خطاب المرحلة (527) أيها الشباب: احذروا الضجر والكسل
بسمه تعالى
أيها الشباب: احذروا الضجر والكسل([1])
ظاهرتان أو حالتان مبتلى بها مجتمعنا وهما مضرّتان به ويكون الضرر اكبر عندما تنتشران بين الشباب الذين يعوَّل عليهم في اعمار الحياة وبناء المستقبل وهما: الضجر والكسل، فترى كثيراً من الشباب محبطين يائسين متكئبين متقاعسين عن المشاركة الفعالة في الحياة الاجتماعية وهذا مرض خطير لان له تداعيات كارثية حيث يقود هذا الشعور الشباب إلى ادمان المخدرات أو قتل الوقت الثمين في مقاهي العبث أو الانخراط في جماعات الخطف والابتزاز والسرقة والعنف للحصول على المال الوفير والسريع بحسب ما يتوهمون او يسلّموا أنفسهم لمافيات التهريب إلى خارج الحدود ليواجهوا مصيراً مجهولاً وحياة كالعبيد وقد يخسر حتى دينه حيث تتعهد له بعض المؤسسات بتحصيل الإقامة له في البلد الأوروبي الفلاني بشرط ترك دينه.
ونحن نتفهم الظروف التي انتجت هذه الحالة أعني الوضع المزري الذي يعيشه العراقيون من جوانب عديدة لكن ذلك كله لا يبرّر حصول هذه الظاهرة، ولابد من ان نكون أكبر من الظروف ونتجاوز هذه الصعاب، ونبقي الامل حياً في قلوبنا ونجعل خياراتنا مفتوحه على كل ما هو مثمر ومفيد، مثلاً خريجو الجامعات أو غيرهم لا يحصرون همهم ومستقبلهم في الحصول على وظيفة حكومية بحيث يشعرون ان حياتهم متوقفة ولا قيمة لها اذا بقوا بدون وظيفة، والدولة لا تستطيع ان تعيِّن كل الشباب فلابد أن يفكرّوا بالبدائل المناسبة ولا يستنكفوا عن أي فرصة تتاح لهم ما دامت توفر لهم أسباب الحياة الكريمة، وقد تتحسن الفرص المتاحة تدريجياً حتى يصل إلى ما يناسبه ويكفيه فأن ((الحركة بركة)) كما قيل.
وهذا يلقي مسؤولية على أهل الأموال والجاه والنفوذ والقدرة بأن يوفرّوا مثل هذه الفرص للشباب ويعينوهم ويأخذوا بأيديهم، بحيث ذكرت في بعض كلماتي ان رجل الاعمال لو خُيِّر بين مشروعين، أحدهما فيه ربح شخصي له أكثر من الآخر، لكن الثاني يوفر فرص عمل لعدد أكبر فعليه أن يتوجه إلى الثاني لأن ربحه بجريان رزق الناس على يده اكبر وأعظم من الدينار الزائد الذي فاته، ويساهم بذلك في زرع الأمل والثقة بالنفس لدى عدد من الناس: وهذا إحسان يحبّه الله تعالى كثيراً وفيه نصرة الله تعالى لانه يزيل الاعتراض والسخط على القضاء والقدر.
ولخطورة ظاهرتي الضجر والكسل على الفرد والمجتمع فقد كثرت الاحاديث الشريفة في التحذير منهما، فمن وصايا النبي (|) لأمير المؤمنين (×) قال (يا علي .. إياك وخصلتين، الضجرة والكسل، فإنك إن ضجرت لم تصبر على حق، وإن كسلت لم تؤّد حقاً)([2]) وهذا ما نلمسه في حياتنا العملية حيث نجد التقاعس والكسل قد وصل حتى إلى المؤمنين الذين يفترض أنهم يعملون لله تعالى ويرجون ما عند الله تعالى ففقدوا الهمّة التي تعينهم على القيام بالواجبات الدينية والدنيوية لاحظ كمثال الحضور في صلوات الجمعة أو صلاة الجماعة اليومية في المساجد أو مجالس الوعظ والإرشاد والتوعية أو نشر الكتب والصحف النافعة، فيبخل على ربه بدقائق لكنه يمضي الساعات في الاحاديث الفارغة والاعمال العبثية واللهو بالأجهزة الحديثة، واذا كان الأمر كذلك فكيف نتوقع من جماعة متقاعسة كسولة أن تؤدي دورها الرسالي في إصلاح الامة والدعوة إلى الخير والامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
روي عن الامام الباقر (×) قوله (الكسل يضّر بالدين والدنيا) وعنه (|) وقال (إنّي لاُبغِض الرجل أن يكون كسلاناً عن أمر دنياه، ومن كسل عن أمر دنياه فهو عن أمر آخرته أكسل).
وهكذا يرتقي التحذير من الضجر والكسل وتداعياتهما إلى ان يقول الامام الباقر (×) (إياك والكسل والضجر فأنهما مفتاح كل شر) لانهما قد يؤديان حتى إلى الانتحار بعد أن يصل صاحبهما حالة اليأس وفقدان الامل، فعلينا أن نحيي الامل بالالتفات إلى الجوانب الإيجابية الموجودة لان الانسان وإن حرم من نعمة معينة الا ان عنده من النعم الأخرى ما لا يعد ولا يحصى كالصحة والعافية والأمن والايمان والبيئة المناسبة والشباب والنشاط والقوة وغير ذلك كثير. فلماذا ينظر إلى الجزء اليسير الفارغ من الكأس ولا ينظر إلى الجزء الأكبر المملوء منه فيشعر بالسعادة المفعمة بالأمل.
ولذا تناولت ادعية كثيرة طلب الإنقاذ من حالة الكسل والضجر، فمن دعاء للنبي (|) (أمنن علينا بالنشاط وأعذنا من الفشل والكسل، والعجز والعلل والضرر والضجر والملل) ومن دعاء الامام الرضا للحجة ابن الحسن (صلوات الله عليهم أجمعين) (ولا تبتلينا في أمره بالسأمة والكسل والفترة والفشل واجعلنا ممن تنتصر به لدينك).
وعلينا أن نأخذ الدرس من شباب محرومين من نعم أساسية لكن قلوبهم مفعمة بالأمل واجسادهم في حيوية ونشاط ويحققون الإنجازات، قبل أسابيع كرّمت جامعة كامبردج البريطانية المتفوق الأول على خريجي كلية القانون وهو شاب عراقي كفيف البصر، وانظر إلى الشباب الآخرين ممن يسمون ذوي الاحتياجات الخاصة كيف يقتنصون الفوز في المسابقات الدولية رغم انعدام الإمكانيات التي يحظى بها اقرانهم، وأعرف آخرين مشلولي الأطراف أو مبتلين بأنواع الابتلاءات الا انهم نشطون في تقديم الخدمات الإنسانية للمحتاجين والمحرومين.
وأنقل لكم هذه الحادثة التي رواها أحد ادباء النجف([3]) المخضرمين المعروفين بالحس الوطني قال ((رأيت طفلاً حاملاً كيس من الأزبال أكبر من حجمه محاولاً إرسالهُ إلى برميل الزبالة الكبير ولكنهُ يغني فاقتربت منه لأسمع غنائهُ فإذا هو يقرأ نشيد (موطني موطني) فكتبت ما يلي متعجباً من إخلاص هذا الطفل على رغم يعانيه من إهمال حكومي
يا موطن الأديان والمذاهب |
|
يا هل ترى لأين أنت ذاهبْ |
تدوس في نعليكَ كلَّ حرَّ |
|
وتترك الأفاعي والعقاربْ |
تقرِّب الفاسدَ تصطفيهِ |
|
كأنه منْ أقرب الأقاربْ |
للقمةٍ يكدحُ كلَّ فردٍ |
|
وفي ازديادٍ تُفرضُ الضرائبْ |
إلى متى نصبرُ أو نداري |
|
ومنْ منَ الكبار قدْ نحاسبْ |
أطفالنا ملائكٌ تغنّي |
|
وكم لديهمْ في الورى مناقبْ |
أحبُّهمْ أكثر من حياتي |
|
وحبهمْ فرضٌ علينا واجبْ |
هذا هو حال بلدنا وتناقضاته والضحية هم الأطفال والشباب وعوائل الشهداء والمحرومين والمستضعفين، لكن هذه الكوارث والصعوبات والمحن لا تستطيع قتل الأمل في نفوس الامة الحيّة الواعية ولا تدفعها إلى الضجر والكسل، اذن أحببت الفات النظر إلى هاتين الظاهرتين الخطيرتين لدى الفرد والمجتمع لنتعاون جميعاً على احتوائها ومعالجتها بشكل شامل وإخراج الشباب منها إلى حالة الأمل والنشاط والقوة والفتوة والعمل الدؤوب لإصلاح دنيانا وآخرتنا بأذن الله تعالى وفضله.
([1]) من كلمة لسماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) القيت بتاريخ يوم السبت 26 ذوالقعدة 1438 المصادف 19/8/2017
([2]) تجد مصادر الاحاديث المذكورة هنا في ميزان الحكمة: 7/493
([3])- الأستاذ جعفر الشرقي في كتابة شذرات الذكوات: 4/205 إصدار 2017/1438.