الحرب النفسية والتضييق على أصحاب المبادئ
بسمه تعالى
الحرب النفسية والتضييق على أصحاب المبادئ([1])
انقل لكم هذه الواقعة لنأخذ منها عدة دروس وعبر وقد حصلت مع احد أصحاب الامام الصادق (×) اسمه عمار الدهني تتعلق برّد قضاة العباسيين لشهادته لا لشيء الا لأنه من شيعة اهل البيت (^) مع اعترافهم بانه من اهل العلم والحديث ونعلم ان رد الشهادة تستبطن معنى التفسيق وعدم الصلاح.
في البحار: قيل للصادق (×) إن عمارا الدهني شهد اليوم عند ابن أبي ليلى قاضي الكوفة بشهادة فقال له القاضي: قم يا عمار فقد عرفناك لا تقبل شهادتك لأنك رافضي فقام عمار وقد ارتعدت فرائصه واستفرغه البكاء فقال له ابن أبي ليلى: أنت رجل من أهل العلم والحديث إن كان يسوءك أن يقال لك رافضي ــ أي شيعي موالي لأهل البيت (^) ــ فتبّرأ من الرفض فأنت من إخواننا، فقال له عمار: يا هذا ما ذهبت والله حيث ذهبت) أي ليس بكائي وجزعي من الاستخفاف بي وردّ شهادتي.
(ولكن بكيت عليك وعلي، أما بكائي على نفسي فانك نسبتني إلى رتبة شريفة لست من أهلها زعمت أني رافضي ويحك لقد حدثني الصادق × أن أول من سمي الرفضة السحرة الذين لما شاهدوا آية موسى في عصاه آمنوا به واتبعوه، ورفضوا أمر فرعون، واستسلموا لكل ما نزل بهم، فسماهم فرعون الرافضة لما رفضوا دينه، فالرافضي كل من رفض جميع ما كره الله، وفعل كل ما أمره الله، فأين في هذا الزمان مثل هذا ؟. وإن ما بكيت على نفسي خشيت أن يطلع الله عزوجل على قلبي وقد تلقبت هذا الاسم الشريف على نفسي فيعاتبني ربي عزوجل ويقول: يا عمار أكنت رافضا للأباطيل، عاملا بالطاعات كما قال لك؟ فيكون ذلك بي مقصرا في الدرجات إن سامحني، وموجبا لشديد العقاب علي إن ناقشني، إلا أن يتداركني موالَّي ــ أي المعصومون (سلام الله عليهم) ــ بشفاعتهم.
وأما بكائي عليك فلعظم كذبك في تسميتي بغير اسمي وشفقتي الشديدة عليك من عذاب الله أن صرفت أشرف الاسماء إلي، وإن جعلته من أرذلها كيف يصبر بدنك على عذاب كلمتك هذه؟) قال له ذلك لأنه لا يستطيع أن يقول له انك اغضبت الله تعالى لأنك رضيت أن تكون قاضياً للسلطة الجائرة وأداة لظلمهم فبعت دينك بثمن دنيوي بخس.
(فقال الصادق (×): لو أن على عمار من الذنوب ما هو أعظم من السماوات و الارضين لمحيت عنه بهذه الكلمات وإنها لتزيد في حسناته عند ربه عزوجل حتى يجعل كل خردلة منها أعظم من الدنيا ألف مرة ([2]) .
وتشير المصادر الى ان الواقعة تكررت مع اخرين من أصحاب الامام (×) فقد روى الشيخ الصدوق عن أبي كهمس أنه قال: (تقدمت إلى شريك في شهادة لزمتني فقال لي: كيف أجيز شهادتك وأنت تنسب إلى ما تنسب إليه، قال أبوكهمس: فقلت: وما هو؟ قال: الرفض، قال: فبكيت ثم قلت: نسبتني إلى قوم أخاف ألا أكون منهم، فأجاز شهادتي) و قد وقع مثل ذلك لابن أبي يعفور ولفضيل سكرة(([3])).
ونستفيد من الرواية عدة دروس:
1- ذكرت الرواية باختصار المعنى الحقيقي للتشيع وانه ليس مجرد دعوى ندّعيها او نؤدي بعض المظاهر الدالة عليها كزيارة الائمة (^) والمشاركة في شعائرهم ونحو ذلك بل لابد ان يكون لها معنى حقيقي في واقعنا وسلوكنا وطريقة تفكيرنا ونظرتنا الى كل الأمور حولنا.
2- ان يكون الانسان ورعا في دينه ومن علامات ورعه رفضه ما يكال له من مدح وثناء ومبالغة تصل إلى حد التقديس لأنه خير من يعرف حقيقة نفسه فلا ينخدع بما يضفيه عليه الاخرون من ألقاب وعناوين ويلتزم بقول أمير المؤمنين (×) عندما مدحه أحد بحضرته (للهم لا تؤاخذني بما يقولون ، واجعلني خيراً ممّا يظنّون ، واغفر لي ما لا يعلمون ، إنّك علاّم الغيوب ) ([4])
3- الثواب العظيم الذي يمنحه الله تعالى بفضله لمن يكون على هذا المستوى من مراقبة النفس وقد ذكره الامام (×) في نهاية الرواية.
4- الحرب النفسية والتضيق والحصار الاجتماعي الذي كان يمارسه خصوم اهل البيت (^) عليهم وعلى شيعتهم بما يمتلكون من سلطة ونفوذ واموال وإعلام وكثرة اتباع ونحو ذلك من الأدوات حسداً من عند انفسهم لان وجود اهل البيت(^) ومن سار على نهجهم يشكل فضيحة لهم لوضوح الفارق الأخلاقي الشاسع بينهم (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) (النساء : 54) وان الناس حينما تقارن بين الخطين والمنهجين فإنها لا تتردد في الإذعان لأحقية اهل البيت (^) وسوف تتمرد على أولئك وتلتحق بركب اهل البيت (^) فيقومون بحملات شرسة قاسية للتسقيط والتشويه والتضييق.
وفي الحقيقة فان هذه الحرب النفسية والتسقيط والافتراء والتضليل يتعرض لها كل أصحاب المبادئ الحقة لمنع وصول صوت الحق الى عموم الناس كالذي يتعرض له المسلمون من أعداء الإسلام، او الشيعة من غيرهم ضمن دائرة الإسلام، ويتعرض لها اتباع المرجعية الرسالية العاملة داخل المذهب ايضاً لنفس الأسباب المذكورة أعلاه.
فعلى أصحاب المبادئ الحقّة ان لا يشعروا بالضيق مما يتعرضون له وان لا يتراجعوا او يترددوا او تضعف ثقتهم بأنفسهم بل عليهم ان يعرفوا فضل الله تعالى ونعمته ان هداهم الى الصراط السوي (وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) (النساء: 113)
([1]) من حديث سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي (دام ظله) مع جمع من الوفود والزوار في مكتبه يوم الخميس 19/ذق/1439 الموافق 2/8/2018
([2]) بحار الانوار: 65/156-157 عن تفسير العسكري :310
([3]) ما لا يحضره الفقيه: باب نوادر الشهادات / ح152- معجم رجال الحديث :13/ 270
([4]) نهج البلاغة – خطب ورسائل - خطبة الإمام علي(ع) في وصف المتقين