قراءة في كتاب (الفريضة المعطلة )
قراءة في كتاب
الفريضة المعطلة
هذا الكتاب يعالج مشكلة تعطيل صلاة الجمعة من الناحية الفقهية الاستدلالية . اي تناول الادلة التي تكشف بوضوح وجوووجوب وعظمة هذه الفريضة حتى في زمن الغيبة.
حيث يؤكد سماحة الشيخ اليعقوبي (دام ظله) ان سبب التعطيل يعود الى الظروف التاريخية التي اهمها احتكار صلاة الجمعة وجعلها من وظائف السلطة التي لا يمكن لأحد ان يزاحمها فيه.
وقد ناقش سماحته طائفتين من الفقهاء ، ا لطائفة الاولى متمثلة بالسيد ا لخوئي (قده) والتي تذهب الى الوجوب التخييري لصلاة الجمعة في زمن الغيبة، والطائفة الثانية القائلة بعدم مشروعيتها اصلاً.
ولاثبات فكرة الوجوب التعييني لصلاة الجمعة فان المؤلف تناولها على عدة مستويات: المستوى الاولى الاستدلال بالقرآن، والمستوى الثاني: الاستدلال بالسنة الشريفة.
اولا: الاستدلال بالقرآن.
وذلك في قوله تعالى: (يا ايها الذين آمنوا اذا نودي للصلاة ما يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله وذروا ا لبيع) الجمعة: من الاية: 9.
وبالرغم من ظهور وجوب السعي الى ذكر الله في الآية الا ان السيد ا لخوئي (قده) ذهب الى انه لا دلالة هنا على الوجوب التعييني لوجهين:
احدهما: ان وجوب السعي هنا لا يعني الوجوب لاقامتها ابتداءً بل الوجوب متأخر على مقدمة اخرى وهي تحقق اقامة الصلاة في الخارج، فاذا اقيمت وجب السعي اليها، اي ان الجملة الشرطية هنا لها مفهوم مؤداه: اذا لم يناد اليها لا تجب.
والوجه الآخر: ا ن الاسراع ي ا لسعي في الاية يحمل على الاستحباب، لان صلاة الجمعة لا تترتب على النداء لوجود فاصل الخطبة، فاذن الآية تحث على الاسراع لسماع الخطبة وهو اسراع مستحب ومناسبة الموضوع يؤيد ذلك لان موضوع الحكم هو سماع الخطبة المتضمنة للموعظة والارشاد والتخويف وكل هذه المعاني تستحق الحث على الاسراع والحضور المبكر.
ويرد سماحة الشيخ اليعقوبي على الوجه الاول بان الجملة وان كانت بصورة شرطية الا انها لا تفيد تعليق الجزاء على الشرط وبالتالي ليس لها مفهموم حتى تدل على عدم الوجوب عند عدم النداء، كما ان هذا النداء كناية عن دخول الوقت ولا يراد به الآذان الفعلي للصلاة.
واما رد سماحته على الوجه الثاني فيبدأ بنقد الذوق الفقهائي الذي ينحصر في تحصيل اقل ما يمكن من الوجوب لبراءة ذمة المكلف دون تربيته على معاني السمو والارتقاء في درجات الكمال.
ويؤكد سماحته علىا ن حصر الوجوب في لحظة ادراك الامام في حالة الركوع هو مصداق لتضييق فضيلة الجمعة التي كان الصحابة يستعدون ويتجهزون اليها يوم الخميس !
والاكثر من ذلك فان انحصار وجوب الحضور عند بلوغ الامام حد الركوع يؤدي الى عدم اقامة الصلاة اصلاً، لان اقامتها مشروطة بحضور العدد وهم خمسة، فاذا اتفقوا على عدم الحضور الا في لحظة بلوغ الامام حد الركوع فانه سوف ينصرف ويلغي اقامتها لعدم حضورهم قبل الخطبة.
وكأن هذا يستلزم الدور فان اقامة الصلاة مشروط بحضور خمسة اشخاص وهؤلاء الخمسة يحضرون عند بلوغ الامام حد الركوع وبالتالي لا تقام الصلاة اصلا.
وسأترك للقارئ فرصة ا لاستمتاع باكمال المناقشة القرآنية الفقهية الرائعة في الكتاب والتي تبرز الذوق الفقهي الرفيع لعلمائنا الاجلاء.
المستوى الثاني: الاستدلال بالسنة الشريفة .
قسّم سماحته الروايات الخاصة لصلاة الجمعة الى عدة طوائف:
الطائفة الاولى: ما دل صريحا على وجوب صلاة الجمعة.
ومن هذه الاحاديث صحيحة زرارة عن ابي جعفر (ع) قال: الجمعة واجبة على من ان صلى الغداة في اهله ادرك الجمعة.
الطائفة ا لثانية: الاخبار التي دلت على وجوب صلاة الجمعة على كل من يبعد عن محل اقامتها فرسخين وعدم وجوبها على من يبعد عنها اكثر من ذلك.
ومنها: صحيحة محمد بن مسلم وزرارة عن ابي جعفر (ع) قال: (تجب الجمعة على كل من كان من على فرسخين).
الطائفة الثالثة: الروايات الواردة في ان كل جماعة ومنهم اهل القرى اذا كان فيهم من يخطب لهم لصلاة الجمعة ، وجبت عليهم اقامتها وإلا يصلون الظهر اربع ركعات ، ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن احدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن أناس في قرية هل يصلون الجمعة جماعة؟ قال: نعم، ويصلون اربعا اذا لم يكن من يخطب.
الطائفة الرابعة: ما دل على وجوبها على المسلمين : اذا اجتمع ا لعدد المعتبر ومنها: صحيحة عمر بي يزيد عن ابي عبد الله (ع) قال: (اذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلوا في جماعة).
وفي مناقشة فقهية واسعة يدافع سماحة الشيخ اليعقوبي عن رأيه حول ثبوت الوجوب التعييني لصلاة الجمعة والتي تدل عليه هذه الرويات المستفيضة.
حكم الحضور فيها عند اقامتها.
في مناقشة سابقة يحاول السيد الخوئي (قده) اثبات ان الآيات القرآنية والروايات الواردة حول اقامة صلاة الجمعة لا تدل على الوجوب التعييني، وهنا يسأل سؤالا هاما وهو: هل يجب الحضور لصلاة الجمعة فيما اذا اقيمت في الخارج في زمن الغيبة؟ وهنا يجيب بالاحتياط الوجوبي في الحضور.
حيث يستغرب سماحة الشيخ اليعقوبي من هذا الاحتياط الوجوبي امام هذا الحكم الكبير من الروايات اذ كان عليه (قده) ان يجزم بوجوب الحضور، بل فوق ذلك ان هذا الاحتياط الوجوبي قد يؤدي بالمكلف الى مخالفة هذه النصوص الصريحة لان السيد الخوئي يأذن بالرجوع في مسائل ا لاحتياط الوجوبي الى اعلم الموجودين ، فاذا كان هذا الاعلم لا يرى وجوب الحضور فان المكلف سوف يتورط بعدم الحضور ومخالفة النصوص.
مناقشة القائلين بعدم مشروعية صلاة الجمعة في زمن الغيبة
هذه جولة اخرى من النقاش الفقهي الاستدلالي يخوضها سماحة الشيخ اليعقوبي مع طائفة من العلماء الاجلاء ذهبت الى عدم مشروعية صلاة الجمعة في زمن الغيبة لأسباب منها : الاجماع على عدم المشروعية من دون حضور الامام (ع) وان السيرة من لدن عصر النبي (ص) والائمة (ع) جرت على تعيين من يقيم الجمعة حيث ينصب لاجلها بالخصوص ، ومنها : إن اقامتها عند عدم حضور الامام (ع) يكون مثار للفتنة .
وقد رد السيد الخوئي (قده) على الدعوى الاولى بأنه لا اجماع على عدم المشروعية ، ولو كان هناك اجماع تعبدي فإنما هو على نفي الوجوب التعييني لا على نفي المشروعية فالاجماع عليه مقطوع بالعدم .
والدعوى الاخرى يردها سماحة الشيخ (دام ظله) بأن تعيين امام الجمعة كان من شؤون الخلافة ولا يسمح لأحد بالتدخل فيها .
وأما الدعوى الثالثة فيردها بقوله أن الفتنة المتوقعة لم تقع بسبب التشريع وإنما بسبب سوء التطبيق والامتثال ولا ذهب للشارع المقدس فيه ، بل أننا اذا طالبنا بالغاء كل مناشئ الخلاف للزم رؤية الهلال واختيار مرجع التقليد وهذا ما لا يقول به أحد .
ويختتم سماحته الكتاب بالمناقشة الأصولية التي يؤكد فيها أننا اذا طبقنا اصل الاستصحاب على مشروعية صلاة الجمعة فأننا ننتهي الى القول بالوجوب التعيين لأن الحالة السابقة لها كانت الوجوب التعييني وذلك في زمن الرسول والأئمة (ع) .
حيث يرد بذلك ما ذهب اليه السيد الخوئي (قده) من أن أمر الرجوع الى البراءة العقلية والنقلية التي تنتهي بنا الى القول بالوجوب التخييري .
وسأترك للقارئ المجال للرجوع الى الكتاب للإطلاع على العبقرية الفقهية لعلمائنا وعلى الأدب الرفيع في المحاورة النزيهة التي تكشف عن الخلف العظيم لخلفاء الإمام (ع) .
والحمد لله رب العالمين .