قضاء حاجة المؤمن من أفضل العبادات
بسمه تعالى
قضاء حاجة المؤمن من أفضل العبادات([1])
روى أبان بن تغلب([2]) (كنت أطوف مع أبي عبد الله (×) فعرض لي رجل من أصحابنا كان سألني الذهاب معه في حاجة فأشار إلي فكرهت أن أدع أبا عبد الله (×) وأذهب إليه فبينا أنا أطوف إذ أشار إلي أيضا فرآه أبو عبد الله (×) فقال: يا أبان إياك يريد هذا؟ قلت: نعم، قال: فمن هو؟ قلت: رجل من أصحابنا، قال: هو على مثل ما أنت عليه ــ أي الإسلام ومعرفة حق أهل البيت (^) ــ قلت: نعم، قال: فاذهب إليه، قلت: فأقطع الطواف؟ قال: نعم، قلت: وإن كان طواف الفريضة؟ قال: نعم، قال: فذهبت معه، ثم دخلت عليه بعد ــ أي في زيارة لاحقة للإمام (×) بعد مدة ــ فسألته، فقلت: أخبرني عن حق المؤمن على المؤمن فقال: يا أبان دعه لا ترده ــ أي دع هذا السؤال لان جوابه ثقيل عليك ــ قلت: بلى جعلت فداك فلم أزل أردد عليه، فقال: يا أبان تقاسمه شطر مالك، ثم نظر إلي فرأى ما دخلني ــ أي من ثقل هذه المسؤولية ــ فقال: يا أبان أما تعلم أن الله عز وجل قد ذكر المؤثرين على أنفسهم؟ قلت: بلى جعلت فداك، فقال: أما إذا أنت قاسمته فلم تؤثره بعد، إنما أنت وهو سواء إنما تؤثره إذا أنت أعطيته من النصف الآخر).([3])
الرواية تبيّن عظمة حق المؤمن على أخيه المؤمن وضرورة السعي في قضاء حوائجه حتى قدّمه الامام (×) على الطواف الواجب بصحبة الامام المعصوم (×) وتريّث الامام (×) كثيراً قبل أن يخبره بهذا الحق اشفاقاً على أبان ــ وهو صاحب المنزلة الجليلة في قلب الائمة (^) ــ وخوفاً من تقصيره في أدائه، ورأه (×) كيف اعتراه الذهول لما سمع بواحد من هذه الحقوق، وهو أن يقاسمه ماله فيعطي أخاه المحتاج نصفاً ويبقي له نصفاً وهو لا يزال لم يبلغ الذين وصفهم الله تعالى بقوله (وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) (الحشر:9) لأن الايثار لا يتحقق الا عندما يعطي لأخيه اكثر مما يأخذه لنفسه.
ونحن نعلم ان الائمة يعطون لأصحابهم جرعات مختلفة من التربية بحسب مستوياتهم الدينية والأخلاقية والاجتماعية والفكرية فيقول الامام (×) لأبان ما لا يقوله لغيره.
ولابد أن نلتفت إلى أن الايثار لا يقتصر على المال فقد تؤثر الغير على نفسك بوقتك أو براحتك كالطبيب([4]) الذي يكون جاهزاً على مدار الساعة لتلبية أي حاجة طارئة تعرض عليه ويضحي براحته من أجل انقاذ الآخرين من الألم ومعالجتهم، أو ما نشاهده من تعبئة عامة أيام زيارة الأربعين على مدى أسابيع لخدمة الزوار وإطعامهم وايوائهم فيؤثرونهم على أنفسهم. وهكذا بعض العاملين في المنظمات الإنسانية والخيرية وكثير ممن لا يكلّون ولا يملّون من السعي في قضاء حوائج الناس.
وغاية الايثار ما نراه من ابطال قواتنا المسلحة والحشد الشعبي الذي يضحوّن بالأرواح ويسترخصون الدماء ويفارقون الأهل والأحبة من أجل تحرير الأرض وإنقاذ الأبرياء من مخالب الإرهاب في شتى مواضع القتال، وبعضهم يدّخر قنينة الماء المخصصة له اثناء المعركة لعله يجد مدنياً بريئاً ينقذه من تحت الأنقاض فيسقيه حصته من الماء، وآخر يضع سلاحه على كتفه وهو في ساحات المواجهة وحياته مرهونة بهذا السلاح من أجل أن ينقذ شيخاً أو طفلاً ويزهد بحياته ليقوم بهذا العمل الإنساني النبيل مما اثار استغراب كل القادة في العالم.
وآخر يحتضن ارهابياً ويفجّر نفسه معه لمنعه من إيقاع الخسائر بتجمعات الأبرياء العزّل في المساجد والمدارس والأسواق.
وهذا ما يجب أن يفهمه السياسيون والمتصدون لمواقع السلطة فأنهم يستطيعون من خلالها تقديم أفضل الخدمات للناس وتحصيل أوسع الفرص لهذه العبادة العظيمة ليفوزوا بسعادة الدارين ولا يحق له الاعتذار بأي عذر، بل أنهم بالخصوص ملزمون بهذا العمل لانه الكفارة الوحيدة لتصديهم لمواقع السلطة ولا توجد كفارة غيرها من أي شكل من اشكال العبادات والصدقات حيث ورد في الحديث الشريف عن الامام الصادق (×) (كفارة عمل السلطان قضاء حوائج الإخوان.)([5])، فان أفضل طريق لتحقيق السعادة هو إدخال الفرحة على الآخرين واسعادهم، ولابد من اكتشاف هذه الحقيقة من أول وقت حتى نتمكن من استثمار الفرصة جيداً.
لكن البعض يدركها بعد فوات الفرصة أو في الوقت الضائع، كما نقل عن اثرى رجل في العالم وهو على فراش المرض وينظر إلى الأجهزة الطبية المركبة على بدنه فادركته الحسرة والندامة أنه لم يستطع الاستفادة من هذه الثروة الضخمة التي بلغت عشرات المليارات في ضمان سعادته في حياته الأخرى وسيذهب ويخلّفها وهذه خسارة حقيقية وحسرة دائمة.
وقد اقترحت مراراً أن يوضع قانون أخلاقي ينظم عمل سائر المهن، فيه قسم يتعلق بالأخلاق العامة لممارسة أي مهنة، وفيه قسم خاص بكل مهنة على حدة، لان كل مهنة لها خصوصياتها ومشاكلها وشبهاتها فقانون لذوي المهن الطبية وآخر للهندسية وآخر للقضاة وآخر للمعلمين وآخر للسياسيين وهكذا يصبح هذا القانون الأخلاقي منهجاً دراسياً في الجامعات والمعاهد جنباً إلى جنب العلوم التخصيصية ليقترن العلم بالعمل الصالح والاستقامة على العدل والإحسان.
([1]) من كلمة سماحة المرجع اليعقوبي (دام ظله) مع وفد من أبناء الفضيلة / مكتب الكرخ بغداد ألقاها بتاريخ 21/ 9 / 2017 المصادف 29 ذي الحجة 1438
([2]) وهو من أجِّلاء أصحاب الائمة (^)، عاصر الائمة السجاد والباقر والصادق (^) ولما توفي قال الامام الصادق (×): لقد أوجع قلبي موت أبان.
([3]) أصول الكافي، باب حق المؤمن على أخيه ج2 ص 171 ح 8
([4]) ورد هذا الجزء من الكلام في حديث مماثل لسماحة المرجع (دام ظله) مع جمع من الأطباء من مختلف المحافظات يوم الخميس 22/ذوالحجة/1438 المصادف 14/9/2017.
([5]) جامع أحاديث الشيعة - السيد البروجردي - ج ٢٢ - الصفحة ٣٥٦