خطاب المرحلة(464) امور يكرهها المعصومون (عليهم السلام) يجب اجتنابها
خطاب المرحلة(464)امور يكرهها المعصومون (عليهم السلام) يجب اجتنابها
امور يكرهها المعصومون (عليهم السلام) يجب اجتنابها([1])
وسائل التربية والتعليم للإنسان كثيرة بعضها معروفة وملتفت اليها كالتلقّي المباشر من المعلّم والمربّي، وبعضها غير معروفة ولا يُلتفت إليها:
(منها) الإحسان في العمل والى الآخرين، قال تعالى عن يوسف الصديق (×) (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (يوسف22) وقال تعالى عن النبي موسى (×) (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ) (القصص14) فإيتاء العلم –سواء الفقه في الدين أو تأويل الرؤيا -والحكم- أي الحكمة أو الحكومة- كان جزاء لإحسانهم بأي نحوٍ كان في التعامل مع الآخرين كإحسان العمل واتقانه أو الاحسان الى الوالدين او الجيران او الاهل او عموم الناس، بل حتى الحيوان كما في قصةٍ رويتها سابقاً عن طالب العلم الذي أرضع قططاً صغيرة ماتت اُمّهنّ بعد الولادة.
(ومنها) التقوى، قال تعال (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ) (البقرة282)، وقال تعالى (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً ) (الأنفال29) والفرقان: نور البصيرة الذي يقذفه الله تعالى في قلب المتقي جزاء لتقواه ليميّز بين الحقِّ والباطل.
ومثل هذه المصادر للعلوم والمعارف والتجارب الانسانية يجهلها العلماء الماديون الذين يستقون علومهم من التجارب والطرق الطبيعية، فعلى المهتمين بالتنمية البشرية الالتفات الى هذه المصادر وغيرها كزيادة العلم من خلال العمل به([2]).
(ومنها) ما روي عن لقمان الحكيم فانه سُئِلَ (ممن تعلمت الحكمة؟ قال: من العميان لأنهم لا يضعون أقدامهم في محل حتى يختبروه)([3]) (وقيل للقمان: ممن تعلمت الادب؟ فقال: ممن لا أدب لهم فاجتنبت كل ما استهجنتُه منهم)([4]).
ومن طرق التربية وتهذيب النفس الالتفات الى الامور التي عبّر القادة المعصومون (^) عن كراهيتهم لوجودها وصدورها من شيعتهم او عموم الناس وكانوا يتألمون منها فعلينا كأتباع مطيعين لهم أن نلتفت اليها ونعالجها بعد أن سهّلوا علينا، بذكرها مرحلة التشخيص، وتُعرف هذه الامور من استقراء الروايات الشريفة وقد سجلت جملة منها اثناء مطالعاتي:
1- شكوى الثلاثة: القرآن والمسجد والعالم، روى في الخصال عن الامام الصادق (×) قال (ثلاثة يشكون الى الله عز وجل مسجد خراب لا يصلي فيه اهله، وعالم بين جهال، ومصحف معلق قد وقع عليه غبار لا يُقرأ فيه)([5])، فشكوى القران التي ورد فيها قوله تعالى (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) (الفرقان30) وهجر القران لا يقتصر على ترك قراءته بل من الهجر ترك العمل بآياته ومضامين الرجوع اليه في كل الامور، مثلاً القرآن يقول (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً) (النساء65) بينما تجعل العشائر سنناً وفرائض ما انزل الله بها من سلطان تتحاكم اليها، ويقول تعالى (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (المائدة44) (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (المائدة45) (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (المائدة47) ويقف من ينتسب الى القران مانعاً من تطبيق أحكامه كما حصل عند تقديم مشروع المحكمة الشرعية والقانون الشرعي للأحوال الشخصية (الجعفري)، مع إنه قانون يتعلق بالامور الخاصة لكل إنسان وله الحق في أن يُجريها على ما يعتقد.
وقد شرحنا هذه الشكاوى الثلاث في كتاب مفصل اسمه (ثلاثة يشكون)
2- قلة التفقّه في الدين، والدين لا يستقيم بلا معرفة والتي تأتي من خلال المطالعة والاستماع والمتابعة، روي في الكافي عن الإمام الصادق (×) (لوددت أن أصحابي ضربت رؤوسهم بالسياط حتى يتفقّهوا)([6]) وقال (×) (عليكم بالتفقّه في دين الله ولا تكونوا أعراباً فإنه من لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله اليه يوم القيامة ولم يزكِّ له عملاً)([7]) ونقل الامام الصادق (×) عن رسول الله (’) قوله: (افّ لرجل –وفي رواية اخرى: لكل مسلم- لا يفرّغ نفسه في كل جمعة لأمر دينه فيتعاهده ويسأل عن دينه)([8]).
3- عدم الاعتناء بأمر صلاتهم سواء على مستوى المحافظة على أوقاتها أو الالتزام بحدودها وشروطها وأحكامها التفصيلية من الإبتداء بالطهور الى نهايتها، أو على مستوى الإقبال فيها و التدبر في معانيها، أو على مستوى تحقيق الغرض المرجو منها، روى حماد ابن عيسى([9]) قال: (قال لي أبو عبد الله (×) يوماً: تُحْسِنُ أن تصلي يا حماد؟... قُم فصلِّ، قال: فقمت بين يديه متوجها الى القبلة فاستفتحت الصلاة وركعت وسجدت، فقال: يا حماد لا تُحسن أن تصلي؟ ما أقبح بالرجل أن تأتي عليه ستون سنة أو سبعون سنة فما يقيم صلاة واحدة بحدودها تامة)([10]).
4- قول الإمام الصادق (×): (وددت والله أني افتديت خصلتين في الشيعة لنا ببعض لحم ساعدي: النَزَقْ وقلّة الكتمان)([11]).
تصوروا ألم الإمام وانزعاجه بحيث يتمنى لو قُطِّعَ جزء من جسده الشريف ليخلص شيعته من النزق أي الخفّة والطيش والتعجّل في الامور وعدم التصرف بحكمة وروية، ومن قلة الكتمان أي عدم المحافظة على الأسرار والمواقف المتعلقة بقضايا العقيدة أو فضائل اهل البيت (^) أو مثالب اعدائهم أو تقييم الاشخاص والموقف من السلطة والاحداث الجارية التي قد يبينها الإمام (×) لأحدهم خاصة ويحذّره من البوح بها لان أغلب الناس لا تستوعبها مثلاً أو لأنها تستفز الخصوم وتدفعهم الى الإضرار بشيعة الإمام (×) أو أن في بيانها تضييقاً على الامة والإمام (×) يريد التوسعة عليهم إشفاقاً بهم، لكن البعض لا يصبر على كتمان الأمر فيذيعه ويقع المحذور.
وأعتقد أن هذا هو أحد اسباب وجود التعارض في روايات أهل البيت (^) لأن القضية تتطلب أحياناً أن يكون هناك موقف عام معلن وآخر غير معلن يقوله الإمام (×) للخواص ليحفظوه منعاً من اندراسه فإذا اذيع الثاني كان معارضاً للأول ويختلط الأمر على المتلقين.
5- قلّة الأنصار المضحّين المطيعين لأمر الإمام والملتزمين بتوجيهاته بدقة وأن كان عدد الموالين والمريدين كثير، لكنهم عند الغربلة والإمتحان قليلون،روي عن امير المؤمنين (×) قوله: (لو وجدت اربعين ذوي عزم منهم لناهضت القوم)([12]) روى سدير الصيرفي قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ الله (×) فَقُلْتُ لَهُ وَالله مَا يَسَعُكَ الْقُعُودُ؟ فَقَالَ: وَلِمَ يَا سَدِير؟ُ قُلْتُ: لِكَثْرَةِ مَوَالِيكَ وَشِيعَتِكَ وَأَنْصَارِكَ وَالله لَوْ كَانَ لأمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (×) مَا لَكَ مِنَ الشِّيعَةِ وَالأنْصَارِ وَالْمَوَالِي مَا طَمِعَ فِيهِ تَيْمٌ وَلا عَدِيٌّ فَقَالَ: يَا سَدِيرُ وَكَمْ عَسَى أَنْ يَكُونُوا؟ قُلْتُ: مِائَةَ أَلْفٍ قَالَ: مِائَةَ أَلْفٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ وَمِائَتَيْ أَلْفٍ قَالَ: مِائَتَيْ أَلْفٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ وَنِصْفَ الدُّنْيَا قَالَ: فَسَكَتَ عَنِّي ثُمَّ قَالَ يَخِفُّ عَلَيْكَ أَنْ تَبْلُغَ مَعَنَا إِلَى يَنْبُعَ قُلْتُ نَعَمْ فَأَمَرَ بِحِمَارٍ وَبَغْلٍ أَنْ يُسْرَجَا فَبَادَرْتُ فَرَكِبْتُ الْحِمَارَ فَقَالَ: يَا سَدِيرُ أَ تَرَى أَنْ تُؤْثِرَنِي بِالْحِمَارِ قُلْتُ: الْبَغْلُ أَزْيَنُ وَأَنْبَلُ قَالَ: الْحِمَارُ أَرْفَقُ بِي فَنَزَلْتُ فَرَكِبَ الْحِمَارَ وَرَكِبْتُ الْبَغْلَ فَمَضَيْنَا فَحَانَتِ الصَّلاةُ فَقَالَ: يَا سَدِيرُ انْزِلْ بِنَا نُصَلِّ ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ أَرْضٌ سَبِخَةٌ لا تَجُوزُ الصَّلاةُ فِيهَا فَسِرْنَا حَتَّى صِرْنَا إِلَى أَرْضٍ حَمْرَاءَ وَنَظَرَ إِلَى غُلامٍ يَرْعَى جِدَاءً فَقَالَ: وَالله يَا سَدِيرُ لَوْ كَانَ لِي شِيعَةٌ بِعَدَدِ هَذِهِ الْجِدَاءِ مَا وَسِعَنِي الْقُعُودُ وَنَزَلْنَا وَصَلَّيْنَا فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنَ الصَّلاةِ عَطَفْتُ عَلَى الْجِدَاءِ فَعَدَدْتُهَا فَإِذَا هِيَ سَبْعَةَ عَشَرَ)([13]).
6- تصديق المدّعين للعناوين الدينية الكبيرة من غير تثبت وتحقيق في صحة هذه الدعاوى ومن دون عرضها على الموازين الشرعية فيقودهم هؤلاء المدّعون الى الضلال والانحراف ويستخدمونهم لتحقيق مآربهم في الزعامة وتحصيل الإمتيازات، روي عن الإمام الباقر (×) قوله: (وانه ليس من احد يدعو الى ان يخرج الدجال الا سيجد من يبايعه، ومن رفع راية ضلالة فصاحبها طاغوت)([14]) أي جهل وتخلف وحماقة وانعدام الورع لدى الناس بحيث ان صاحب كل دعوة حتى لو كانت يقينية البطلان يحصل على أتباع ومؤيدين ينشرون دعوته وينصرونه، ويحذّر الإمام الصادق (×) من ذلك قائلاً: (إياك أن تنصب رجلاً دون الحجّة، فتصدّقه في كل ما قال)([15]).
7- التنازع والتقاطع بين الأتباع، ورد في رسالة الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه) الى الشيخ المفيد قوله: (لو أنّ أشياعَنا وفَّقهم الله لطاعته على اجتماعٍ من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم، لما تأخّر عنهم اليُمنُ بلقائِنا ، ولتعَجّلَت لهمُ السعادة بمشاهدتنا)([16]).
8- قول امير المؤمنين (×): (قصم ظهري رجلان: عالم متهتك وجاهل متنسك)([17]) وقد تناولت في خطاب سابق([18]) الاثار التدميرية لهذين الخطين الخطيرين في المجتمع خطّ النفاق والرياء وطلب الدنيا بالدين وخطّ التقدّس المتحجّر غير الواعي.
([1] ) الخطبة الاولى لصلاة عيد الفطر السعيد التي أقامها سماحة المرجع (دام ظله) في مكتبه يوم السبت 18/7/2015.
(([2] راجع خطاب (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْما) (طه114).
0[3]) كتاب حكم لقمان للريشهري: ص 8 .
(([4] كتاب حكم لقمان للريشهري: ص 9.
([5]) الخصال: 111 ابواب الثلاثة ح 163
([6] )الكافي: ج1 كتاب فضل العلم، باب فرض العلم.
([7] )الكافي: ج1 كتاب فضل العلم، باب فرض العلم.
([8] )الكافي: ج1 كتاب فضل العلم، باب سؤال العالم.
([9] )من ثقات الاصحاب روى عن الإمام الصادق {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً }طه114 (عليه السلام) وتوفي في حياة الإمام الجواد (عليه السلام)
([10] )ميزان الحكمة: 5/114 عن كتاب من لا يحضره الفقيه: 1/300 ح 915.
([11] )الكافي: ج2 كتاب الايمان والكفر، باب الكتمان.
(([12] بحار الانوار: 28/313 عن عدة مصادر منها السقيفة للجوهري ووقعة صفين لنصر بن مزاحم.
([13]) الكافي: ج2 كتاب الايمان والكفر، باب في قلة عدد المؤمنين، ح 4
([14] )الكافي: 8/296، الروضة، ح456
([15] ) لكافي: 2/ 298 باب طلب الرئاسة، ح5.
([16] )الاحتجاج للطبرسي: ج2 ص499
([17] )شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد المعتزلي: 20 : 284 ، كلمة رقم 248.
([18]) خطاب المرحلة: ج4 ص 91