الغضب لله تعالى شرط صدق الايمان
الغضب لله تعالى شرط صدق الايمان([1])
في كتاب الكافي بسنده عن الامام الصادق (×) قال: (إن الله عز وجل بعث ملكين إلى أهل مدينة ليقلباها على أهلها([2]) فلما انتهيا إلى المدينة وجدا رجلا يدعو الله ويتضرع فقال: أحد الملكين لصاحبه: أما ترى هذا الداعي؟ فقال: قد رأيته ولكن أمضي لما أمر به ربي، فقال: لا ولكن لا أحدت شيئا حتى أراجع ربي فعاد إلى الله تبارك وتعالى فقال: يا رب إني انتهيت إلى المدينة فوجدت عبدك فلانا يدعوك ويتضرع إليك، فقال: امض لما أمرتك به فإن ذا رجل لم يتمعر([3]) وجهه غيظا لي قط)([4])
وفي مصدر آخر ان الله تعالى عذب الملك الذي راجعه لأنه كان يجب عليه التنفيذ مباشرةً حيث وصف الله تعالى الملائكة (وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (النحل:50)
وفي الكافي والتهذيب عن الامام الباقر (×) قال: (أوحى الله تعالى الى شعيب النبي (×): اني معّذب من قومك مائة الف، أربعين الفاً من شرارهم وستين الفاً من خيارهم، فقال (×): يا رب هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟ فأوحى الله عز وجل اليه: داهنو اهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي)([5])
أقول: هذان الحديثان وأمثالهما يشيران الى ان الايمان لا يكون كاملاً مستوفياً لحقيقته بمجرد الاتيان بالأعمال الدينية الظاهرية، وان معيار صدق الايمان والإخلاص لله تعالى وتوفر حقيقته في قلب الانسان هو الغضب لله تعالى اذا عصي وانتهكت احدى المقدسات او ظلم انسان، أو حصل تقصير في حق من حقوق الله تعالى فالمؤمن الصادق لا يسعه السكوت والاغضاء واللامبالاة وانما يتحرك بمقدار ما ييسره الله تعالى ويأذن به لمعالجة التقصير ورفع الظلم والدفاع عن المقدسات.
فاندفاع أبناء الحشد الشعبي لمؤازرة الجيش والشرطة في القضاء على الإرهابيين المجرمين لإنقاذ الناس وتحريرهم وحماية المقدسات كانت غضبة لله تعالى، وانتشار المؤسسات القرآنية والدينية كانت غضبة وانتفاضة على حالة الإهمال والاعراض التي يشكو منها.
ويشهد المجتمع اليوم ظواهر عديدة للعصيان والتمرد على الاحكام الإلهية فلابد للمؤمن الصادق ان يغضب لله تعالى وينهض للإصلاح والتغيير فنسمع عن انتشار بيع الخمور أو إقامة الحفلات المختلطة الماجنة أو اطلاق الاعيرة النارية في المناسبات فتؤدي الى قتلى وجرحى، ونسمع عن النزاعات العشائرية التي تقلق الناس وتسبب خسائر في الأرواح والممتلكات وكثرة حالات الطلاق وهو أبغض الحلال الى الله تعالى وكذا ظاهرة ظلم وامتهان المرأة والفساد المالي والإداري والاستئثار بالمال العام، وغيرها كثير مما يتطلب القيام لله تعالى مثنى وفرادى وبأساليب الحكمة والموعظة الحسنة حتى نحاصر الفساد والانحراف والظلم ونشعر اهله بالخطأ والخطيئة حتى نصلح المجتمع ونقضي على الفساد بإذن الله تعالى.
هذا الغضب لله تعالى هو الذي حرَّك الامام الحسين (×) واهل بيته واصحابه المنتجبين ليقوموا مخلصين لله تعالى، وقد صوَّر المرحوم السيد جعفر الحلي هذه الغضبة في الابيات التالية:
وقـــد تحكّــم بالإســـلام طاغيــــة يمسي ويصبح بالفحشاء منهمكا
لم أدرِ أين رجال المسلميـــن مضّوا وكيف صار يزيد بينهــم ملكــا
لئن جرت لفظة التوحيـد فـــي فمـه فسيفــه بسوى التوحيـد ما فتكـا
قد اصبح الدين منه يشتكـــي سقماً وما الى أحد غير الحسين شكا
فما رأى السبط للدين الحنيف شفا الا اذا دمه في كربـلا سفكــــا([6])
([1]) من حديث سماحة المرجع الشيخ اليعقوبي (دام ظله) مع أساتذة وطلبة المدرسة القرآنية في حي الغزالية ببغداد يوم الأربعاء 23/ج2/1438 المصادف 22/3/2017
([2]) حيث كانت الأمم السابقة تعاقب بعقوبات جماعية كما يحكي القرآن الكريم عن عدة حالات منها واعفيت الامة الخاتمة من ذلك.
([3]) لم يتمّعر وجهه: أي لم يتغير الى الصفرة
([4]) الكافي: باب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر،ح8
([5]) الوسائل: 16/146ح 1.
([6]) الدر النضيد للسيد محسن الأمين العاملي: 242