كن عند المنكسرة قلوبهم
بسمه تعالى
كن عند المنكسرة قلوبهم([1])
روي ان رسول الله (|) (سئل: أين الله؟ فقال: عند المنكسرة قلوبهم)([2]) والسؤال فيه تقدير ومعناه أين نجد الالطاف الالهية الخاصة وأين نحظى باقبال الله تعالى وشمولنا بالرحمة والعطاء، والا فان الله تعالى لا يسأل عنه بأين، قال تعالى (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ) (الحديد:4).
فاذا وجدت قلباً منكسراً فاعلم انه مظنة لنيل رضا الله تعالى.
ولانكسار القلب أسباب عديدة وتبعاً لذلك تكون عدة اشكال للكون مع المنكسرة قلوبهم.
فقد ينكسر قلب الانسان عندما يُظَلم ويعتدى عليه ولا يستطيع استنقاذ حقه ودفع الظلم والعدوان عنه، ويكون حينئذٍ معنى الكونَّ معه: السعي لرفع الظلم عنه واسترجاع حقه، وأول مخاطب بذلك الظالم نفسه فعليه ان يعوضه ويؤدي اليه حقه، وفي الحديث الشريف (من كسر مؤمناً فعليه جبره)([3]).
وقد ينكسر القلب بسبب كثرة الهموم والابتلاءات، روي عن رسول الله (|) قوله (انه ليأتي على الرجل منكم زمان لا يكتب عليه سيئة وذلك انه مبتلى بهمّ المعاش، وقال ان الله يحب كل قلب حزين)([4]) فمن سعى في مساعدة هؤلاء وقضاء حوائجهم فليستثمر مثل هذه الحالة للدعاء والطلب.
وقد ينكسر ندماً لما صدر منه من المعاصي والذنوب وفي رتبة أعلى من ذلك ينكسر قلبه للتقصير في أداء حق الله تعالى عليه وعدم الاستفادة من كل لحظة في طاعة الله تعالى، وفي دعاء أمير المؤمنين (×) الذي رواه كميل (وقد اتيتك يا الهي بعد تقصيري واسرافي على نفسي معتذراً نادماً منكسراً).
وقد ينكسر القلب من خوف الله تعالى وخشيته كما في قول أمير المؤمنين (×) ( ان لله عباداً كسرت قلوبهم خشيته)([5])، فاذا طبقنا الحديث السابق (من كسر مؤمناً فعليه جبره) فان مثل هؤلاء يتكفل الله تعالى بجبر قلوبهم المنكسرة بعطائه المهنّا الذي ماله من نفاذ وطوبى لهم وحسن مآب وفي مناجاة المفتقرين للإمام السجاد (×) (إلهي كسري لا يجبره الا لطفك وحنانك).
ان هذا القلب الذي تكون له هذه الحالة المحمودة ــ انكسار القلب ــ يمكن ان يتحول إلى الضد اذا أصيب الانسان بالغفلة أو تغلب عليه هواه وطمعه وحبّه للدنيا وانقاد لشهواته، في امالي الصدوق عن الامام الصادق (×) قال (كان ابي يقول: ما من شيء افسد للقلب من الخطيئة، ان القلب ليواقع الخطيئة فما تزال به حتى تغلب عليه فيصير اسفله أعلاه واعلاه اسفله)([6]) وروي عن النبي (|) انه قال (ان الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم فاذا ذكر الله سبحانه خنس وان نسيه التقم قلبه فذلك الوسواس الخناس)([7]).
فإذن عندنا فرصة عظيمة للطاعة ونيل رضا الله تبارك وتعالى بأن نكون مع المنكسرة قلوبهم بالاشكال المتعددة التي ذكرناها، وقد اجتمعت كل هذه الأسباب يوم عاشوراء في قلب الإمام ابي عبدالله الحسين (×) واخته العقيلة زينب (سلام الله عليها) فالظلم والعدوان الذي تعرض له الإمام (×) لا نظير له، والهم والابتلاء الذي حلَّ به (×) كان في أشدّ حالاته، وتعلّق قلبه بالله تعالى وانكساره من خشيته كان في ذروته فكانوا سلام الله عليهم أبواب الله التي منها يؤتى، فللّه الحمد على هدايته لولايتهم.
([1]) القيت يوم الخميس 11 رجب 1439 المصادف 29 / 3 / 2018 على مواكب الهيئة الزينبية الذين يجتمعون سنوياً في النجف الأشرف لينطلقوا إلى كربلاء سيراً على الاقدام حيث يقيمون شعائر ذكرى وفاة العقيلة زينب وزيارة النصف من رجب.
([2]) بحار الانوار: 73 / 157 ح 3 عن دعوات الراوندي: 120 . رقم 280 - 282
([3]) الكافي ط الإسلامية: 2/45
([4]) بحار الانوار: 73/ 157 ح 3
([5]) تحف العقول: 289 في وصية امام الكاظم (×) لهشام بن الحكم
([6]) سفينة البحار: 7 / 340
([7]) بحار الانوار: 70 /48