والتواريخ انهم تنافسوا فيمن يسبق إلى الموت اولاً ويبرز لمقاتلة الأعداء فقال بنو هاشم نحن اولاً لأننا أولى بالتضحية في سبيل رسالة جدنا رسول الله (|) وقال الاصحاب لا يمكن ان تُقتلوا ونحن ننظر إليكم فما عذرنا غداً يوم القيامة من جدّكم رسول الله (|) وحينئذٍ اذن الامام الحسين (×) للأصحاب اولاً حتى استشهدوا جميعاً ثم لحقهم آل الرسول (|) ووقف الامام الحسين (×) على أجسادهم الطاهرة يناديهم باسمائهم يؤبنّهم ويثني على موقعهم ويستنصرهم اذ بقي وحيداً بعدهم وينسب إليه قوله (×)

قوم  اذا   نودوا لدفع ملمة

 

والخيل بين مدعس و مكردس

لبسوا القلوب على الدروع واقبلوا

 

يتهافتون على ذهاب  الانفس([9])

أي يتسابقون إلى الموت ويتنافسون على الفوز بالشهادة بين يدي الامام الحسين (×) .

 

 

خطاب المرحلة

 

 

(532)

 

 

بسمه تعالى

نهتم بالقضايا ما دامت قائمة فاذا انتهت سلّمنا لأمر الله تعالى([10])

روى الشيخ الكليني (رضوان الله تعالى عليه) في كتاب الكافي بسنده عن رجل اسمه قتيبة الاعشى قال (أتيت أبا عبد الله (×) أعود ابنا له ــ كان مريضاً ــ فوجدته على الباب فإذا هو مهتم حزين، فقلت: جعلت فداك كيف الصبي؟ فقال، والله إنه لما به ــ أي ان حالته خطيرة ــ ثم دخل ــ إلى بيت العائلة حيث الصبي ــ فمكث ساعة ثم خرج إلينا وقد أسفر وجهه وذهب التغير والحزن، قال: فطمعت أن يكون قد صلح الصبي ــ أي عوفي من مرضه ــ فقلت: كيف الصبي جعلت فداك؟ فقال: وقد مضى لسبيله ــ أي مات ــ ، فقلت: جعلت فداك لقد كنت وهو حي مهتما حزينا وقد رأيت حالك الساعة وقد مات غير تلك الحال فكيف هذا؟ ــ حيث ان السلوك العام هو مضاعفة الحزن والجزع عند حلول المصيبة ــ فقال: إنا أهل البيت إنما نجزع قبل المصيبة فإذا وقع أمر الله رضينا بقضائه وسلمنا لامره)([11]).

نستفيد من هذه الحادثة درساً في السلوك الحكيم والتجربة الناضجة حاصله ان الإنسان يمرُّ في هذه الدنيا بأنواع من الابتلاءات والمصاعب والتحديات والآمال والالام فعليه أن يكون بمستوى ما يقتضيه الموقف من الاهتمام والمتابعة واتخاذ الإجراءات المطلوبة وتهيئة المقدمات واللوازم حتى تتحقق النتائج المرجّوة بإذن الله تعالى وفضله وكرمه، لكن اذا لم تأتي النتائج على ما يرام فعلى الانسان أن يسلِّم لأمر الله تعالى ويرضى بقضائه وقدره.

ولنأخذ مثالاً من واقعكم وهو ما يحصل لطلبة السادس الثانوي فانهم يعيشون ضغطاً نفسياً كبيراً وحالة من الشد العصبي بسبب طموحهم لتحصيل درجات عالية حتى يتمكنوا من القبول في أحدى الكليات الراقية، وبسبب ضغط الاهل عليهم بهذا الاتجاه مع ما يواجهونه من صعوبات دراسية واجتماعية، وهنا يجب عليهم ان يفرّغوا أنفسهم للمطالعة والمذاكرة خلال السنة الدراسية ويبذلوا وسعهم في أيام الامتحانات لتحقيق هذا الهدف بفضل الله تعالى، ولكن اذا لم تكن النتائج على ما يريدون فان ذلك لا يعني نهاية الدنيا واليأس من الحياة الذي يدفع البعض إلى ارتكاب أفعال حمقاء وجنونية فالخيارات تبقى مفتوحة ولابد من تجاوز الحالة والتفكير بإيجابية للآتي من الأيام قال تعالى (لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ) (الحديد:23).

والمثال الآخر ما يحصل لبعض الشباب والشابات من التعلق بالجنس الآخر والرغبة الاكيدة للزواج فعليهم أن يسعوا لتحقيق هذا الغرض الشريف بأن يأتوا البيوت من أبوابها ويجروا المقدمات المطلوبة للوصول إلى الغاية المنشودة فان حصلت فالفضل لله تعالى، وإن لم تحصل وانسدَّت كل المحاولات فلابد من الاطمئنان بأن الله تعالى يختار له الخير.

وهنا رواية أخرى بنفس هذا المضمون في المصدر نفسه عن علاء بن كامل قال (كنت جالسا عند أبي عبد الله (×) فصرخت صارخة من الدار فقام أبو عبد الله (×) ثم جلس فاسترجع ــ أي قال: إنا لله وإنّا إليه راجعون ـ وعاد في حديثه حتى فرغ منه ثم قال: إنا لنحب أن نعافى في أنفسنا وأولادنا وأموالنا فإذا وقع القضاء فليس لنا أن نحب ما لم يحب الله لنا.)([12])

ومن لا يقتنع بهذا الدرس ولا يستفيد من هذه الحكمة فليتأمل في نتائج ما يحصل لو عاش حالة الاسى والالم وقضى أيامه حزيناً كئيباً هل يستطيع تغيير الواقع الذي فات؟ الجواب: لا بالتأكيد وبالعكس فانه سيضرّ صحته وعمله وعلاقته بالآخرين ومجمل حياته، فلماذا نخوض تجربة مريرة طويلة ونتكبد الخسائر الفادحة ثم نصل إلى النتيجة التي لخّصها لنا الائمة المعصومون (^)، فالإنسان الحكيم ذو البصيرة يستفيد من هذه الحكم والمواعظ من اول الامر خصوصاً انتم الشباب في مقتبل العمر وفي اول مراحل بناء مستقبلكم فاختصروا الطريق بالاستفادة من هذه الروايات التنموية.



([1]) كلمة القيت يوم الجمعة 23 / ذوالحجة / 1438 المصادف 15/9/2017 بمناسبة قرب حلول شهر محرم الحرام

([2]) الميزان في تفسير القرآن: 20/263، منة المنّان: 4/271.

([3]) الكافي: 6/430.

([4]) عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى انه قال: (ان الله كتب الحسنات والسيئات ثم بيَّن ذلك، فمن همَّ بحسنةٍ فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وان همَّ بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى اضعاف كثيرة، وان هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وان هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة) رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما بهذه الحروف.

([5]) كما في الترتيب الذي ورد في سورة الواقعة.

([6]) منة المنان: 4/271.

([7]) البرهان في تفسير القرآن: 10/123 عن تفسير القمي: 2/410.

([8]) الميزان في تفسير القرآن: 20 /264.

([9]) مقتل ابي مخنف : 133، ناسخ التواريخ : 2/377، معالي السبطين: 2/19.

([10]) من حديث سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي مع شباب موكب الامام الجواد (×) من ناحية البطحاء في محافظة ذي قار يوم الخميس 21 محرم 1439 المصادف 12/10/2017.

([11]) الكافي: 3/225، كتاب الجنائز، باب الصبر والجزع والاسترجاع ، ح11

([12]) الكافي: 3/226 ، كتاب الجنائز، باب الصبر والجزع والاسترجاع ، ح13