الحوزة العلمية والعمل الاجتماعي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحوزة العلمية والعمل الاجتماعي ([1])
أودُّ أن اعرض عليكم اليوم بعض الأحاديث التي تحفز فضلاء الحوزة العلمية لبذل أقصى الوسع في إرشاد الناس الى الحق واستنقاذهم من المعصية والانحراف وتعليمهم ما يقرّبهم الى الله تبارك وتعالى .
ومن تلك الأحاديث ما ورد في الاحتجاج وتفسير العسكري قال : قال علي بن أبي طالب (عليه السلام) : من كان من شيعتنا عالماً بشريعتنا فأخرج ضعفاء شيعتنا من ظلمة جهلهم الى نور العلم الذي حبوناه به : جاء يوم القيامة وعلى رأسه تاج من نور يضيء لأهل جميع العرصات , وعليه حُلّةً لا يقوم لأقل سِلْكٍ منها الدنيا بحذافيرها , ثم ينادي منادٍ يا عباد الله : هذا عالم من تلامذة بعض علماء آل محمد (صلى الله عليه وآله) : ألا فمن أخرجه في الدنيا من حيرة جهله فليتشبث بنوره ليخرجه من حيرة ظلمة هذه العرصات الى نزه الجنان فيخرج كل من كان علمه في الدنيا خيراً او فتح عن قلبه من الجهل قفلاً او أوضح له عن شبهة) [2]
وهناك جملة من الروايات في نفس المعنى موجودة في المصدر نفسه , ولعلنا سنتناول جوانب منها في مناسبات قادمة بإذن الله تعالى .
أفبعد هذه الجوائز والمكافئات المعدًّة لمن قام بخدمةٍ من هذا القبيل يمكن لأحد من تعلّم شيئاً نافعاً للأمة أن يتقاعس ويعتريه الكسل عن القيام بهذه الوظيفة الإلهية .
ولو أردنا أن نحلل سبب عدم قيام بعض أفراد الحوزة العلمية بهذه الواجبات الاجتماعية لأمكن تشخيص أكثر من سبب
1- التأسي بنمط موروث لدى شريحة من الحوزة العلمية من علاماتها الترفّع عن مخالطة الناس والحديث معهم بل حتى السلام عليهم , وإذا أحرجهم أحد فسلَّم عليهم أكتفوا برده بالإشارة والإيماء ليحيطوا أنفسهم بهالة من القداسة المصطنعة .
وهذا النهج مخالف لسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة الطاهرين (عليهم السلام) فقد كانوا يجالسون العبيد ويؤاكلونهم ويبتدئون الناس بالسلام , ويشاركونهم في أفراحهم وأحزانهم وهمومهم ويتفقدونهم , وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) طبيباً دواراً بطبّه ويجلس مع الأعرابي في معطف الإبل .
2- التهرّب من إبراز هوّيته والتعرف على الجهة التي يرجع إليها , إما خوفاً من أن يصيبه ضررهم أو يحرموه عطائهم ونحوها وهذا من قلة الثقة بالله تبارك وتعالى , والمداهنة المنهي عنها شرعاً وإلا فإنهم ينتمون الى جهة جامعة لشروط المرجعية والقيادة الاجتماعية والفكرية, ولنتذكر هنا قوله تعالى (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ173 فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ 174 . (آل عمران) .
3- تسويلات النفس التي تميل الى الدعة والراحة والتنصّل عن المسؤولية فتتذرع بما هو حجة عليها كالانشغال بطلب العلم , مع إن العلم إنما يطلب للعمل به وليس للمراء والجدال , والعلم يزكو بالإنفاق , وأشد الناس حسرةً يوم القيامة من تعلّم علماً ولم يعمل به .
إن المجتمع توّاق للهداية والصلاح , وقد جرّب بعض الفضلاء العاملين الرساليين – جزاهم الله خير الجزاء – حينما انطلقوا بكلمة الهداية والصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كيف أستقبلهم الناس وأخذوا عنهم واندفعوا الى التطبيق , بل اهتدى الى مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) من كان بعيداً عنها كما حصل في محافظة ديالى في المواسم الأخيرة بفضل الله تبارك وتعالى.
ومن أكثر وسائل الاتصال بالمجتمع بركة هي صلاة الجمعة مع ما يرافقها من الشعائر الدينية وأشيد هنا بجهود الأخوة الفضلاء الذين نشروا صلاة الجمعة في أصقاع عديدة , خصوصاً وأنني أفتي بوجوب إقامتها إذا توفر العدد وإمام يخطب مع مراعاة المسافة عن الصلوات الأخرى .
لقد أطلعت على التوصيات التي خرج بها مؤتمركم وهي خطوة بل خطوات في الاتجاه الصحيح من حيث مضامين الخطب وتنوعها وشمولها لشؤون الحياة كافة ومواكبتها للحدث والتفاعل مع القرآن الكريم وسنة المعصومين (سلام الله عليهم) .
وبيان المستجدات سواء على صعيد الفتاوى المستحدثة او المواقف العامة وغيرها .
أسأل الله تبارك وتعالى أن يسدّدكم في القول والعمل وينفع بكم إنه ولي النعم .
(([1] من حديث سماحة الشيخ اليعقوبي مع المشاركين في المؤتمر العام الثاني لأئمة الجمعة والجماعة ومدراء مكتب التنسيق الحوزوي في محافظات العراق , وقد انعقد في النجف الأشرف يوم الاثنين 4/ج1/1431هـ المصادف 19/4/2010 .
([2]) بحار الأنوار : 2/2 الحديث الثاني .