سلسلة حكايات من بلادي 

 يكتبها : الميالي

 الانتخابات

         قرأ الفتوى فهز كتفه .. مطٌ شفتيه بتذمر : هه .. أوجب من الصلاة والصوم !! يالها من مهزلة .. سألته .. وهي تجهز الطعام وقد اقترب موعد الإفطار : عماذا تتحدث ؟ فرد بتهكم .. وهو يجلس إلى الطاولة قربها وأمامه كومة من الصحف وسط المطبخ : عن الانتخابات طبعاً .. وهل يوجد حديث يشغل الناس  هذه الأيام غيرها .فردت وقد علتها الفرحة لسماع الانتخابات :  جميل .. وما الذي يزعجك في ذلك ؟ عاد إلى الوراء قليلاً .. اخذ نفساً عميقاً ملا به صدره  ثم قال .. وهو يحرك يديه يتصنع الحرص : هل قرأتي الفتوى .. إنها تؤكد أن وجوب المشاركة في الانتخابات هو أشد من وجوب الصلاة والصوم . ابتسمت .. وضعت الملح والبهارات وسط القدر وأحكمت إغلاقه ثم التفتت :نعم .. وهذا هو الصواب . انتفض بحنق : أي صواب يا جاهلة .. أي صواب .. هل تعرفين أنتِ شيئاً عن الدين والمجتمع والسياسة كي تبدي رأيك وتدافعي عن  الفتوى . جلست أمامه على الطاولة ، أخذت مقداراً من البطاطا وراحت تقطعها  أجزاء صغيرة .. و تنظر    إليه :على مهلك يا حبيبي .. هناك اكثر من دليل على وجوب المشاركة في الانتخابات من القرآن والسنة .. فتح عينيه بدهشة : وهل صرتِ تتحدثين  بالقرآن والسنة . قالت : لا عليك .. اسأل وسترى .وضع كفيه تحت ابطيه وعاد إلى الوراء قليلاً ثم قال مستهزأً : أتحفينا بأدلتك يا شاطرة . قالت : أما القرآن فيقول   (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ) وهذا يعني أن المساهمة في تنصيب الحاكم العادل .. الذي يسود في زمنه الخير والسلام والمحبة .. هو أعظم حتى من كل ما بلغ به الرسول من أحكام وآداب وتعاليم إسلامية .. ففي ظل الحاكم العادل تقبل الصلاة ويصح الصوم ويعم الدين والأيمان .. والعكس بالعكس أيضا .. فالحاكم عندما يكون ظالماً وجباراً فأنه سوف يمنع الصلاة ويحارب الصوم ويعادي الدين والمتدينين .. كما كان يفعل صدام بالضبط .. وأنا أسألك يا أحمد: أيهما أوجب أن تؤدي صلاتك المنفردة هذه ،التي لا تنفع بها إلا نفسك، أم أن تشارك في الانتخابات فتختار البرلمان الذي سيقوم بمهام عديدة أبرزها أنه يحدد رئيس الجمهورية ونائبه ورئيس الحكومة ، وألا هم من ذلك أنه سيكتب الدستور الذي   يؤثر على مستقبلك ومستقبل أولادك وأحفادك .. في كل ما يرتبط بدينكم ودنياكم . أخرج أحمد يديه من تحت إبطيه متعجباًً .. ووضعهما على الطاولة ولسانه يردد ومن دون أن يشعر : ياشيطانـــة .. من أين لك بكل هذه المعومات . ابتسمت منتشية : أنها بركات الحوزة النسوية . رد مستغرباً: ولكنها سنة واحدة . قالت والضحكة تسبق كلماتها : سنة واحدة لكنها مليئة بالأزهار والثمار .. وأنت تعرف زوجتك كم هي شاطرة وذكية . أزداد غضبه فدفع الصحف والفتوى بعيداً ونهض من مكانه يصرخ : سأفطر في المطعم .. وربما لن أفطر أبداً هذا اليوم  فقد ماتت شهيتي وخرج وقد أوصد الباب خلفه بقوة . وضعت أيمان يدها على فمها لتخنق ضحكتها القوية .. ثم أخرجت رأسها من النافذة ونادته قبل أن يصل إلى الباب الرئيسي : لا تنسى أن تحظر معك طعام السحور ومعك نشرة الصادقين إن أمكن .